الخطاطة العامة لمجزوءة ما الفلسفة جذع مشترك

سعيد إيماني
بواسطة -
0

 



الوصف والتحليل الشامل للجذاذة


إن الجذاذة التربوية في مادة الفلسفة ليست مجرد وثيقة إدارية أو جدول لتنظيم سير الدروس، بل هي أداة بيداغوجية أساسية تؤطر الممارسة التعليمية للمدرس، وتضمن له وضوح الرؤية في ما يخص الأهداف والوسائل والمضامين وطرق التقويم. ومن خلال هذه الجذاذة المعروضة، يمكن ملاحظة أنها صيغت وفق تصور منهجي متكامل يجمع بين مختلف مكونات الوضعية التعليمية ـ التعلمية: القدرات المنتظرة، المؤشرات، الوسائط الديداكتيكية، المضامين، الطرق التعليمية، الوسائل المستعملة، وأشكال التقويم. وهذا التكامل يجعلها بمثابة خارطة طريق دقيقة تدعم المدرس في إنجاز دروسه بشكل منظم وفعال داخل القسم.

أولا: مدخل عام للجذاذة

تنطلق الجذاذة من تحديد القدرات الأساسية التي يسعى المدرس إلى تنميتها عند التلاميذ، مثل القدرة على تحديد الدلالة المفهومية للفلسفة، أو القدرة على صياغة الإشكالات الفلسفية، أو تدريبهم على الحجاج. فهذه القدرات تشكل البنية التحتية لدرس الفلسفة، إذ لا يمكن للتلميذ أن ينخرط في التفكير الفلسفي دون المرور عبر هذه المداخل المنهجية.

ثم تحدد الجذاذة المؤشرات التي تسمح بقياس تحقق تلك القدرات، كقدرة التلميذ على التمييز بين الدلالة العامية والدلالة الفلسفية للمفهوم، أو قدرته على استخراج الحجج من نصوص فلسفية، أو ربط المواقف الفلسفية بسياقها التاريخي والمعرفي. هذه المؤشرات تمنح المدرس أدوات ملموسة لتقدير مستوى تقدم التلاميذ، وتجعل عملية التعلم قابلة للتقويم المستمر.

أما الوسائط الديداكتيكية، فهي متنوعة بين السبورة والكتاب المدرسي والمعاجم والإنترنت، مما يعكس وعيا بأهمية تنويع مصادر المعرفة والانتقال من المصادر التقليدية إلى المصادر الرقمية الحديثة. وهذا التنوع يساعد التلميذ على الانفتاح على مختلف أشكال النصوص والموارد المعرفية، ويعزز استقلاليته في البحث.

ثانيا: مراحل بناء الدرس

يمكن تقسيم بنية الجذاذة إلى أربع مراحل مركزية، تشكل في مجموعها مسارا بيداغوجيا متكاملا:

مرحلة المفهمة:

في هذه المرحلة الأولى، ينطلق المدرس من تمثلات التلاميذ العامة والدارجة حول الفلسفة. يتم الاشتغال على هذه التمثلات من خلال الحوار، واستحضار الدلالات المعجمية والفلسفية. وهنا يكتسب التلاميذ وعيا أوليا بأن للفلسفة معنى خاصا يتجاوز التصورات الشائعة. هذه الخطوة أساسية لأنها تنقل التلميذ من المعرفة اليومية السطحية إلى بداية التفكير المفهومي المنظم.

مرحلة الأشكلة:

تشكل هذه المرحلة قلب الدرس الفلسفي، إذ يتم استدراج التلاميذ إلى طرح الأسئلة الكبرى التي تؤطر الدرس: كيف نشأت الفلسفة؟ هل هناك فلسفة واحدة أم فلسفات متعددة؟ ما هي أدوات التفلسف: الشك أم الدهشة أم السؤال؟ ما الغاية من الفلسفة؟
من خلال هذه الأسئلة، يتعلم التلميذ صياغة الإشكالات، وهي مهارة محورية في التفكير الفلسفي. فالأشكلة لا تعني فقط طرح السؤال، بل صياغة السؤال بشكل منتج يفتح إمكانات متعددة للنقاش.

مرحلة الحجاج:

في هذه المرحلة، يدخل التلميذ في مواجهة مباشرة مع نصوص فلسفية لمفكرين كبار، مثل نيتشه، ابن رشد، ديكارت، راسل، سارتر، يسبرز، طه عبد الرحمن، كانط، إريك فايل. يتم التركيز على تدريب التلاميذ على استخراج الحجج، فهم البنية المنطقية للقول الفلسفي، وربط الأطروحات بسياقها التاريخي والمعرفي. هذه المهارة الحجاجية ضرورية لأنها تمكن التلميذ من التمييز بين الرأي والحجة، بين الموقف المدعم بالأدلة والموقف الاعتباطي.

