بقلم: عادل هشام
تقديم عام
المعنى الاشتقاقي والمعنى الاصطلاحي
المعنى الاشتقاقي لكلمة فلسفة:
إن كلمة فلسفة philosophie كلمة مركبة من كلمتين: الأولى philia و معناها محبة، و الثانية sophia و معناها محبة، و بذلك يكون اللفظ المركب معناه: "محبة الحكمة"، و عليه فالفيلسوف هو الذي يطلب المعرفة، دون أن يدعي أنه قد امتلكها أو حاز عليها بشكل نهائي و مطلق. و هذا يشهد بتواضع الفيلسوف، الذي يعترف بنقصه في الوصول للحقيقة النهائية و الأجوبة القاطعة، و هذا ما يفسر كيف أن تاريخ الفلسفة اشتمل دائما على أسئلة مفتوحة أكثر من اشتماله على أجوبة نهائية.
المعنى الاصطلاحي لكلمة فلسفة:
لماذا ندرس الفلسفة؟
إننا ندرس الفلسفة لتصبح لدينا الرغبة في التفكير والمعرفة و حب الاستطلاع، وعليه فالفلسفة هي التي تفتح عيوننا على معنى وجودنا ووجود العالم الذي نحيا فيه. إنها تريد أن تفهم الأشياء على حقيقتها، ولهذا لابد لها من تبحث. والنزوع إلى التفلسف ظاهرة طبيعية في الانسان ومرتبطة به من حيث هو كذلك أي إنسان له عقل ينبغي أن يتدبر من خلاله العالم، فالأسئلة التي يثيرها العقل بطبعه تدور أساسا حول تواجدنا في هذا العالم و طبيعة الخير والشر، والصواب والخطأ...
إن الانسان مهما كان صغيرا أو كبيرا، فردا أو جماعة، يتفلسف تلقائيا ولا يستطيع أن يتحاشى الفلسفة، فالفلسفة حاضرة حيثما حضر الانسان و حيث فكر، و عليه تكمن أهمية الفلسفة في ارتباطها بحاجات العقل، هذا الأخير الذي يمتاز به الانسان عن الحيوان، و لكي يرتفع الانسان عن الحيوان من حيث الكرامة و القيمة عليه أن يغذي عقله كما يغذي جسمه.
نشأة الفلسفة
1 ــ إطار النشأة
أ ــ المكان و الزمان
نشأت الفلسفة في بلاد اليونان، ابتداءا من القرن السادس قبل الميلاد، ولا يعني هذا بالطبع أن ننفي عن الحضارات الأخرى أنها كانت تحتوي في نتاجها الفكري على فكر فلسفي ذي قيمة مؤكدة، ولكن الفلسفة اليونانية كانت الركيزة التي ارتكزت عليها حضارة الاغريق، وذلك لأن هذه الأخيرة تفاعلت فيها مجموعة من العوامل أهمها العامل الجغرافي.
تأتي الأرض والطقس كعوامل طبيعية لا نشك في تأثيرها القوي في تكوين الذهن اليوناني الذي سينتج الفلسفة. فأرض اليونان تكثر فيها المرتفعات بل والجبال، وتقل فيها كثيرا الأرض القابلة للزراعة، والبحر يحيط بها من كل جانب تقريبا، وعليه فاليونان لم يعرفوا استقرار الزراعة، بل كانوا بحارة وتجارا في المقام الأول، وهذا يلزمهم الحركة وإدراك المتغيرات وملاحقة التطورات، فذهن البحار والتاجر مرن ويتوقع الاختلاف في كل لحظة، فهو منفتح دوما على الغير، وكذلك على الأفكار المختلفة.
ب ــ العامل السياسي:
لا جدال أن للعوامل السياسية أهمية كبرى في ظهور نشاط الفلسفة عند اليونان. لقد كانت كل مدينة يونانية polis وحدة سياسية قائمة بذاتها تحكم نفسها بنفسها، ولها كل مظاهر الدولة من السلطة الحاكمة والقوانين حتى الجيش والسفراء وغير ذلك، وهذا النموذج طبق في سائر المدن اليونانية، التي يصل عددها إلى العشرات إن لم نقل المئات. وقد كان الشيء الأساسي في هذه المدن/الدول هو أن يحكم المواطنين أنفسهم بأنفسهم، وهذا هو ما يسمى بالنظام الديموقراطي، وهو أدعى إلى احترام الحرية. إن نظام دولة المدينة سينتج المساواة بين المواطنين، وهذه المساواة ترسخ قبول التنوع والانفتاح الذهني والتسامح الفكري.
