نموذج تحليل ومناقشة نص فلسفي

سعيد إيماني
بواسطة -
0
نموذج تحليل ومناقشة نص فلسفي
نموذج تحليل ومناقشة نص فلسفي


تتناول العديد من المواقع الفلسفية نماذج لتحليل النصوص ومناقشتها. وبينما ننتظر بفارغ الصبر محاولات التلاميذ لعرضها ومناقشتها وتقديم ملاحظاتنا وتوجيهاتنا لهم، فإننا نواجه غالبًا غياب المبادرة من جانبهم. في المقابل، نلاحظ إلحاحًا متزايدًا في الرسائل الإلكترونية التي تكشف عن حجم المسؤولية الملقاة على عاتق مدرسي الفلسفة لتوجيه التلاميذ وتخفيف قلقهم. هذا القلق الذي قد نلمسه بوضوح من خلال نتائج الاستبيان الذي أجراه موقع فيلومغرب، حيث أجاب 424 مشاركًا على سؤال "هل تستطيع تحليل ومناقشة النصوص الفلسفية؟" بنسبة:
  • أستطيع ذلك: 16% [67 التصويتات]
  • قليلا : 45% [192 التصويتات]
  • ليس بعد: 39% [165 التصويتات]
ولكم واسع النظر في تحليل هذه النتائج واستقراء أثرها على المردود الذي من أجله نناضل في الأقسام.

رأيت أن أنشر في هذا السياق محاولة من بين المحاولات التي اطلعت عليها لتلاميذ اجتازوا الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا دورة 2008 بجهة دكالة عبدة. أرجو أن تكون هذه المحاولة مفيدة لتلاميذنا الأعزاء، وأن يستفيدوا من التوجيهات والملاحظات التي ستقدم لهم، والتي ستساعدهم بلا شك على تحسين كتابتهم وتطوير منهجيتهم. كما أنني على ثقة بأن أساتذة المادة الأفاضل سيساهمون بملاحظاتهم القيمة لإفادة تلاميذهم، وتحقيق النتائج المرجوة التي نسعى إليها جميعًا في نهاية كل عام دراسي، والتي تمثل ثمرة جهودنا وتعبنا داخل الفصول الدراسية.

النص موجه إلى كل مسالك الشعب العلمية والتقنية والأصيلة

الموضوع الثالث:

"من وجهة نظري يبدو أنه توجد سلسلة مستمرة من الحالات الواعية متصلة بعضها مع بعض، بمقدرتي في أي لحظة أن أتذكر تجارب واعية حدثت في الماضي (...) إن هذا هو العنصر الجوهري في الهوية الشخصية.

السبب يستلزم هذا المعيار بالإضافة إلى الهوية الجسدية هو انه من السهل لي أن أتصور حالات فيها أجد نفسي في جسد آخر عندما أستيقظ من النوم، ولكن من وجهة نظري سأكون متأكدا أنني الشخص نفسه. أنا أحتفظ بتجارب كجزء من السلسلة، فهي تشتمل على تجارب الذاكرة لحالاتي الماضية الواعية

ادعى"لوك" أن هذه هي الصفة الجوهرية في الهوية الشخصية، وسماها الوعي. ولكن التأويل المتعارف عليه الذي كان يقصده هو الذاكرة (...) وأظن أن هذا ما كان يعنيه "لوك" عندما قال إن الوعي يؤدي وظيفة جوهرية في تصورنا للهوية الشخصية. ولكن بغض النظر عما إذا كان "لوك" يقصد هذا المعنى، فإن استمرارية الذاكرة هي على الأقل جزء مهم من تصورنا للهوية الشخصية."
السؤال :حلل النص وناقشه

نموذج جواب:

يتأطر النص ضمن المحاولات الفلسفية الجادة والمتعددة، والتي صاحبت وجود الإنسان وسعت على مقاربة الوضع البشري من خلال الإحاطة بالهوية الشخصية والبحث في محدداتها كسؤال فلسفي أزلي، محاولا بذلك الإجابة على الإشكال المتعلق بما إذا كانت هوية الشخص تتحدد وفق الذاكرة والوعي، فكما يرى صاحب النص، تتحدد الهوية الشخصية بالذاكرة، الصفة الجوهرية التي تربط الإنسان بأمسه وتبقيه في تواصل مستمر مع حالاته النفسية الماضية.

فكيف إذن تتحدد الهوية الشخصية باعتبارها ذاكرة؟ وكيف ينقلب الوعي إلى ذاكرة مع مرور الزمن؟ وهل سنعيش بدون هويات في حال ما إذا فقدنا هذه الذاكرة؟ وأخيرا ما هي الحجج التي وظفها صاحب النص لدعم أطروحته؟

هذه كلها أسئلة سنحاول الإجابة عنها بتحليل أفكار النص موضوع التحليل والمناقشة.

