فلاسفة الطبيعة

سعيد إيماني
بواسطة -
0

بقلم الأستاذ: عادل هشام


كثيرا ما يطلق على فلاسفة اليونان الأوائل اسم " فلاسفة الطبيعة " لأنهم يخصون الطبيعة والحوادث الطبيعية، بالاهتمام أكثر من أي شيء آخر.

وكان الفلاسفة الأوائل يظنون أنه توجد مادة أولى في أصل كل التحولات أو الإستحالات، ومن الصعب أن نعرف كيف وصلوا إلى هذه الفكرة، ولكن لدينا شيئا مؤكدا؛ وهو أنهم قاموا بتوسيع التصور القائل بوجود مادة أولية مختبئة وراء كل شكل خلق داخل الطبيعة، كان يجب أن يكون هناك " شيء " في أصل كل شيء، و إليه يعود كل شيء.
وفي وسعنا التأكيد بأنهم كانوا يتساءلون عن التغيرات المرئية داخل الطبيعة، وكانوا يحاولون أن يصوغوا بعض القوانين الطبيعية الخالدة، و كانوا يريدون أن يفهموا الأحداث التي كانت تتم في الطبيعة، من غير الاعتماد على الأساطير التي يعرفونها، أي أن يدرسوا قبل كل شيء، ما نسميه بالطبيعة، بغية أن يفهموا بشكل أفضل جملة الحوادث الطبيعية، و كان ذلك شيئا آخر، غير جَعْلِ الآلهة مسئولة عن الرعد، و الصواعق والشتاء أو الربيع.

فلاسفة الطبيعة
فلاسفة الطبيعة


إن الفيلسوف الأول الذي سمعنا أنه يتكلم هو طاليس من أبناء ملطية التي كانت مستعمرة يونانية في آسيا الصغرى، و كان لهذا الرجل رحلات كثيرة، ويروى أنه حَسَبَ ارتفاع أحد أهرامات مصر، عن طريق قياس ظله في الوقت الذي يتساوى فيه ظله وقامته الحقيقية، ويروى أيضا أنه تنبأ بكسوف شمسي عام 585 ق.م.

كان طاليس يحْسَبُ أن الماء هو أصل الأشياء جميعها...ولربما كان يريد أن يقول : إن كل حياة تنشأ في الماء، و أن كل شيء يعود إلى الماء عندما يتحلل.
وعندما كان في مصر لابد أنه لاحظ أن انحسار النيل يجعل الأرض خصبة. و لعله قد لاحظ أيضا أن الضفادع و الدود، دود الأرض، تبدأ ظهورها منذ أن تمطر السماء.
ومن المحتمل، عدا ذلك أن طاليس شاهد الماء يتحول إلى جليد أو إلى بخار قبل أن يعود كما كان ماءً... و على كل حال لا علاقة لفكر هذا الرجل، مطلقا، بآلهة اليونان الأسطورية.

الفيلسوف الثاني الذي نعرفه هو أنكسيمندر، الذي هو أيضا، كان يعيش في ملطية، و في رأيه أن عالمنا هذا... أصله فيما يسميه " اللانهائي " أي اللامحدود، ومن الصعب أن نعرف بوضوح ما كان يعنيه على وجه الدقة بهذا، لكن الأمر لم يكن قط يتعلق بعنصر معروف... لقد كان يريد بلا ريب، أن يعبر عن فكرة مؤداها أن ما هو أصل كل شيء، مختلف عما يُخلق، و لم يكن المبدأ الأول، يستطيع إذن أن يكون الماء، بكل بساطة بل هو شيء لا نهائي.

أما الفيلسوف الثالث فقد كان من ملطية أيضا، و كان اسمه أناكسيمانس، و كان يدعي أن الهواء هو الأصل لكل شيء.
بديهي أن أنكسيمانس يعرف نظرية طاليس حول الماء. و لكن الماء هو نفسه من أين يأتي؟

 يرى أناكسيمانس أن الماء يجب أن يكون هواء مكثفا، ونحن نلاحظ أن الماء يخرج من الهواء، عندما تمطر، و عندما يركز الماء أكثر فإنه يصبح ترابا، لا ريب أنه رأى الجليد يذوب، و ينحل إلى تراب ورمل، و في مثل هذا النوع من التفكير، لم تكن النار بالنسبة إليه إلا الهواء المتناثر، و كل شيء، أرضا، وماءا، ونارا، إنما يجد أصله في الهواء.

