الحق والعدالة لبدر الدين آيت ببا عزيز

سعيد إيماني
بواسطة -
0
بقلم الأستاذ بدر الدين آيت ببا عزيز
  • تقديم إشكالي
  • الحق الطبيعي والحق الوضعي
  • العدالة أساس الحق
  • العدالة بين المساواة والإنصاف
  • خلاصة تركيبية

تقديم إشكالي:
يتحدد الحق باعتباره صفة للإنسان تمكنه من تحقيق ما يريد والامتناع عما لا يريد وفق قانون، مما يحيل إلى مفهوم آخر وهو الواجب كعنصر ملازم للحق يضفي على الحق طابعا أخلاقيا ممثلا في العدالة باعتبارها مثل وغايات سامية، يتوخى منها تحقيق المطالب التي يشترطها الوضع البشري من حاجيات وضرورات .

لقد تعددت دلالات مفهوم الحق ومفهوم العدالة، بتعدد الأنساق المعرفية وتنوع انشغالاتها، ويبقى أهمها ما عبرت عنه فلسفة الأنوار في القرن 18 من انشغالات فلسفية أكسيولوجية بالحقوق والحريات اللازمة لتحقيق إنسانية الإنسان وصيانة كرامته .

فهل العدالة ترتبط بالحق الطبيعي أم تقترن بالحق الوضعي؟ ما علاقة العدالة بالحق؟ وأيهما يؤسس الآخر؟ إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة داخل المجتمع، فهل بإمكاننا إنصاف جميع الأفراد؟

الحق الطبيعي والحق الوضعي.

يمكن إختزال التأسيس للحق في مبدأين أساسين أحدهما طبيعي والآخر وضعي، فعندما نقول إن الحق يتأسس على الطبيعة، فهذا معناه أن هناك اشتراكا بين الإنسان والحيوان .وعندما نقول إن أساسه وضعي ففي هذه الحالة يصبح خاصا بالإنسان وحده وهو ما يجعلنا نطرح السؤال: هل العدالة ترتبط بالحق الطبيعي أم تقترن بالحق الوضعي؟

يِِِِِؤكد توماس هوبس على أن الحق الطبيعي يعني: الحرية اللامحدودة للفرد في أن يتصرف كما يشاء للحفاظ على حياته ومصالحه... إنه حق يقوم على مبدأ القوة... يتأسس على الطبيعة العدوانية للإنسان: الإنسان ذئب لأخيه الإنسان .

ويصف هذه الحالة الطبيعية قبل قيام الدولة بأنها حالة حرب شمولية يسميها، حرب الكل ضد الكل... والحل لتجاوز هذه الحالة من الحرب المدمرة، سيكون هو لجوء الأفراد إلى الاتفاق والتوحد في إطار دولة على أساس تعاقد إجتماعي يتنازل الأفراد بموجبه عن حقوقهم وحرياتهم لصالح حاكم مطلق يسعى إلى تحقيق الأمن والسلم والعدالة .

وفي نفس الإطار يقول جون جاك روسو إن القوة لا تخلق الحق، أي أن القوة لا تصنع حقا شرعيا. وهو إذ يرفض إقامة الحق على مبدأ القوة فإنه في المقابل يتجه نحو تأسيسه على فكرتين مثاليتين: فكرة الطبيعة الإنسانية الخيرة وفكرة الحق الطبيعي الذي بموجبه يتنازل الأفراد على القدر اللازم من حرياتهم الطبيعية وبمحض إرادتهم لفائدة هيئة سياسية عليا تتولى سن قوانين شاملة تستمد شرعيتها من الإرادة العامة للشعب ويخضع لها جميع المواطنين وفي إطار حرية منظمة بشكل قانوني وأخلاقي يسعى إلى تحقيق العدالة .

سيعترض الوضعيون ( أوغست كونت، إميل دوركايم، هانز كيلسن ..) على فكرة الحق الطبيعي عند أصحاب نظرية العقد الإجتماعي ( توماس هوبس، جون جاك روسو، جون لوك، سبينوزا ..) ويؤكدون على خلاف ذلك بأنه لا وجود لشيء إسمه الحق الطبيعي قبل قيام الحياة الإجتماعية وإنما المجتمع هو الذي يحدد مضمون الحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفراد مما يجعل الحق أمرا نسبيا ومختلفا بإختلاف الأنظمة والأوضاع الإجتماعية .

إن هذا التصور التعاقدي خاصة عند روسو رغم طابعه المثالي قد جاء بأفكار سيكون لها تأثير في الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، وأولها الإعلان الفرنسي عن مبادئ حقوق الإنسان الذي ظهر إثر ثروة 1789 الذي كان واضعوه متشبعين بأفكار روسو ومونتيسكيو وغيرهما من فلاسفة الأنوار الذين مهدوا للثروة الفرنسية ووضعوا الأساس النظري الأول للتصور الحديث لحقوق الإنسان، ولمفهوم دولة الحق .

إذا كان الحق مبني على ماهر أخلاقي معياري وماهر عقلي فإنه العدالة ستكون قانونية أخلاقية، ويتعلق الأمر هنا بمشروعية القواعد التي تنظم حياة المجتمع.وإذا كان الحق لا يتجسد إلام خلال القوانين التي من المفترض أنها وضعت بهدف تحقيق العدالة والإنصاف والمساواة بين الأفراد، فإن هذا يثير إشكال العلاقة بين الحق والعدالة.

