بقلم الأستاذ: إدريس أوهلال
تحدثنا في الدرس الرابع من هذه السلسلة عن نظام الفقرات وأهميته في الكتابة المقالية، وقلنا بأن نظام الفقرات يعتبر مقوما أساسيا في بناء المقال؛ فهو في نفس الوقت وسيلة منهجية لتنظيم الأفكار وإبراز تنامي الفكر، وأداة تواصلية باعتباره لغة مشتركة بين الكاتب والقارئ. في هذا الدرس نتحدث عن فقرات العرض.
ما ينبغي الالتزام به:
العرض هو جسم المقال، ومن الضروري أن يستجيب لما يلي:
ـ يجب البدء بتحديد تصميمه. وعموما توجد تصاميم متعددة ممكنة من قبيل التصميم الجدلي، والتصميم التطوري. إن أهم عنصر محدد لتصميم العرض هو الإستراتيجية الحجاجية المعتمدة (راجع سلسلة دروس الحجاج الفلسفي/ الدرس الثاني)؛
ـ الالتزام بالإطار الذي ترسمه الإشكالية، وهذا يقتضي الانطلاق من الإشكالية نفسها؛
ـ المطلوب في العرض هو إيجاد حل للمشكل الفلسفي المطروح؛
ـ تنامي الفكر بشكل واضح ودقيق ومترابط انطلاقا من نقطة بداية: الإشكالية، وصولا إلى نقطة نهاية: الحل، مرورا بمراحل متمايزة وواضحة ودقيقة ومترابطة.
ما ينبغي تجنبه:
ثلاثة منزلقات يجب تجنبها عند وضع تصميم للعرض: انعدام النظام، والتصلب في النظام، والتعسف في النظام.
ـ انعدام النظام: عرض الأفكار "بالجملة" دون خيط رابط بينها؛
ـ التصلب في النظام: وذلك بوضع تصميم بشكل قبلي ونهائي، فمهما بلغت دقة التصميم التي وضع في البداية نحتاج دائما إلى قدر من المرونة كلما ظهرت عناصر جديدة تقتضي القيام بتعديلات على التصميم الأصلي.
ـ التعسف في النظام: وذلك بوضع تصميم بشكل قبلي ونهائي والبحث عن مادة معرفية لملء فراغاته دون اعتبار لمدى مناسبتها. ويكثر هذا التعسف خاصة في التصميم الجدلي الذي يتم إفراغه من وظيفته في هذه الحالة؛ فلا معنى لمقال يقول فيه التلميذ "نعم" في البداية، تم "لا" بعد ذلك، ليخلص في النهاية إلى "يمكن" أو إلى تركيب وهمي لن يقنع أحدا.
توجيهات:
ـ من الأفضل كتابة العرض مباشرة على ورقة التحرير بتوجيه من التصميم المفصل الذي ينبغي بناؤه على ورقة التسويد بشكل قبلي حتى لا يطرح مشكل سوء تدبير الوقت الذي يؤدي إلى عدم إنهاء المقال.
ـ عدد فقرات العرض ومضمون كل فقرة يتحدد انطلاقا من نوع المقال والإستراتيجية الحجاجية المعتمدة.
ـ احترام نظام الفقرات مسألة أساسية لتمييز الأفكار الأساسية عن بعضها بوضوح ولإبراز تنامي الفكر.
ـ احترام نظام الربط أيضا مسألة أساسية. يستحسن الربط ببعض جمل الانتقال لحسن التخلص مما تم تحريره وتبرير ضرورة الانتقال لما سيأتي. إن هذه الجمل هي لحظات مهمة للتأكد من أننا نسير في الاتجاه الصحيح.
أسئلة الفهم:
1 ـ ما هو أول شيء ينبغي البدء به لإنجاز العرض؟
2 ـ ما هو الإطار العام الذي ينبغي الالتزام به في العرض وعدم الخروج عنه؟
3 ـ ما المطلوب في العرض؟
4 ـ ما هي المنزلقات التي يجب تجنبها عند وضع تصميم للعرض؟
5 ـ ما الذي يحدد عدد فقرات العرض ومضمون كل فقرة؟
6 ـ ما مقتضى نظام الفقرات ولماذا يجب احترامه في العرض؟
7 ـ ما مقتضى نظام الربط ولماذا يجب احترامه في العرض؟
تمرين 1:
ضع تصميما مفصلا لعرض الموضوع التالي.
هل يجب علينا احترام الأشياء كما نحترم الأغيار؟
تمرين 2:
ضع تصميما مفصلا لعرض الموضوع التالي.
لماذا لا نتصرف بنفس الطريقة اتجاه الأشياء والأشخاص؟
تمرين 3:
ضع تصميما مفصلا لعرض الموضوع التالي.
هل الإنسان نتاج لمعطياته الوراثية أم لإرادته؟
تمرين 4:
ضع تصميما مفصلا لعرض الموضوع التالي.
هل يمكن لعلوم الإنسان اعتماد مناهج علوم الطبيعة؟
تمرين 5:
ضع تصميما مفصلا لعرض الموضوع التالي.
هل يقتضي قيام علوم الإنسان التضحية بفكرتنا عن "الإنسان" أم بفكرتنا عن "العلم"؟
تمرين 6:
ضع تصميما مفصلا لعرض الموضوع التالي.
هل يحظى سؤال "ما الإنسان؟" بإجابة علمية؟
تمرين 7:
ضع تصميما مفصلا لعرض الموضوع التالي.
هل يؤدي تعليل الظاهرة الإنسانية إلى تبريرها؟
ملاحظة:
ـ التخطيط الجاهز لا يعفي التلميذ من التفكير، بل يعفيه فقط من تصميم المقال، أي الاستراتيجية الحجاجية، وتبقى عدة مهام تقتضي التفكير تنتظره.
ـ تقديم تصاميم للتلميذ "سلاح ذو حدين" للأسف. لا يمكن أن نتحدث للتلميذ نظريا فقط عن التصميم وعن ماهيته وأهميته في الكتابة المقالية دون تقديم نماذج تجسده عمليا، رغم أن التجربة الفصلية أكدت أن التلاميذ يسيؤون استخدام النماذج. ليس في الأمر تناقض. إنها الضرورة الديداكتيكية. وأعتقد أن غياب فرص التمرن الكافية على الكتابة الفلسفية هي من أهم أسباب هذا النزوع نحو الجاهز لدى التلاميذ. تطوير الدرس الفلسفي بحاجة إلى محترفات للكتابة الفلسفية.