بقلم الأستاذ: إدريس أوهلال
بقلم الأستاذ: إدريس أوهلال
تقديم:
تحدثنا في الدرس الرابع من هذه السلسلة عن نظام الفقرات وأهميته في الكتابة المقالية، وقلنا بأن نظام الفقرات يعتبر مقوما أساسيا في بناء المقال؛ فهو في نفس الوقت وسيلة منهجية لتنظيم الأفكار وإبراز تنامي الفكر، وأداة تواصلية باعتباره لغة مشتركة بين الكاتب والقارئ. في هذا الدرس نتحدث بتفصيل عن فقرة التقديم وهي أول فقرة في المقال الفلسفي.
أركان المقدمة:
تقوم مقدمة المقال الفلسفي على مجموعة من الأركان بعضها إجباري والبعض الآخر اختياري. فالإجباري منها هو التمهيد والإشكال، أما الأركان الأخرى فهي اختيارية وبحسب نوعية المقال، وهذه الأركان هي:
1 ـ التمهيد المناسب
2 ـ طرح الإشكال
3 ـ إبراز الرهان
4 ـ إعلان التصميم
5 ـ إعلان الحل/الموقف الشخصي
التمهيد:
لا نطرح الإشكال عادة منذ البداية بل نمهد له وبشكل مناسب، وأنسب تمهيد هو ذلك الذي يقودنا بشكل طبيعي إلى طرح الإشكال. وللتمهيد طرق معلومة يمكن للتلميذ أن يختار منذ البداية إحداها ويطبق مقتضياتها لإنجاز تمهيد للإشكالية التي يريد طرحها. ومن أهم هذه الطرق نجد:
ـ التمهيد بالانطلاق من تأطير مفاهيمي للإشكال؛ أي من تعريف المفهوم أو المفاهيم الأساس في الإشكال. يمكن استخدام تعدد دلالات المفاهيم لخلق التقابل المساعد على طرح الإشكال؛ أو استخدام غموض المفاهيم في دلالاتها المتداولة أو اللغوية أو حتى الفلسفية لطرح الإشكال؛
ـ التمهيد بالانطلاق من تأطير تاريخي للإشكال؛
ـ التمهيد بالانطلاق من تقابل بين موقفين أو مفهومين أو مثالين أو واقعتين؛
ـ التمهيد بالانطلاق من موقف على سبيل الافتراض، أو مفهوم أو مثال أو واقعة تم التساؤل عن قيمته أو دلالته؛
ـ التمهيد بالانطلاق من الإجابة أو الإجابات التي يعطيها العوام للإشكال المطروح؛
ـ التمهيد بالانطلاق من وضعية واقعية ومعيشة يمكن للإشكال أن يطرح فيها؛
ـ التمهيد بالانطلاق من وضع الإشكال داخل إطاره العام والخاص؛
الإشكال:
ليست الصيغة الاستفهامية هي الصيغة الوحيدة لطرح الإشكال، إذ يصح طرح الإشكال بصيغة غير استفهامية، لكن الصيغة الاستفهامية أوضح وأنسب.
لطرح الإشكال ينبغي مراعاة ما يلي:
ـ حسن اختيار حروف السؤال ومراعاة الدقة في ذلك: هل، ما، كيف...
ـ ضرورة استخدام المفاهيم الفلسفية في طرح الإشكال.
وأمام التلميذ عدة صيغ ممكنة لطرح الإشكال:
من جهة مصدر الصيغة:
ـ صيغة الدرس؛
ـ صيغة الامتحان؛
ـ صيغة شخصية يضعها التلميذ.
من جهة الوسيلة:
ـ استخدام المفاهيم؛
ـ استخدام الاستعارات؛
ـ المزاوجة بين المفهوم والاستعارة.
من جهة التصريح والتضمين:
ـ استخدام التقابلات الصريحة؛
ـ استخدام التقابلات الضمنية.
مثلا إذا أردنا طرح إشكالية طبيعة وجود الغير أمامنا عدة صيغ منها:
ما طبيعة وجود الغير؟
هل الغير ذات أم موضوع؟
هل الغير ذات؟
هل الغير موضوع؟
هل الغير هو من أرى أم من يراني؟
هل الغير هو من أرى؟
هل الغير هو من يراني؟
الرهان:
يقصد بالرهان تحديد الأهمية التي يكتسيها البحث في الإشكالية وذلك بالكشف عن رهانها النظري و/أو العملي.
إعلان التصميم:
يرى بعض الزملاء أن المقدمة يجب ألا توحي بمضامين العرض؛ لأنها بهذا الشكل تمنع من استكشاف ما هو آت. وأعتقد شخصيا أن إعلان التصميم أي تحديد الخطوات التي سيتم إتباعها في العرض لمعالجة الإشكال المطروح لا يفسد، من حيث المبدأ، للمقال قضية. لكن أرى أنه من الأفضل تجنب إعلان التصميم؛ لا لأنها بهذا الشكل تمنع من استكشاف ما هو آت، بل، وهذا أهم وأخطر، لأن تصميم العرض ما هو في حقيقته سوى الإستراتيجية الحجاجية التي سيتم اعتمادها. ومن قلة الذكاء أن يعلن المرء عن إستراتيجيته لأن في إعلانها تضعيف لها.