العدالة أساس الحق

يدل لفظ العدالة في تداوله العام على احترام حقوق الغير والدفاع عنها، وتدل العدالة في معجم لالاند : على صفة لما هو عادل ويستعمل هذا اللفظ في سياق الحديث عن الإنصاف أو الشرعية كما يدل تارة على الفضيلة الأخلاقية وتارة على فعل أو قرار مطابق للتشريعات القضائية، كما يدل فلسفا على ملكة في النفس تمنع الإنسان من الرذائل، ويقال أنها التوسط بين الإفراط والتفريط. ويتقاطع مفهوم العدالة بهذا المعنى مع مفهوم الحق باعتبار هذا الأخير قيمة تؤسس الحياة الإجتماعية والممارسة العملية للإنسان. وهنا بالضبط يمكن أن نطرح علاقة العدالة بالحق، أي كيف يمكن الاحتكام إلى الحق لتحديد ماهر عادل، كما يمكن أن تطرح علاقة العدالة بالحق كتطابق أو كشعور بالإنصاف فقط .
فما علاقة العدالة بالحق؟ وأيهما يؤسس الآخر؟ وهل هناك حق خارج القوانين التشريعية والقضائية المتمثلة في العدالة؟

يرى أرسطو أن العدالة تتحدد باعتبارها سلوكا مشروعا موافق للحق والقانون، وهي كذلك فضيلة تضمن المساواة بين الناس .
وهو ما أكده فريدريك فون هايك من منظور ليبرالي حديث، حين اعتبر أن السلوك العادل هو سلوك يكفل الحق ويضمنه في منظومة قانونية شرعية وفي إطار مجتمع تسوده الحرية.
أما شييشرون فيرى ان المؤسسات والقوانين لا يمكن أن تكون أساسا للحق مادام أن هناك قوانينا يضعها الطغاة لخدمة مصالحهم، ولذلك يجب تأسيس الحق تأسيسا عقليا يشرع ما يجب فعله وما يجب تجنبه. ومن جهة أخرى يذهب إلى أن الطبيعة الخيرة التي تتمثل في ميلنا إلى حب الناس هي أساس الحق. وهكذا يبدو أنه يؤسس الحق تأسيسا يقوم العدالة الطبيعية ويجعله متعارضا مع المنافع الخاصة. لكن المشكل الذي تطرحه نظرية شيشرون هو طابعها المثالي، إذ أن الناس في الواقع لا تصدر عنهم دائما سلوكات خيرة إما بسبب نزوعا تهم العدوانية أو بسبب الصراع حول المصالح .

العدالة بين المساواة والإنصاف

إذا كان الناس متفاوتين في الواقع بسبب الإختلافات الموجودة بينهم في المؤهلات والمزايا والمراتب الإجتماعية وغير ذلك، فهل يجب أن نطبق عليهم القوانين بالتساوي أم يجب مراعاة روح هذه القوانين لإنصاف كل واحد منهم؟ هل ينبغي تطبيق العدالة بين الناس بالتساوي بحيث يكون الجميع أمامها سواسية؟ أم يجب إنصاف كل واحد بحسب تميزه عن الآخرين؟ إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع، فهل بإمكانها إنصاف الجميع؟

تتحدد العدالة حسب أفلاطون باعتبارها فضيلة تقوم في إنسجام القوى المتعارضة وتناسبها. فهي تتحقق على مستوى النفس حين تنسجم قواها الشهوانية والغضبية والعاقلة، كما تتحقق على صعيد المجتمع حين يؤدي كل فرد عمله أو الوظيفة التي وهبته الطبيعة دون تدخل في عمل الآخرين .

أما من منظور فلسفي معاصر، فإننا نجد عند ماكس شيللر أن العدالة لا تتمثل في المطالبة بالمساواة بين جميع الناس. لأنها مساواة جائرة، مادامت لا تراعي الفروق الفردية بين الأفراد، فيما يخص الطبائع والمؤهلات التي يتوفرون عليها. فالعدالة المنصفة هي التي تراعي إختلاف الناس، فالمطالبة بالمساواة المطلقة ورائها كراهية وحقد للقيم السامية، ورغبة دفينة في خفض مستوى الأشخاص المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم. وبدلا من المناداة بهذه المساواة العقلانية المطلقة يقترح شيللر ما أسماه بالعدالة القائمة على الأخلاق الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين الناس، وهنا تكمن العدالة المنطقية التي نحافظ على القيم السامية التي يتمتع بها الأشخاص المتميزون .

خلاصة تركيبية

يتضح مما تقدم أن الحق والعدالة قيمتين إنسانيتين نبيلتين تتأسسان على الطبيعة الإنسانية الخيرة وعلى التعاقد الإجتماعي. وهو أمر تجلى في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان كما إختزلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن. كما يتضح أن هذين المفهومين يتقاطعان داخل الحياة الإجتماعية ويؤسس أحدهما الآخر، وهو الأمر الذي سيمكن من إنصاف الأشخاص منطقيا وموضوعيا بالإعتماد على روح القوانين وعلى الأخلاق. إن إثارة الحديث عن الأخلاق يفتحنا على قيم إنسانية أخرى لا يمكن إغفالها في الفعل البشري، كالواجب والسعادة والحرية.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!