المقال الفلسفي: مقال الرأي

سعيد إيماني
بواسطة -
0



بقلم الأستاذ: إدريس أوهلال 

تقديم:

تحدثنا في الدرسين السابقين عن مقال الحكي والمقال النقدي على التوالي. في هذا الدرس نتحدث بنوع من التفصيل عن مقال الرأي، وعن تصميمه، وعن نقط القوة والضعف فيه، ونقدم نموذجا لهذا النوع من الكتابة المقالية الفلسفية.

تعريف مقال الرأي:

هو المقال الذي يعلن فيه التلميذ عن رأيه الشخصي ويدعمه بحجج منطقية وواقعية، لكن دون أن يغنيه بالحوار النقدي المباشر أو غير المباشر، الصريح أو الضمني، مع نظريات فلسفية متعلقة بالمشكل الفلسفي المطروح. فإن أغناه استوفى المقال كل مقومات المقال الفلسفي، واستحق باستيفائه هذا اسم مقال فلسفي حقا وحقيقة.

تصميم مقال الرأي:

ـــ مقدمة تتضمن:

ـ تمهيد مناسب
ـ طرح الإشكال
ـ إعلان الحل الشخصي المقترح للمشكل

ـــ العرض يتضمن

ـ عدد فقرات العرض ومضمون كل فقرة يتحدد في مقال الرأي بالإستراتيجية الحجاجية التي يعتمدها التلميذ.
فمثلا يمكن اعتماد إحدى الإستراتيجية الحجاجية التالية:

ـ عرض الحل النقيض+دحضه بحجج+عرض الحل+تفسيره+إثباته بحجج+تأكيده في النهاية؛
ـ عرض الحل+تفسيره+حجاج+تأكيده في النهاية؛
ـ عرض الحل+تفسيره+حجاج؛
ـ عرض الحل+حجاج+تأكيده في النهاية؛
ـ عرض الحل+حجاج.

ـــ الخاتمة تتضمن:

ـ حصيلة مسار العرض؛
ـ انفتاح على إشكال جديد (عنصر اختياري).

نقط القوة:

ـ يعبر التلميذ عن قدرته على التفكير الذاتي المستقل؛
ـ يعبر التلميذ عن قدرته على ممارسة الحجاج وعلى الإقناع العقلي والعقلاني؛
ـ وجود عقل مستقل لدى التلميذ يؤشر على مناعة واستقلالية في الفكر.
ـ مناسب جدا وفعال في حالة المواضيع التي تطرح خارج الإشكالات المقررة؛
ـ يقلل من خطر الخروج عن الموضوع عند استخدامه في حالة المواضيع التي تطرح خارج الإشكالات المقررة.

نقط الضعف:

ـ صعوبة نوعية نابعة من صعوبة المهارات التي يفترضها خاصة البناء الإشكالي والبناء المفاهيمي والبناء الحجاجي؛
ـ يعبر التلميذ عن جهله بآراء الفلاسفة أو تجاهله لها؛
ـ يعبر التلميذ عن عجزه أو تكاسله عن ممارسة التفكير النقدي لمواقف الفلاسفة.

نموذج مقال الرأي:

منطلق هذا النموذج هو السؤال التالي:
هل الصداقة تمكننا من معرفة الغير؟

طرحت هذا السؤال على تلاميذ السنة الثانية بكالوريا في إحدى حصص التمارين الفلسفية. وطلبت منهم معالجته في مقال رأي وبشكل جماعي.
كانت خطة العمل المقترحة كالتالي:
ـ في مرحلة أولى تحليل الإشكال بهدف فهمه بعيدا عن المقرر، وذلك وفق الخطة التالية:
ـ دراسة صيغة الاستفهام: هل. وما تدل عليه. ملاحظة غياب التقابل الصريح: لا وجود لقضيّتين متقابلتين بينهما أحد حروف الانفصال كأو وأم وإمّا وما قام مقامها؛

ـ دراسة الأسلوب: استخدام الإثبات لا النفي: هل الصداقة تمكننا من معرفة الغير؟ في مقابل: هل الصداقة لا تمكننا من معرفة الغير؟
ـ تحديد المفاهيم الأساسية في الإشكال: مفهوم الصداقة، ومفهوم المعرفة، ومفهوم الغير؛
ـ تعريفها؛
ـ دراسة العلاقة الموجودة بينها؛

ـ صياغة الإشكال من جديد.