مرحلة القيم:

في المحور الرابع، تتم معالجة الفلسفة باعتبارها تفكيرا في القيم. وهنا يكتشف التلميذ أن الفلسفة ليست مجرد تنظير مجرد، بل هي أيضا ممارسة أخلاقية تسعى إلى ترسيخ قيم إنسانية. هذا البعد القيمي يعزز الوظيفة التربوية للفلسفة، ويجعلها أداة لبناء شخصية نقدية مسؤولة.

ثالثا: طرق التدريس المعتمدة

تقوم الجذاذة على مجموعة من الطرائق التعليمية التفاعلية، مثل الحوار، المناقشة، عمل المجموعات، استخراج الحجج. هذه الطرائق تتماشى مع طبيعة الدرس الفلسفي التي تقوم على النقاش المفتوح، والبحث المشترك عن الحقيقة، والتفكير النقدي. فالمدرس هنا ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو منشط وموجه يسعى إلى جعل التلميذ فاعلا في بناء الدرس.

رابعا: الوسائل التعليمية

تم التنصيص على مجموعة من الوسائل التعليمية التي تساهم في تفعيل الدرس: السبورة، الكتاب المدرسي، المعاجم، الإنترنت. هذه الوسائل تضمن تعدد قنوات التلقي والتعبير، مما يسهل على مختلف أنماط المتعلمين (البصري، السمعي، القرائي) الانخراط في الدرس.

خامسا: التقويم

حرصت الجذاذة على تضمين مختلف أشكال التقويم:
  • التقويم التشخيصي: في البداية لرصد مكتسبات التلاميذ السابقة.
  • التقويم التكويني: المرافق لمراحل الدرس لضبط مدى تحقق الأهداف المرحلية.
  • التقويم الإجمالي: عبر تمارين تطبيقية لقياس مدى تمكن التلاميذ من الكفايات المستهدفة.
هذا التنوع في أشكال التقويم يجعل العملية التعليمية عملية ديناميكية، حيث يتم باستمرار تصحيح المسار وإعادة توجيهه وفق نتائج التعلم.

سادسا: القيمة البيداغوجية للجذاذة

تكمن أهمية هذه الجذاذة في كونها ليست مجرد تنظيم ميكانيكي للدرس، بل هي تعبير عن تصور بيداغوجي متكامل يروم:

  • تنمية التفكير النقدي لدى التلاميذ من خلال المفهمة والأشكلة.
  • تدريبهم على الممارسة الحجاجية عبر قراءة النصوص ومناقشتها.
  • إكسابهم وعيا تاريخيا بتطور الفلسفة وتعدد مدارسها.
  • تعزيز البعد القيمي والأخلاقي للفكر الفلسفي.
بعبارة أخرى، هذه الجذاذة ليست مجرد وثيقة تقنية، بل هي مشروع تربوي يهدف إلى تكوين مواطن مفكر، ناقد، منفتح، وقادر على الحوار.

سابعا: الجذاذة كخارطة طريق للمدرس

من الناحية العملية، توفر هذه الجذاذة للمدرس:
  • وضوحا في الأهداف التي يجب تحقيقها.
  • وضوحا في المسار المنهجي الذي ينبغي اتباعه.
  • تنويعا في الوسائل والطرائق لتكييف الدرس مع حاجات التلاميذ.
  • أدوات ملموسة للتقويم وضبط مستوى التقدم.
وبذلك، فهي تضمن له السير بثبات داخل القسم، وتجنبه الارتجال أو الارتباك، كما تساعده على ضبط زمن الحصة وتوزيعه بشكل متوازن بين الأنشطة المختلفة.

ثامنا: الأثر التربوي على التلاميذ

على مستوى التلاميذ، تمنح هذه الجذاذة فرصة:
  • للانتقال من المعرفة السطحية إلى التفكير الفلسفي.
  • لاكتساب مهارات صياغة الإشكالات والحجاج.
  • للتفاعل مع نصوص فلسفية كبرى تمثل تراثا إنسانيا.
  • للتشبع بالقيم التي تعزز المسؤولية والمواطنة.

إن هذه الجذاذة في مادة الفلسفة تجسد نموذجا بيداغوجيا متكاملا، إذ تجمع بين وضوح الرؤية ومرونة التنفيذ، وتضع بين يدي المدرس خارطة طريق تضمن له التدرج المنهجي في بناء الدرس، وتحقيق أهداف تعليمية وتربوية عميقة. فهي ليست مجرد جدول، بل هي أداة استراتيجية تساعد المدرس على ممارسة مهنته بكفاءة، وتتيح للتلميذ فرصة الانخراط في تجربة تعلمية ثرية قوامها التفكير النقدي، التساؤل، والحوار.

 يمكنكم تحميل الملف من الرابط التالي:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!