بقلم الأستاذ: إدريس أوهلال
تقديم:
تحدثنا في الدرس الرابع من هذه السلسلة عن نظام الفقرات وأهميته في الكتابة المقالية، وقلنا بأن نظام الفقرات يعتبر مقوما أساسيا في بناء المقال؛ فهو في نفس الوقت وسيلة منهجية لتنظيم الأفكار وإبراز تنامي الفكر، وأداة تواصلية باعتباره لغة مشتركة بين الكاتب والقارئ. في هذا الدرس نتحدث عن فقرة الخاتمة وهي آخر فقرة في المقال الفلسفي.
تتكون خاتمة المقال الفلسفي من ركنين:
ـ حصيلة مسار العرض؛
ـ انفتاح على إشكال جديد.
الحصيلة ركن إجباري، أما الانفتاح فهو اختياري ويمكن الاستغناء عنه.
حصيلة مسار العرض:
من أخطر الأخطاء تداولا بين التلاميذ خطأ التفكير بدون مرجعية واضحة ودقيقة. ومعنى غياب هذه المرجعية أن التلميذ يحاول إنجاز مطلب ما وهو يفكر في الفراغ والمطلق. هناك دائما، وفي جميع الحالات، ولكل المطالب فضاء للممكن يمكن اعتماده كمرجعية للتفكير. فمثلا إذا أراد التلميذ التمهيد للإشكال فعليه أن يفكر بمرجعية صيغ التمهيد التي لا تتعدد إلى ما لانهاية، بل هي محصورة في عدد محدد ومحدود. وما عليه سوى الاختيار بين هذه الصيغ وتطبيق مقتضيات إحداها لإنجاز المطلوب. كذلك الأمر في مطلب إنجاز حصيلة مسار العرض. توجد صيغ محددة ومحدودة؛ أي يوجد فضاء للمكن يجنبنا مرجعية الفراغ والمطلق. فما الحصيلة؟ وما صيغها؟
الحصيلة جواب واضح ودقيق ومباشر عن الإشكال المطروح في المقدمة، لكنه جواب محكوم بمسار العرض. ولذلك فمن البديهي أن تراعي هذه الحصيلة نوع المقال وإلا وقع التلميذ في التناقض بين مقتضى مسار العرض ومضمون الحصيلة.
1 ـ في حالتي مقال الحكي والمقال النقدي:
نظرا لأن مسار العرض يتضمن مواقف فلسفية متعددة فإن الحصيلة لن تخرج من الناحية المنطقية عن ثلاثة احتمالات:
ـ حصيلة محايدة؛ وهي ممكنة باستخدام صيغة: من جهة... من جهة أخرى... أو ما يقوم مقامها؛
ـ حصيلة تركيبية؛ وفي هذه الحالة يكون التلميذ مدعوا لإبراز التكامل الموجود بين مختلف المواقف الفلسفية رغم التعارض الظاهر بينها؛
ـ حصيلة ترجيحية؛ وفي هذه الحالة يكون التلميذ مدعوا لتبرير سبب ترجيحه. ومن الأفضل أن يكون هذا التبرير قد تم في العرض من خلال طريقة عرضه لهذه المواقف أو من خلال مناقشته لها.
وإذا كان التلميذ من حيث المبدأ حرا في اختياره بين الحياد والتركيب والترجيح وهذا من أبسط حقوقه الفكرية فإنه مدعو رغم ذلك إلى اليقظة والحذر في اختياراته وذلك بمراعاة ما يلي:
ـ الحصيلة التركيبية غير ممكنة إذا كانت المواقف الفلسفية متقابلة تقابل تناقض لا تقابل تعارض، وإلا وقع التلميذ في التناقض. أما الفرق بين تقابل التعارض وتقابل التناقض فهو: موقفان متعارضان يمكن الجمع بينهما. أما موقفان متناقضان فلا يمكن الجمع بينهما. مثلا يمكن الجمع بين فكرة: وظيفة اللغة التواصل. وفكرة: وظيفة اللغة السيادة والسيطرة. لكن لا يمكن الجمع بين فكرة: اللغة والفكر منفصلان. وفكرة: اللغة والفكر متصلان.
ـ الحصيلة الترجيحية غير منصوح بها عموما لأن التلميذ بترجيحه لموقف فلسفي على آخر بشكل إطلاقي يكون قد تجاهل قيمة الموقف المرجوح وحدود الموقف الراجح. لا ينبغي أن ننسى أنه في الفلسفة كل موقف فلسفي له قيمة وحدود، ولا وجود لموقف فلسفي صحيح ولا لموقف فلسفي خاطئ.
ملاحظة:
أين الرأي الشخصي للتلميذ في هذه الصيغ الثلاث من الحصيلة؟
إنه في الاختيار الذي يقوم به التلميذ.
ـ فإذا اختار حصيلة محايدة فمعنى هذا أنه اختار أن يكون محايدا؛
ـ وإذا اختار حصيلة تركيبية فمعنى هذا أنه يرى أن مختلف المواقف الفلسفية تتكامل رغم التعارض الظاهر بينها؛
ـ وإذا اختار حصيلة ترجيحية فمعنى هذا أنه اختار أن ينتصر لموقف فلسفي ضد آخر.
2 ـ في حالة مقال الرأي:
أما في حالة مقال الرأي فإن الحصيلة هي تأكيد للحل المعلن أصلا في المقدمة على سبيل الافتراض. وهو الآن في الخاتمة معلن على سبيل الحقيقة الشخصية بعد أن تم إثباته بالحجج في العرض.
نموذج خاتمة محايدة:
الإشكال: أصل الحق.