في نهاية هذا العمل قمنا بتغيير عدة مفاهيم في صيغة السؤال. وكانت النتيجة ما يلي:
ـ هل الصداقة تمكننا من معرفة الغير؟
ـ هل الزمالة تمكننا من معرفة الغير؟
ـ هل القرابة تمكننا من معرفة الغير؟
ـ هل الحب يمكننا من معرفة الغير؟
ـ هل معرفة الغير ممكنة؟
ـ هل معرفة الغير صعبة؟
ـ هل معرفة الغير مستحيلة؟
ـ هل معرفة الغير ممكنة أم صعبة أم مستحيلة؟
ـ كيف يمكن لنا معرفة الغير؟
وقد أثمرت هذه "اللعبة" فهما أوضح وأدق للإشكال المطروح باستخدام آلية المقارنة، واقتنع الكل بأن المشكل المطروح هو بالضبط: هل الصداقة تمكننا من معرفة الغير؟ وأن الأسئلة الأخرى برغم قربها وتداخلها مع هذا المشكل فهي لا تعبر عنه. واقتنع الكل أيضا بأن محور معرفة الغير لا يمنحها إمكانية معالجة هذا الإشكال في مقال حكي حتى لو أردنا ذلك وسمحنا به.

ـــ في مرحلة ثانية معالجة الإشكال بهدف حله، وذلك وفق الخطة التالية:

ـ وضع حل للمشكل. وقد تم الاتفاق بشكل جماعي على الحل التالي: الصداقة تمكن من معرفة الغير بشكل أفضل.
ـ وضع إستراتيجية حجاجية للحل. وقد تم الاتفاق أيضا بشكل جماعي على الإستراتيجية الحجاجية التالية:
فقرة أولى لتحليل المفاهيم الواردة في الاشكال وتعريفها ودراسة العلاقة الموجودة بينها وإعادة طرح الإشكال؛