يرى صاحب النص أن ما يحدد هوية الشخص هو الوعي بسلوكاتنا وأفعالنا ومختلف الحالات الشعورية التي تصاحبنا طيلة الحياة، ف "الأنا" الذي يتذكر اليوم فعلا قام به في الماضي، هو نفسه ذلك "الأنا" الذي قام بالفعل حينها، ومن هنا نستشعر مدى قوة الرابطة التي تجمع الإنسان بماضيه وأفعاله السالفة. عن الحياة كتاب مفتوح للتجارب والأحداث، وسلسلة مترابطة من الوقائع التي تبقى جميعها مُختزنة في الذاكرة، فبغض النظر عما إذا أعجبتنا هذه التجارب والأحداث أم لا، فإنها تعلق بذاكرتنا لتطفوا بين الحين والآخر، فتنعكس على سلوكاتنا في الحاضر.

فمثلا، قد تبدر من الإنسان وهو في سن متقدمة تصرفات طفولية تحوله إلى طفل يلهو ويلعب ويصرخ كباقي الصغار. إن الذي يقوم بتلك الأفعال ليس هو، بل هو ذاك الطفل الجاثم فيه، بداخله، والذي يتحين الفرصة لينفلت ويعبر عن نفسه، وقد نتساءل: أين تكمن روح الطفولة فينا؟ إنها كامنة في الوعي الداخلي للشخص، فوعيه قديما بما كان يقوم به قد انقلب مع الزمن على ذاكرة تزخر بالأحداث وتحفل بالوقائع الماضية وهي ما يحدد الجزء الأهم من هويته إن لم نقل كلها.

هكذا إذن تصور صاحب النص الهوية الشخصية، وهو التصور الذي يجد صداه في أطروحة "جون لوك" فالارتباط بالماضي عبر الذاكرة المتواصلة هو الذي يشكل هوية الشخص، بل ويمنحها القوة ويجعلها ثابتة رغم تغير الظروف أو الزمن والمكان، فمنذ سنوات كنت أجري وألعب بكل براءة، وأنا نفسي أكتب الآن، وسأبقى أنا بعد مرور سنوات أخرى، ووعي بما قمت به في الماضي وما أفعله الآن أو ما سأقوم به غدا هو ما يمنح لهويتي قوتها وثباتها، وهو ما يحددني كشخص له ردود أفعاله الخاصة وتصوراته الشخصية سواء اليوم أو بالأمس.

إن الوعي الذي تحدث عنه "جون لوك"، هو وعي بجميع ما يتعلق بحياة الإنسان، وعي يسيطر علينا ويصبح ذاكرة ضاربة في عمق الماضي وممتدة عبر الزمان والمكان.

إن تماسك النص موضوع التحليل والمناقشة راجع بالدرجة الأولى إلى تبني صاحبه بموقف "جون لوك" الذي يعتبر أن الذاكرة المقترنة بالوعي هي العنصر الجوهري في هوية الشخص، هذا إضافة إلى الأساليب والحجج اللغوية التي دعمت أطروحة صاحب النص، ومنها: أسلوب النفي؛ "ولكن بغض النظر..."، "ولكن من وجهة نظري..."، كما اعتمد على أسلوب التأكيد؛ "إن استمرارية الذاكرة..."، "إن هذا العنصر الجوهري في الهوية الشخصية ..."

لكن، قد تنفلت منا خيوط الذاكرة، ونفقد القدرة على الإدراك والوعي بما نفعله في حياتنا، فهل سنبقى عندئذ مشردين ضائعين بلا هويات تميزنا؟ أم أن هناك شيء ما يحدد هوية الإنسان بعيدا عن الوعي والذاكرة؟

إن تاريخ الفلسفة حافل بالمواقف والأطروحات الفلسفية التي تؤيد بعضها أو تتعارض فيما بينها. فلنعُد إذن قليلا على الوراء لننبش في هذا التاريخ بحثا عن مواقف أخرى تغني النقاش حول محددات حول محددات الهوية الشخصية وتبحث في هذا الموضوع من زاوية أخرى تختلف عن تلك التي نظر فيها صاحب النص.