ج ــ العامل الثقافي:
يتميز كما قيل سابقا بلاد اليونان بأنه يشغل منطقة تقع بين ثلاث قارات هي: آسيا وأوروبا وأفريقيا. وهذا الموقع هو الذي جعل بلاد اليونان نقطة تلاق للحضارات القديمة وموقع تلاقح بينها، حيث استفادت بلاد اليونان في تكوين حضارتها من جميع الحضارات المجاورة، إذ نقلت العلوم من مصر وبابل، ونقلت الفن والمعمار من مصر وفينيقيا، ثم مزجت الحضارة اليونانية عناصر هذه الحضارات كافة، وصاغت منها حضارة خاصة بها ذات نتاج متجانس متسق تحمل طابعا فريدا غير مسبوق. ويمكن معاينة كل هذا في الساحة العمومية التي كانت تسمى ب"الآكورا"، هاته الساحة التي كانت محاطة بمعابد مهيبة ومحاكم وبقاعة للموسيقى، وحتى بملعب رياضي كبير. وكانت تناقش فيها قضايا ثقافية هامة من قبيل السياسة والديموقراطية والتاريخ والفيزياء والرياضيات والمنطق والفلسفة والأخلاق...
2 ــ فلاسفة الطبيعة:
يلتقي فلاسفة الطبيعة والذين ظهروا في القرن السادس قبل الميلاد في القول بوجود مادة وحيدة وطبيعية هي أصل كل أشكال الطبيعة، ليخالفوا بذلك كل التفسيرات الأسطورية والخيالية التي كان يفسر بها الناس آنذاك الظواهر الطبيعية الموجودة في الكون.
إن الفيلسوف الأول الذي حاول تقديم تفسير علمي ومنطقي للوجود هو طاليس من أبناء ملطية التي كانت مستعمرة يونانية في آسيا الصغرى. حيث كان يحسب أن الماء هو أصل الأشياء جميعها، ولربما كان يريد أن يقول: إن كل حياة تنشأ في الماء، وأن كل شيء يعود إلى الماء عندما يتحلل.
والفيلسوف الثاني الذي نعرفه هو أنكسيمندر، الذي هو أيضا كان يعيش في ملطية، وفي رأيه أن عالمنا هذا أصله فيما يسميه "اللانهائي" أي اللامحدود، فأصل كل شيء، مختلف عما يخلق.
أما الفيلسوف الثالث فقد كان من ملطية أيضا، وكان اسمه أناكسيمانس، وكان يدعي أن الهواء هو الأصل لكل شيء.
أما أنبادوقليس فيظن أن الطبيعة تشتمل على أربع مواد أولية، كان يسميها بالعناصر، وهذه العناصر أربعة وهي: التراب والهواء والماء والهواء. وما يجعل الكائنات مختلفة هو نسبة هذه العناصر فيها.
وأخيرا يمكننا أن نستعرض تصور ديموقريط الذي يرى فيه أن هذا العالم يتكون من عدد لانهائي من الذرات الصغيرة جدا وهي ذات أشكال مختلفة حتى يمكنها التوحد من أجل تكوين موجود ما.
3 ــ السوفسطائيون
إن فلاسفة الطبيعة كانوا قبل كل شيء، رجال علم، كانوا يهتمون بالتحليل الطبيعي للعالم، أما في أثينا، فإن دراسة الطبيعة أزيحت لتحل محلها دراسة الإنسان، وأول من سيقوم بهذه المعرفة هم من سموا بالسوفسطائيين.