إعلان الحل/الموقف الشخصي:
يرى بعض الزملاء أن المقدمة يجب أن تخلو من كل إجابة صريحة عن المطلوب؛ لأن المقدمة ستكتسي، في هذه الحالة، شكل إجابة متسرعة. وأرى أن هذا غير صحيح. فقد يكون من المناسب أن ننطلق كما بينا أعلاه من إجابة معينة للمشكل المطروح على سبيل الافتراض للتمهيد. كما أن إعلان الحل الذي يراه التلميذ والذي سيدافع عنه في العرض بشكل صريح وواضح في نهاية المقدمة يعتبر أمرا جيدا تدعيما للوضوح وحسن التواصل مع القارئ/المصحح. ولا يمثل ذلك إجابة متسرعة لأن المقدمة هي آخر ما يكتب كما هو متعارف عليه في التقاليد المنهجية.
نموذج تطبيقي:
منطلق هذا النموذج هو السؤال التالي:
هل يتأسس الحق على القوة أم على تقنينها؟
لقد شهد عصر النهضة ظهور عدة فلسفات سياسية اهتمت بإشكالية أصل الحق؛ فمن جهة حاولت الفلسفة الطبيعية اعتماد مفهوم القوة لتبرير سلطة الأنظمة السياسية، وذلك بإبراز هذه القوة في مظهر الحق. لكن تأسيس الحق على القوة يعتبر خطيرا. وهذا ما عمل روسو على فضحه بوضوح وقوة. ففي نظره حالما تكون القوة هي التي تصنع الحق فإن النتيجة تتغير بتغير السبب؛ فكل قوة تعلو على التي سبقتها ترث حقها. وفي هذا السياق يتنزل هذا السؤال الذي يعالج قضية خطيرة ألا وهي قضية أساس الحق: فعلى ماذا يمكن أن يؤسس الحق؟ هل هناك ما يبرر تأسيسه على الطبيعة؟ وهل يمثل ذلك أساسا كافيا؟ ألا ينبغي بالمقابل تأسيس الحق على الإرادة العامة وجعله حقا مدنيا؟ إن معالجة هذا الإشكال تمكننا من تعميق مسألة أساس الحق التي تكتسي خطورة خاصة في المجتمعات المعاصرة وهي مجتمعات كثيرا ما تسيطر عليها الأنظمة الاستبدادية التي تلجأ إلى أساليب مغالطة عديدة لتبرير القمع والتعسف بدعوى دفاعها عن الحق المدني والقانون.
تحليل النموذج:
تتكون هذه المقدمة من:
ـ تمهيد مناسب باعتماد تقابل بين موقفين فلسفيين تم عرضهما في سياق تاريخي؛
ـ طرح الإشكال: أربعة أسئلة بعضها تحليلي والبعض الآخر تقويمي.
ـ إبراز رهان تناول الإشكال.
أسئلة الفهم:
1 ـ ما هي أركان المقدمة؟
2 ـ ميز في أركان المقدمة بين الإجباري والاختياري؟
3 ـ ما معنى أن يكون التمهيد مناسبا؟
4 ـ أذكر بعض طرق التمهيد المناسب.
5 ـ أذكر بعض طرق طرح الإشكال.
6 ـ ما المقصود بإبراز الرهان؟
7 ـ ما الفرق بين الرهان النظري والرهان العملي؟
8 ـ هل من المناسب إعلان تصميم العرض في المقدمة؟
9 ـ هل من المناسب إعلان الحل المقترح للمشكل في المقدمة؟
تمرين 1:
ضع مقدمة للموضوع التالي باستخدام طريقة التمهيد بالانطلاق من تأطير مفاهيمي للإشكال.
هل يجب علينا احترام الأشياء كما نحترم الأغيار؟
تمرين 2:
ضع مقدمة للموضوع التالي باستخدام طريقة التمهيد بالانطلاق من تأطير تاريخي للإشكال.
لماذا لا نتصرف بنفس الطريقة اتجاه الأشياء والأشخاص؟
تمرين 3:
ضع مقدمة للموضوع التالي باستخدام طريقة التمهيد بالانطلاق من تقابل بين موقفين.
هل الإنسان نتاج لمعطياته الوراثية أم لإرادته؟
تمرين 4:
ضع مقدمة للموضوع التالي باستخدام طريقة التمهيد بالانطلاق من موقف على سبيل الافتراض،
هل يمكن لعلوم الإنسان اعتماد مناهج علوم الطبيعة؟
تمرين 5:
ضع مقدمة للموضوع التالي باستخدام طريقة التمهيد بالانطلاق من الإجابة أو الإجابات التي يعطيها العوام للإشكال المطروح.
هل يقتضي قيام علوم الإنسان التضحية بفكرتنا عن "الإنسان" أم بفكرتنا عن "العلم"؟
تمرين 6:
ضع مقدمة للموضوع التالي باستخدام طريقة التمهيد بالانطلاق من وضعية واقعية ومعيشة يمكن للإشكال أن يطرح فيها.
هل يحظى سؤال "ما الإنسان؟" بإجابة علمية؟
تمرين 7:
ضع مقدمة للموضوع التالي باستخدام طريقة التمهيد بالانطلاق من وضع الإشكال داخل إطاره العام والخاص.
هل يؤدي تعليل الظاهرة الإنسانية إلى تبريرها؟
تمرين 8:
اعد طرح الإشكالات التالية بصيغ أخرى.
ـ هل يتوقف مصير الشخص على اختياره الحر؟
ـ من يتكلم حينما أنطق بكلمة "أنا"؟
ـ هل الحكمة هي السبيل الوحيد لتحصيل السعادة؟
ـ ألا يلزم أن نمتنع عن التفكير حتى نكون سعداء؟
ـ هل السعادة واجب؟