كتابات متميزة في الفلسفة1

سعيد إيماني
بواسطة -
0
بقلم الأستاذ: إدريس أوهلال

الموضوع: هل للحياة معنى بوجود الموت؟

المقال من إنجاز التلميذة: إ.ف
المستوى والشعبة: الثانية بكالوريا شعبة العلوم الإنسانية
مدة الانجاز: ساعتان

يمكن القول أن قصور الإنسان عن معرفة مستقبله بشكل دقيق ومفصل من أسخى النعم على الإطلاق ! لنتأمل شخصا جالسا على مقعده الهزاز في قيلولته المعتادة ثم تأتيه رؤى مستقبلية أكيدة وغير قابلة للتغيير يعرف منها أن شركة الدواجن التي أنشأها وطورها طيلة سنوات والتي حلم بأبنائه وأحفاده يتمتعون بما تدر عليهم من خيرات ستغلق أبوابها ولن تخلف وراءها سوى الديون والمذلة. سيقضي ليلة مضطربة. وفي الصباح لن يقوم من سريره للذهاب لعمله ببساطة لأنه يعرف أنه لا جدوى من ذلك ! والآن لنتأمل حياتنا من حيث هي مشروع من المعروف مسبقا أن نهايته الفناء. فهل سنفعل كصاحبنا مالك شركة الدواجن فنتوقف عن العيش لأن عيشنا فان؟ !

من حسن الحظ أن حالنا ليس كحاله، ليس في حقيقة المستقبل الواقعي الذي نجهله، ولكن في المستقبل المختلق القابع في نفوسنا... لنعد مرة أخرى إلى صاحبنا... بعد حادثه العجيبة لم يعد يذهب إلى العمل قط ولا يمارس أي نشاط يذكر. ساور القلق زوجته التي سألته عن سبب تغير حاله فأخبرها بما حدث. لم تعد الزوجة تحتمل حالة الموت المؤجل الذي يعيشها زوجها فكتبت ورقة بها ما يلي: "إذا استمررت في تطوير شركة الدواجن التي تملكها بنزاهة وإخلاص فحتى وإن كسدت ستكتب لك شركة دواجن تدر عليك أضعاف ما درت عليك". وستقدمها له قائلة أنها بينما كانت تجز عشب الحديقة اكفهر الجو فجأة فأتى طائر أسود غريب قادما من وسط السماء ليلقي الورقة بين يديها ويختفي دونما أثر !! سيصدقها صاحبنا ليس لاقتناعه بقصتها ولكن فقط لأنه يحتاج لذلك أو لأنه لا يستطيع سوى ذلك. وفي صباح اليوم التالي سيستيقظ بكل حيوية ونشاط ليذهب لشركته.

أليست حالتنا في النهاية هي نفس حالته؟ ! نحن نريد أن "نعيش" ولذلك نحتاج إلى وعد بالخلود، لا يهم أن يكون صادقا ولكن المهم أنه بدونه لن تكون الحياة إلا قاعة لانتظار الموت !

نحن نعلم أننا لا مفر لنا من الموت ولكن ما يستطيع بهذا الوعد بالخلود هو الاعتقاد بحياة خالدة بعد الموت. ومن البديهي أن من يقوم بهذه الوظيفة هو الدين. إن أبرز ما يدل على مدى إلحاح الحاجة الإنسانية لهذا الاعتقاد هو إجماع جميع الديانات سواء منها ما نعتقد أنها سماوية، أو تلك التي خلقها الإنسان لديانة ذاته هو دليل على أن معنى حياته يتوقف على الاعتقاد في حياة أبدية. لقد صنع الإنسان وخلق في بداية وجوده حاجياته الأساسية ذات الضرورة الحياتية ولم يخلق حاجيات ثانوية إلا بعد ذلك. وقد كانت الديانات من أول ما خلقه الإنسان. وعلى هذا فالاعتقاد في حياة خالدة هو من أساسيات الوجود البشري لأنه يجنبنا مرارة الحقيقة المحسوسة التي لن تقودنا إلا إلى فقدان الرغبة في الحياة وفراغ هذه الأخيرة من كل معنى !

نحن لا نملك إلا أن نقول أن للحياة معنى رغما عن أنف الموت وندعي أن إلها ما كيفما كان وعدنا بحياة خالدة بغض النظر عن قصورنا على التحقق من ذلك فقط لأننا نحتاج إلى فعل هذا.

لنعد مرة أخيرة إلى صاحب شركة الدواجن لنر ما يدور في رأسه. يفكر أنه من المحتمل أن يكون أمر الرسالة مجرد كذبة ولكنه يقوم ليشاهد التلفاز هروبا من الاحتمال، ويستمر في تصديق قصة زوجته... ربما أنه يتصرف كنعامة تغطس رأسها في الرمال ولكنه يفعل ذلك ليعيش وهذا أفضل ما يمكن أن يفعله !

ملاحظات:

ـ المقال من نوع مقال الرأي (حسب تقسيمنا لأنواع المقال)، وهذا منتظر من التلميذ لأن السؤال المطروح يتناول مفهوما خارج المقرر (مفهوم الموت).
ـ في حالة مقال الرأي من الأفضل إعلان الحل المقترح للمشكل في نهاية المقدمة.
ـ التصميم المنهجي عموما جيد: تمايز أجزاء الموضوع، تنامي الفكر...
ـ اللغة أيضا جيدة.
ـ فيما يخص حجاج هذا المقال يلاحظ غلبة أسلوب الاستدلال بالمماثلة. لو تم إغناء هذا الاستدلال بأساليب استدلالية أخرى لمنح ذلك للمقال قوة إقناعية أكبر.
ـ حجم المقال قصير، الأفكار تحتاج إلى حيز مناسب لكي تنمو بشكل جيد. لكن يمكن قبول هذا الوضع استثناء بحكم الزمن المتاح في الفرض (ساعتان). في الموحد الوطني حيث ثلاث ساعات يجب كتابة مقال أطول نسبيا.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!