المواقف: التصور الطبيعي / التصور التعاقدي / التصور الوضعي.
الحصيلة:
يظهر في الختام أن إشكالية أصل الحق مطبوعة بالتعدد والتنوع والتغاير. فمن جهة الموقف الطبيعي نجد أن الحق يتحدد تبعا لما يتوفر عليه الإنسان من قوة، ومن جهة فلسفة الأنوار يعتبر الحق المدني نموذجا للحق وهو عبارة عن كل حق يرجع إلى الإنسان بحكم إنسانيته وبحكم طبيعته ككائن عاقل ومريد وحر يدخل في علاقات مع آخرين مثله. أما من جهة التصور الوضعي فلا وجود لحق غير الحق الوضعي الفعلي.
نموذج خاتمة تركيبية:
الإشكال: وظائف اللغة.
المواقف: المنظور اللساني / المنظور الاجتماعي. لا حظ أن المواقف متقابلة تقابل تعارض لا تقابل تناقض وهذا يعطينا الحق في التركيب.
الحصيلة:
نستخلص إذن أن اللغة لسان اجتماعي له وظائف متعددة ومختلفة؛ فأن نتكلم معناه أن نتواصل من حيث المبدأ، لكن معناه أيضا أن نسود ونسيطر من جهة الوظيفة الاجتماعية للغة.
نموذج خاتمة ترجيحية:
الإشكال: حدود العقل.
المواقف: ديكارت / كانط.
الحصيلة:
نخلص من خلال ما سبق إلى أن العقل قدرة محدودة على المعرفة بحدود التجربة الحسية كما بين بوضوح ودقة كانط من خلال مشروعه النقدي للعقل، ولا يمكن بحال الذهاب مع العقلانيين في ثقتهم المفرطة بقدرة العقل المطلقة.
انفتاح على إشكال جديد:
ينصح بعض الزملاء بتجنب الانفتاح بإشكال جديد والتوقف عند نهاية الحصيلة وإغلاق النقاش الذي تم فتحه في المقدمة بالإشكال الذي طرح فيها. وهذا الرأي له عموما ما يبرره، وهو بالضبط ما يدعو إليه بعض رواد المدرسة الفرنسية في ديداكتيك الفلسفة ومنهم جاكلين روس، لكن أعتقد أن الانفتاح مطلب مهم لأنه تمرين آخر في التفكير والكتابة الفلسفيين، رغم صعوبته النوعية، وهذا ما أكدته التجربة الفصلية التي بينت أن محاولات التلاميذ تنتهي غالبا إلى انفتاح شكلي وغير مناسب ولا علاقة له بسياق الحصيلة.
ولمساعدة التلميذ على تجاوز هذه الصعوبة نؤكد مرة أخرى هنا على ضرورة منح التلميذ مرجعية واضحة ودقيقة يرجع إليها للانفتاح حتى لا يبقى عرضة لمنزلق التفكير في الفراغ والمطلق. فما هي صيغ الانفتاح الممكنة؟
للانفتاح يمكن التفكير في:
1 ـ إشكال جديد من نفس الدرس/المفهوم؛
2 ـ إشكال جديد من درس/مفهوم آخر من نفس المجزوءة؛
3 ـ إشكال جديد من مجزوءة أخرى؛
4 ـ إشكال جديد من خارج المقرر؛
وعموما كلما ابتعدنا عن المجال الإشكالي للمفهوم الذي يتناوله الموضوع كلما كان إنجاز الانفتاح أصعب. لكن لا يتعلق الأمر هنا بقاعدة عامة، فقد يكتشف التلميذ إمكانية سهلة للانفتاح بإشكال من خارج المقرر لا يتيحها إشكال ما من نفس المفهوم.
نموذج خاتمة مفتوحة:
يظهر لنا في الختام أن الصداقة لا تمثل عائقا أمام معرفة الغير بل على العكس من ذلك تماما هي تجربة مساعدة على معرفة الغير بشكل أفضل و أدق. لكن هل هذه المعرفة هي مطلقة أم نسبية ؟
أسئلة الفهم:
1 ـ ما هي أركان الخاتمة؟
2 ـ ميز في أركان الخاتمة بين الإجباري والاختياري؟
3 ـ ما معنى أن تكون الخاتمة حصيلة لمسار العرض؟
4 ـ أذكر أنواع حصيلة مسار العرض في حالتي مقال الحكي والمقال النقدي.
5 ـ ما الفرق بين تقابل التعارض وتقابل التناقض؟ مثل لكل منهما.
6 ـ هل من الممكن إنجاز حصيلة تركيبية في سياق مواقف فلسفية متقابلة تقابل تناقض؟ علل جوابك.
7 ـ ما حصيلة مسار العرض في حالة مقال الرأي؟
8 ـ أين الرأي الشخصي للتلميذ في الصيغ الثلاث من الحصيلة في حالتي مقال الحكي والمقال النقدي؟
9 ـ ما الفرق بين الخاتمة المفتوحة والخاتمة المغلقة؟
10 ـ فيم ينبغي التفكير للانفتاح على إشكال جديد؟
تمرين 1:
ضع خاتمة تركيبية للموضوع التالي.
ماذا يعني أن نتكلم؟
تمرين 2:
ضع خاتمة ترجيحية للموضوع التالي.
هل يمكن لعلوم الإنسان اعتماد مناهج علوم الطبيعة؟
تمرين 3:
ضع خاتمة محايدة للموضوع التالي.
هل الإنسان نتاج لمعطياته الوراثية أم لإرادته؟
تمرين 4:
ضع خاتمة مفتوحة للموضوع التالي.
هل يتوقف مصير الشخص على اختياره الحر؟