فقرة ثانية لعرض الحل النقيض وعرض حججه ودحضها بحجج مضادة؛
فقرة ثالثة لعرض الحل المتفق عليه وإثباته بحجج منطقية؛
فقرة رابعة لتدعيم هذه الحجج المنطقية بحجة سلطان؛
وقد تم تقسيم القسم إلى ست مجموعات كل مجموعة أخذت على عاتقها تحرير فقرة من فقرات مقال الرأي الستة (الفقرات الأربع أعلاه بالإضافة إلى فقرتي التقديم والخاتمة).
وكانت النتيجة مقال الرأي التالي (اقتضى الأمر منا في النهاية بعض التعديلات في مطلع بعض الفقرات للربط بشكل مناسب بينها):
يبدو أن الصداقة كعلاقة حميمية مع الغير تعوق عن معرفته؛ فالإنسان بطبعه يميل إلى رؤية الصديق بعين الرضا، لكن إلى أي حد يميل الإنسان إلى صديقه بهذا الشكل؟ هل فعلا تعوق الصداقة عن معرفة الغير أم أن الصداقة هي بالضبط التجربة التي تساعد على معرفة الغير بشكل جيد؟ أقترح كحل لهذا الإشكال الجواب التالي: إن الصداقة تمكن من معرفة الغير بشكل أفضل.
ننطلق في معالجتنا لهذا الإشكال من تحليل المفاهيم الواردة فيه وتعريفها ودراسة العلاقة الموجودة بينها، ويتعلق الأمر بثلاثة مفاهيم هي: مفهوم الصداقة، ومفهوم المعرفة، ومفهوم الغير؛ فالصداقة هي علاقة ود و محبة و تبادل المنفعة بين شخصين أو أكثر. وهي غير علاقة الحب أو الزمالة أو القرابة. والمعرفة هي الفعل الذي تدرك بواسطته ذاتا معينة موضوعا ما. أما الغير فهو الأنا الذي ليس أنا أي ذات أخرى تشبهني و تخالفني في نفس الوقت. إن هذه المفاهيم الثلاث تنتظم في علاقة خاصة تؤسس للإشكال التالي: هل الصداقة بما هي علاقة ود ومحبة و تبادل المنفعة بين شخصين أو أكثر تمكنني أم تعوقني عن معرفة الغير أي عن إدراك هذا الأنا الذي ليس أنا على حقيقته؟
يعتقد البعض بأن الصداقة عائق أمام معرفة الغير، و حجتهم في ذلك أن الصداقة كعلاقة حميمية لا تسمح لنا برؤية الغير على حقيقته. فالمرء بنظرهم يميل عادة إلى رؤية الصديق بعين الرضا قدر ميله إلى رؤية العدو بعين السخط. ومنطوق حجتهم هذه هو أن "الصداقة تعمي" وأن "المعاشرة حجاب". والواقع أن هذه الحجة لا تكفي للقول بأن الصداقة لا تمكن من معرفة الغير. خاصة وأن الغير خارج العلاقات الحميمية كالصداقة و الحب والزمالة والقرابة لا يظهر على حقيقته ما دامت نظراتنا إليه تحوله إلى شيء، كما يقول سارتر، أي تخرجه عن طبيعته وتفقده حريته و تلقائيته أي حقيقته في النهاية فلا يظهر لمعرفتنا أبدا سوى كموضوع على شاكلة موضوعات العالم. في حين أن الصداقة (و نفس الشيء بالنسبة لعلاقة الحب والزمالة والقرابة) تجعل نظرتنا إلى الغير نظرة إنسانية وحميمية فيظهر لمعرفتنا على طبيعته الأصلية. تم إن هذا الميل "الطبيعي" الذي يزعم أنصار هذا التصور وجوده لدى البشر والذي يشكل عائقا يمنع من رؤية الصديق بعين موضوعية لا بعين الرضا لا وجود له في الواقع إلا في حالات عارضة خاصة وعند نوع خاص من البشر. فمن البشر من يملك قدرا من العمق يسمح له بتقويم موضوعي للغير ولو كان أحد أقربائه أو صديقه أو حتى محبوبه. وإذا كانت الصداقة تعمي وتحجب فعلا عن رؤية عيوب الصديق فمن أين نأتي بهذه العيوب التي نتوجه بها للصديق من باب النصيحة والواجب الأخلاقي للصداقة؟ أليس مصدرها هو هذه العلاقة نفسها أي الصداقة التي منحتنا وضعا مناسبا يسمح لنا برؤية هذا الغير بشكل أفضل؟
وإذن يتضح مما سبق أن الصداقة ليست عائقا أمام معرفة الغير بل هي على العكس من ذلك تماما علاقة مساعدة بشكل فعال وإيجابي على معرفة الغير. فالطابع الحميمي والخاص للعلاقة، وفرص اللقاء و التواصل المتعددة التي تتاح في إطارها، تسمح بفهم أفضل لأفكار هذا الغير و نفسيته و شخصيته و أهدافه و نواياه و عاداته و مساوئه أيضا. تم إن الصداقة تتأسس عادة على الثقة المتبادلة بين الأنا والغير/الصديق، وهذه الثقة تشجع الصديق على البوح بأسراره وعوالمه الذاتية النفسية والفكرية والاجتماعية فنكون بالتالي أكثر الناس معرفة به وفهما له.
إن هذا الموقف له جذوره في تاريخ الفلسفة. فنحن نجد مثلا ابن عربي يؤكد عل أهمية العلاقة الحميمية مع الغير في بلورة فهم صحيح بحقيقة هذا الغير. و هذا ما نستشفه من قوله في الأبيات الشعرية التالية:
كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه دان
لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان و دير لرهبان
و بيت لأوثان و كعبة طائف و ألواح توراة و مصحف قرأن
ففي هذه الأبيات يعبر ابن عربي عن فائدة تجربة الصداقة و القرب و العلاقة الحميمية التي مكنته من تغيير حكمه على المختلفين عنه دينيا من يهود و مجوس و مسيحيين وعباد الأصنام إذ أصبح يراهم جميعا في صورة واحدة و كأنهم جميعا على دين واحد، في الوقت الذي كان يراهم فيه في حالة البعد على أنهم كفار و مشركين.

يظهر لنا في الختام إذن أن الصداقة لا تمثل عائقا أمام معرفة الغير بل على العكس من ذلك تماما هي تجربة مساعدة على معرفة الغير بشكل أفضل و أدق.

أسئلة الفهم:
1ـ عرف مقال الرأي.
2ـ ما هي نقط القوة في مقال الرأي.
3ـ ما هي نقط الضعف في مقال الرأي.
4ـ ما الفرق بين مقدمة مقال الرأي ومقدمة مقال الحكي أو المقال النقدي؟
5 ـ لماذا يجب عرض الحل في نهاية مقدمة مقال الرأي؟
6 ـ ما الذي يحدد عدد فقرات العرض ومضمون كل فقرة في مقال الرأي.
7 ـ هل يصلح مقال الرأي للإشكالات التي تطرح من خارج المقرر؟
8 ـ عرف الإستراتيجية الحجاجية. ومثل لها.

تمرين 1:
أدرس تصميم المقال النموذجي أعلاه، ولحظاته الكبرى، مبرزا خصوصية كل لحظة، ومبديا رأيك فيها.

تمرين 2:
ضع حلا وإستراتيجية حجاجية للمشكل الفلسفي التالي:
ـ هل للحياة معنى بوجود الموت؟

تمرين 3:
للإجابة عن السؤال التالي كون مجموعة صغيرة مع زملائك لإنجاز مقال رأي بشكل جماعي وفق الخطة المعروضة في النموذج أعلاه.
ـ هل يتعارض الواجب مع فكرة اللاشعور؟

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!