هكذا يلتقي الفلاسفة الثلاثة في تأكيدهم أن مادة وحيدة، تقوم في أساس كل أشكال الطبيعة.

الفيلسوف الرابع هو: أمبادوقليس، لقد توصل أمبادوقليس من خلال تأملاته في الطبيعة إلى النتيجة التي تقول: 
إنه يجب استبعاد فكرة وجود مادة أولية وحيدة. فلا الماء، و لا الهواء، يمكنهما، لوحدهما، أن يتحولا إلى وردة أو إلى فراشة. و كان من المستحيل أن تبدأ الطبيعة من عنصر وحيد.
وعليه فأمبادوقليس يظن أن الطبيعة تشتمل على أربع مواد أولية، كان يسميها "العناصر" وهذه العناصر أربعة، و هي: التراب، والهواء، والماء، والنار. وكل ما يتحرك في الطبيعة ناشئ عن خلط أو فصل هذه العناصر، ذلك أن كل شيء يتألف من التراب والهواء والنار والماء. وما يختلف هو النسب ( نسب كل هذه المواد إلى بعضها داخل كل شيء). وعندما تموت زهرة أو حيوان، فإن العناصر الأربعة ستنفصل من جديد، وهذا شيء يمكن ملاحظته بالعين المجردة، و لكن التراب والهواء والماء والنار، كل هذه تبقى كما هي، سليمة من كل تحول، و ليس من العدل أن نقول إن كل شيء يتحول، فالحقيقة أنه لا شيء يتغير. كل ما في الأمر أن العناصر الأربعة تتحد، أو تنفصل قبل أن تختلط من جديد.
و لتوضيح هذا التصور، لنأخذ من المطبخ مثالا، فإذا لم يكن عندي إلا الطحين، فسأكون ساحرا إذا استطعت أن أصنع قطعة من الحلوى، ولكن إذا كان بين يدي، البيض والطحين والحليب والسكر، عندئذ أستطيع أن أصنع عددا لا نهاية له من أنواع الحلوى، بالاعتماد على هذه المواد الأربع الأولى.

الفيلسوف الخامس: ديموقريط، لقد كان متفقا في الرأي مع سابقيه في القول: إن التغيرات الملاحظة في الطبيعة، لم تكن نتيجة لأي تحول حقيقي، ولهذا افترض أن كل شيء مكون من عناصر صغيرة، إذا أخذنا كلا منها على حدة، وجدناها خالدة لا تغيير فيها، وقد سمى ديموقريط عناصره الصغيرة هذه باسم : "الأتومات" أي الذرات. و هي غير قابلة للانقسام، ولقد كان الأمر بالنسبة إليه هو بيان أن ما هو أساس كل تركيب في العالم، لا يمكن أن ينقسم إلى ما لا نهاية.
كان ديمقريط يفكر بأن هناك عددا لا متناهيا من الذرات في الطبيعة، منها ما هو مستدير وأملس، ومنها ما هو خشن أو مسنن، و لولا أنها ذات أشكال مختلفة، لما استطاعت التجمع في أشكال تختلف إلى ما لا نهاية، وهي لا تحصى عددا، ومختلفة بعضها عن بعض، لكنها جميعها خالدة لا تتحول، وغير قابلة للانقسام.
ولنأخذ مثلا، شجرة أو حيوانا، فمتى مات هذا الشيء، وتحلل، فإن الذرات تتبعثر، ولكن يمكنها التجمع، مع ذلك، لكي تكون أجساما جديدة، ذلك أن الذرات تتحرك داخل المكان. ولكن لبعضها تثنيات، نراها تستطيع التعلق بعضها ببعض، لكي تؤلف الأشياء التي تحيط بنا.

عن رواية عالم صوفي: من ص 43 إلى ص 55 بتصرف

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!