لقد قام السوفسطائيون بمهمة تقديم تعليم منظم للناس، إذ كانوا معلمين جوالين يقدمون دروسا تعليمية، وكانوا يتقاضون أجرا على ذلك، وكانت تعاليمهم مختلفة المواضيع، لكنها تتصف بصفة المنفعة، فمثلا كانوا يعلمون الناس الخطابة ليدافعوا عن أنفسهم أمام المحاكم، حيث يتعين على المتهم أن يافع عن نفسه، وكانوا يعلمونهم أمور السياسة لمن أراد أن يصل إلى مراكز السلطة، وأخيرا كانوا معلمين للجدل والنقاش حيث كان باستطاعتهم أن يجعلوا الحجة الخاطئة تبدو وكأنها الأفضل.
4 ــ الفلاسفة:
• سقراط:
ولد نحو العام 470 ق.م في أثينا، وتوفي سنة 399 ق.م. عقب تنفيذ الحكم عليه بالإعدام، وكانت أحب طرق قضاء أوقات الفراغ إلى نفسه، المناقشة مع أصدقائه وغيرهم. وتعليم الفلسفة للشباب الأثيني، لكنه على خلاف السوفسطائيين، لم يكن يتقاضى أجرا على ذلك.
كان سقراط يبحث عن تعريفات للمفاهيم الأخلاقية، كالاعتدال والصداقة والشجاعة والفضيلة...، إذ كان يعتقد أن السبب الذي يجعل الإنسان يرتكب الخطأ هو افتقاره للمعرفة. ولو عرف لما ارتكبه، إذن يكون السبب الأول للشر هو الجهل، ولكي نصل إلى الخير لا بد لنا من اكتساب المعرفة، ومن ثم فالخير هو المعرفة.
وعلى ذلك فإن سقراط قد حاول إلقاء الضوء على هذه المشكلات الأخلاقية عن طريق المناقشة، ويطلق على هذه الطريقة في الاهتداء إلى حقيقة الأشياء عن طريق السؤال والجواب اسم الجدل. ويتأسس هذا الأخير بدوره على: التهكم أي تصنع الجهل، والتوليد ويفيد توليد الأفكار من عقول المخاطبين.
• أفلاطون:
فيلسوف يوناني ولد حوالي 428 ق.م، وتوفي حوالي 374 ق.م، التقى في شبابه بسقراط واستمع إليه وتأثر بتعاليمه وكان لهذا الفيلسوف الأثر الكبير على فلسفته. كتب أفلاطون العديد من الكتب أغلبها في شكل محاورات يأخذ فيها سقراط دور الشخصية الرئيسية.
وفلسفة أفلاطون تقوم على التمييز في الوجود بين العالم المحسوس والعالم المعقول والذي سماه أيضا بعالم المثل، أي عالم الأفكار المجردة الثابتة والأزلية. فإذا نظرنا إلى الأشياء المحسوسة حولنا وجدنا أنها تختلف في خواصها و صفاتها الحسية لكنها مع ذلك ليست مختلفة عن بعضها تمام الاختلاف فإذا كان زيد يختلف عن عمر فإنهما يشتركان في أن كلاهما إنسان وبالتالي فإن الإنسانية هي شيء واحد و ثابت وتمنح كل إنسان إنسانيته وهي مع ذلك ليست شيئا محسوسا ولا يمكن إدراكه إلا بالعقل.
• أرسطو:
أحد تلاميذ أفلاطون، ولد سنة 384 ق.م، و توفي سنة 322 ق.م. ويمكن اعتبار أرسطو كأحد الفلاسفة الذين قاموا بالرجوع إلى ما قاله الفلاسفة السابقون عليه كي يستوحي منهم مبادئ فلسفته، إذ اعتبر أن هنالك مبادئ أو علل يمكن أن تفسر وجود العالم والأشياء جميعها. ولنأخذ مثلا السرير كشيء موجود في العالم، فيمكننا أن نحدد له أربع علل تفسر وجوده وهي:
- العلة الفاعلة وتتمثل في الصانع.
- العلة المادية وتتمثل في الخشب
- العلة الصورية وتتمثل في صورة السرير في ذهن الصانع.
- العلة الغائية وتتمثل في الغاية التي من أجلها وجد السرير أي أن يكون أثاثا ينام الإنسان عليه.