ففي سياق آخر، يذهب "شوبنهاور" إلى أنه ثمة بداخل كل واحد شيء ثابت لا يتغير رغم كل ما قد يصيب الإنسان من مرض أو جنون أو تلف للذاكرة، هذا الشيء الراسخ بدواخلنا والمتحكم فينا، هو ما سماه "شوبنهاور" بالإرادة، أو إرادة الحياة، فقد نشيخ ونكبر، أو نسافر من مكان إلى آخر، أو قد نتعرض لحادث ما، ولكن إرادتنا في العيش وسط الحياة بكل تجاربها وأحداثها، تبقى كما هي صامدة أمام كل التغيرات، في حين قد تنهار الذاكرة أو قد يُرخي عليها النسيان ظلاله فتمحى منها الأفعال الماضية ويتلاشى وعينا بماضينا وحتى بحاضرنا، ولا تبقى حينئذ سوى الإرادة الحية القوية التي من أجل خدمتها سُخر العقل.

من جهة أخرى يعتبر "ديكارت" أن العقل هو ما يحدد هوية الشخص، وبالضبط، يقصد التفكير التأملي في كل شيء بدءا من وجود الإنسان، لقد أوقف ديكارت حياة الإنسان على عملية التفكير المنهجي، فالعقل الديكارتي قادر على إثبات وجود الإنسان وتحديد هويته الشخصية في منأى عن ما يحدث للشخص أو ما يمر به من تجارب وأحداث.

من خلال ما سبق، يتبين لنا مدى صعوبة الوقوف عند ما يحدد هوية الشخص بدقة، فالمواقف متضاربة والتصورات مختلفة ومتعددة، وتبقى الذاكرة أحد العناصر الجوهرية المحددة للهوية، كما يلعب العقل دورا مهما في حياة الإنسان باعتباره محرك الفكر الإنساني، لكن تبقى الإرادة حاضرة في غياب جميع هذه العناصر المهددة بالتلف والضياع، إن الإرادة شيء واسع بداخل كل منا، لا تتأثر بالمرض أو الجنون، ولا بتغير الزمان والمكان، إنها الوسيلة المثلى ليصل الإنسان إلى هويته ويعثر عليها وسط هذا الزخم من الهويات المتصادمة في ظل الصراع بين الأنا والآخر وفي خضم صراع الثقافات ورهانات العولمة.
----------

دعوة التلاميذ لكتابة إنشاء فلسفي:

بعد الاطلاع على هذا النموذج لكتابة أحد الممتحنين في امتحان الباكلوريا، يصبح من الضروري توجيه التلاميذ نحو تحسين مهاراتهم في الكتابة الفلسفية. لهذا، نقدم لهم خطاطة منهجية تساعدهم على إعادة صياغة الإنشاء وفق المعايير المطلوبة، مع التركيز على التنظيم المنطقي للأفكار، وضبط المفاهيم، وتقديم حجج واضحة. كما نشجعهم على التفاعل مع أساتذة المادة من خلال عرض أعمالهم عليهم قصد تقويمها وتصحيح الأخطاء. فالكتابة الفلسفية ليست مجرد تمرين، بل هي فرصة لتطوير التفكير النقدي والتحليلي، مما يمكن التلاميذ من بناء مواقف عقلانية ومنهجية تجاه القضايا الفلسفية التي يواجهونها في دراستهم وحياتهم اليومية.

مرحلة الفهم:

يطرح النص مجموعة من التساؤلات التي تسعى إلى فهم أعمق لمفهوم الهوية وعلاقته بالذاكرة، ومن بين هذه التساؤلات:
هل يمكن اعتبار الذاكرة هي المعيار الوحيد للهوية الشخصية؟
ما هي أهمية الذاكرة في تشكيل هويتنا الفردية والاجتماعية؟
كيف يمكن أن تؤثر التغيرات الجسدية على هويتنا الشخصية؟
ما هي العلاقة بين الهوية والوعي؟

مرحلة التحليل:

