نقد الحضارة الغربية: بين العقلانية والبربرية

سعيد إيماني
بواسطة -
0

نقد الحضارة الغربية: بين العقلانية والبربرية
نقد الحضارة الغربية: بين العقلانية والبربرية

بقلم: الأستاذ عادل هشام

ينطلق الغرب دائماً، عند تحديد نفسه، من مقارنته بباقي الشعوب والأمم، فيسمي نفسه بالعقلانية والأخلاق والتحضر...، ويجعل نقيضه بالنقيض يتصف. غير أن هذه النرجسية التي تطبع صورة الغرب عن نفسه، صارت اليوم محط نقد ونقاش، خاصة من طرف بعض الفلاسفة الذين استطاعوا التحرر من الصورة النمطية التي رسمها الاستشراق الغربي حول الشرق، ولعل كتاب إدغار موران "ثقافة أوروبا وبربريتها" خير تعبير عن هذه الموجة الجديدة في النقد الغربي لثقافة أوروبا، وسنحاول في هذه الورقة استعراض أهم الأفكار الواردة فيه، ونعترف منذ البداية أنها مركزة تركيزاً شديداً، وعليه فإن سعينا هنا سيكون بغرض دفع القارئ للتعرف على المزيد من الأفكار التي يطرحها هذا الكتاب القيم، الصغير في الحجم الكبير من حيث القيمة المعرفية التي يقدمها، كما أن هناك غرضاً ثانياً نتغياه من هذا التعريف، وهو أن نحرر أحكامنا حول الغرب من الطابع الانفعالي، ونؤسسها على أحكام واقعية عقلانية.

بدءاً، يقوم "إدغار موران" بانتقاد التعريف الذي لزم الإنسان الغربي، أي كونه كائناً عاقلاً، لأن الواقع يؤكد العكس تماماً، فهو (الإنسان الغربي) قادر على الهذيان والحمق وإنتاج الأساطير والاهتمام بالاستهلاك فقط واللعب والإنفاق والتبذير.

فعلى مستوى الأساطير مثلاً، قام الإنسان الغربي بمنح الآلهة صورة متوحشة، تطالبه بممارسة الأعمال البربرية "فنحن نشكل آلهة تشكلنا بدورها". زد على ذلك أنه على المستوى الاقتصادي، فالإنسان الغربي يميل إلى تبني سلوكيات متمركزة حول الأنا، والتي تتجاهل الغير وتنمي انطلاقاً من هذه الخاصية بربريتها الخاصة. ومنه توجب ضرورة دمج هذه الخصائص المتناقضة جميعها عند تعريفنا للإنسان، وأن نربط بينها.

بعد ذلك يقوم إدغار موران بمقارنة بين المجتمعات القديمة والمجتمعات الغربية المعاصرة، فيجعل الانطلاقة من قاعدة الحروب أساساً لها، وهكذا فإذا كانت الحروب عند القدماء مرتكزة على البحث عن المواد الأولية تحسباً لفترات الجفاف أو الكوارث الطبيعية، فإن المجتمعات الغربية المعاصرة انفلتت من هذا القصد إلى إبادات وعمليات تخريب ممنهجة، وسلب واغتصاب واسترقاق.

إن هذه المقارنة بين المجتمعات القديمة والمجتمعات "المتحضرة" اليوم، تؤكد على أن البربرية هي من خصائص المجتمعات "المتحضرة"، ذلك أن الأولى كانت رغم ذلك قائمة على رابطة الأخوة بين جميع أعضائها، بينما الثانية تقوم على سيطرة الأسياد والاستعباد المعمم، والجريمة، والحروب. سواء مورست داخل المجتمع الواحد أو خارجه، وهذه الخلاصة تؤكدها مقولة والتير بانجمان التالية: "لا توجد علامة من علامات الحضارة أو فعل من أفعالها لا يعتبر في الوقت نفسه فعلاً بربرياً".

وحتى يؤكد "إدغار موران" استنتاجه هذا، فإنه سيقوم برصد تاريخي للبربرية الغربية عبر مظهرين:

1- البربرية الدينية: نموذج المسيحية في إسبانيا.

بعد سقوط غرناطة وانهزام المسلمين، فإن المسيحيين الإسبان قاموا بإصدار مرسوم يرغم المسلمين واليهود على السواء، على الاختيار بين اعتناق المسيحية أو الطرد، وفي حالة رفضهم للخيار الأول فإنه كان يتم فصل النساء عن أزواجهن، وطرد الذكور منهم نحو إفريقيا الشمالية. لم يكتف الإسبان بالتطهير الديني بل انتقلوا إلى التطهير الديني-الإثني، حيث ظهرت فئة من الطبقة الأرستقراطية والبورجوازية الإسبانية تطالب بصفاء الدم وطهره، "وهو ما شكل منذ ذلك الوقت تصوراً عرقياً عنصرياً".

وعلى الرغم من اعتناق بعض المسلمين واليهود للمسيحية، فإن هذا الفعل لم يمنع عنهم تلك النظرة المطبوعة بالاحتقار، ويتجلى ذلك في اللقب الذي تم إلصاقه بهم، ونعني به "الخنازير".

ولقد تعدت هذه البربرية القائمة على اللاتسامح الديني القارة الأوروبية إلى القارة الأمريكية حيث تم تدمير جميع الديانات فيها.

وكخلاصة لهذا المظهر من مظاهر البربرية الغربية، يقول "إدغار موران": يمكننا أن نعتبر هذه الظواهر الخاصة بالتطهير الديني كأمراض طفولية للأمم الغربية الحديثة"، مما يمهد هذا للحديث عن الأمراض الرجولية للأمم الغربية، ونقصد بربرية الغزو الاستعماري.

2- بربرية الغزو الاستعماري.

إن الغزو الاستعماري الذي مارسته الأمم الغربية كان ولا يزال يتجه نحو طمس ومحو الهوية الثقافية للبلد الذي يتم غزوه، بالإضافة إلى الإبادة الممنهجة والتي كانت تروم القضاء على الأقوام المستعمرة، ويمكن سرد العديد من الأمثلة التي تؤكد هذا، كت "تدمير معبودات شعب الإنكا، مذابح كانت نسبة الوفيات فيها كارثية، جلب الأمراض إلى المناطق المستعمرة (وعوض التبادل الثقافي تم تبادل الميكروبات والفيروسات) استرقاق السود، في تامسانيا تم القضاء نهائياً على السكان الأصليين، وفي أستراليا أصبح السكان الأصليون شبه منعدمين، وفي أمريكا الجنوبية تم تصفية شعب الرحل البحريين...

كل هذه الممارسات البربرية وغيرها مورست على مدى خمسة قرون، خمسة قرون من الغزو والاستعمار والاستعباد، كان من ورائها هذا المتشدق بكونه كائناً عاقلاً!!!.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا على "إدغار موران" هو: إذا كان بإمكاننا ومن الواجب علينا مقاومة البربرية، بل ومحاولة كبحها، كيف سيمكن ذلك، وهي مكون للحضارة من المستحيل التخلص منه؟

في الحقيقة هذا السؤال سؤال إشكالي، فرغم أن صاحبه يطرحه منذ بداية كتابه، إلا أننا لا نعثر على جواب له، فما نقبض عليه كفهم، هو دائماً وأبداً هذه البربرية التي تميز الإنسان الغربي.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!