الأطروحة المركزية: يرى صاحب النص أن الهوية الشخصية تتحدد بشكل أساسي من خلال استمرارية الذاكرة. بمعنى آخر، ما يجعلني أنا هو "أنا" عبر الزمن هو قدرتي على تذكر تجاربي وحالاتي الواعية السابقة.
  • مفهوم الذاكرة: لا يقتصر مفهوم الذاكرة هنا على استرجاع المعلومات والأحداث الماضية، بل يشمل أيضًا الاحتفاظ بالحالات الواعية والتجارب النفسية التي مر بها الفرد. هذه السلسلة المتصلة من الحالات الواعية هي التي تشكل جوهر الهوية الشخصية.
  • الوعي والذاكرة: يميز النص بين الوعي والذاكرة، معتبراً أن الوعي هو الحالة الآنية التي يعيشها الفرد، بينما الذاكرة هي استمرارية هذا الوعي عبر الزمن. ويرى أن الذاكرة هي الوجه الآخر للوعي، حيث أن كل حالة واعية تترك أثراً في الذاكرة، مما يسمح للفرد بالعودة إليها وتذكرها.
  • نقد لوك: يشير النص إلى أن الفيلسوف جون لوك قد ربط الهوية الشخصية بالوعي، ولكن النص يرى أن هذا التأويل الشائع لكلام لوك غير دقيق، حيث أن لوك كان يقصد في الواقع الذاكرة وليس الوعي.
  • الهوية الجسدية: يطرح النص إمكانية انفصال الهوية الشخصية عن الهوية الجسدية، حيث يتخيل حالات يمكن أن يستيقظ فيها الشخص في جسد آخر مع احتفاظه بنفس الذكريات والتجارب، مما يعني أنه سيبقى نفس الشخص رغم تغير جسده.
يمكن القول أن النص يقدم حججاً قوية ومقنعة لدعم أطروحته حول أهمية الذاكرة في تحديد الهوية الشخصية. ومع ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الهوية الشخصية هي مفهوم معقد ومتعدد الأبعاد، ولا يمكن اختزاله في عامل واحد فقط، مهما كانت أهميته.

يبقى موضوع الهوية الشخصية موضوعًا مفتوحًا للنقاش والتفكير، ولا يمكن حسمه بإجابة نهائية واحدة. والنص الذي بين أيدينا يقدم مساهمة قيمة في هذا النقاش، حيث يثير تساؤلات هامة ويقدم رؤية جديرة بالاعتبار حول دور الذاكرة في تحديد هويتنا.

مرحلة المناقشة:

  • أهمية الذاكرة: لا شك أن الذاكرة تلعب دوراً هاماً في تشكيل هويتنا الشخصية، فهي تسمح لنا بالربط بين الماضي والحاضر، وتمنحنا إحساساً بالاستمرارية والوحدة عبر الزمن. كما أن الذاكرة الجماعية تلعب دوراً هاماً في تشكيل هوياتنا الاجتماعية والثقافية.
  • تحديات الذاكرة: مع ذلك، لا يمكن اعتبار الذاكرة هي المحدد الوحيد للهوية الشخصية، فهي عرضة للتشويه والتحريف والنسيان، كما أن بعض الأشخاص قد يعانون من فقدان الذاكرة، مما يثير تساؤلات حول هويتهم.
  • عناصر أخرى للهوية: بالإضافة إلى الذاكرة، هناك عناصر أخرى تلعب دوراً في تشكيل هويتنا، مثل الوعي، الإرادة، العلاقات الاجتماعية، التجارب الحياتية، القيم والمعتقدات. هذه العناصر تتفاعل مع بعضها البعض لتشكل هوية الفرد.
  • الهوية الجسدية: صحيح أن الهوية الجسدية يمكن أن تتغير عبر الزمن، ولكنها تظل جزءاً هاماً من هويتنا، فهي ليست مجرد غلاف خارجي، بل هي جزء من تجربتنا في العالم، وتؤثر في نظرتنا لأنفسنا وفي تفاعلنا مع الآخرين.

مرحلة التركيب

  • الهوية كعملية: يمكن النظر إلى الهوية الشخصية كعملية مستمرة من التشكيل والتكوين، تتأثر بعوامل متعددة ومتغيرة، بما في ذلك الذاكرة، الوعي، الجسم، العلاقات الاجتماعية، والتجارب الحياتية.
  • الذاكرة كعنصر أساسي: تظل الذاكرة عنصراً أساسياً في هذه العملية، فهي تمنحنا إحساساً بالاستمرارية والوحدة، وتساعدنا على فهم أنفسنا والعالم من حولنا.
  • التكامل والتنوع: يجب أن نأخذ في الاعتبار تكامل وتنوع عناصر الهوية، حيث أن كل عنصر يساهم بطريقته الخاصة في تشكيل هويتنا، ولا يمكن اختزال الهوية في عنصر واحد فقط.
يسرنا في موقع فيلومغرب أن ندعو أساتذة الفلسفة الأفاضل للمساهمة في إثراء محتوى الموقع من خلال تزويدنا بأفضل إبداعات تلاميذهم في مجال الكتابة الفلسفية. نرحب بمشاركاتكم القيمة لنشرها ضمن قسم السنة الثانية بكالوريا، بهدف تحفيز التلاميذ وتشجيعهم على الاستفادة من تجارب زملائهم وتطوير مهاراتهم. نحن على أتم الاستعداد لنشر مساهماتكم المميزة، فساهموا معنا في إثراء المحتوى الفلسفي وتنمية قدرات تلامذتنا.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!