![]() |
الطفل المتوحش- الطفل المتوحش- L’enfant Sauvage |
يمكنك مشاهدة فلم: L'Enfant Sauvage من خلال الرابط أسفله:
الإنسان بين الطبيعة والثقافة
منذ القدم، شغل الإنسانُ الفلاسفةَ والمفكرين، ولا يزال، موضوعَ الطبيعة البشرية، ومسألةَ العلاقة الجدلية بين ما هو فطريّ طبيعيّ فيه، وما هو مُكتسب ثقافي. هل الإنسان وليدُ طبيعته أم صنيعةُ ثقافته؟ هل يولد الإنسان مزودًا بسلوكيات فطرية فطرية تجعله قادرًا على العيش بمفرده، أم أنه كائن يحتاج إلى التربية والثقافة ليحقق إنسانيته؟ هذه الإشكالات المحورية، وغيرها، هي صلبُ الدرس الفلسفي حول الطبيعة والثقافة، وهي نفسها التي يتناولها فيلم "الطفل المتوحش" (L’enfant Sauvage) للمخرج فرانسوا تروفو، الذي يقدم قصة حقيقية تعود للقرن الثامن عشر، لطفل نشأ في الغابة بعيدًا عن المجتمع البشري، وفقد على إثر ذلك اللغة والعادات الاجتماعية، وحياة وفق سلوكيات غريزية أقرب إلى الحيوانات.
ملخص الفيلم: رحلة من الطبيعة إلى الثقافة
تدور أحداث الفيلم حول صبي عُثر عليه عام 1798 في إحدى الغابات الفرنسية، حيث كان يعيش منعزلاً عن البشر، مما جعله أقرب إلى الحيوان في سلوكياته. كان هذا الطفل يتغذى بطريقة بدائية، دون استعمال أدوات، ويتحرك بطريقة غريزية، معتمدًا على ردود أفعال طبيعية للدفاع عن نفسه أو البحث عن الطعام. وبعد العثور عليه، تم نقله إلى باريس، حيث تكفل الطبيب جان إيتارد بمحاولة تعليمه ودمجه في المجتمع. وعبر هذه التجربة، يبرز التفاعل بين الطبيعة والثقافة، حيث يخضع الطفل لتأثير التربية ويبدأ تدريجياً في اكتساب بعض السلوكيات الثقافية، مثل تعلم بعض الكلمات والإشارات اللغوية، والاعتياد على ارتداء الملابس واستخدام الأدوات، والتفاعل الاجتماعي والارتباط بمربيه.
تحليل الفيلم: صراع الطبيعة والثقافة
يقدم الفيلم تحليلًا دقيقًا لرحلة هذا الطفل من حالة "التوحش" إلى محاولة "التمدن". فالسلوكيات التي أتى بها الطفل قبل وبعد عملية التهذيب يمكن تقسيمها إلى صنفين: سلوكيات طبيعية (غريزية)، وسلوكيات ثقافية (مكتسبة).
- السلوكيات الطبيعية (الغريزية): هي تلك التي فطر عليها الطفل، مثل الاعتماد على الحواس والغرائز في البحث عن الطعام، والدفاع عن النفس بردود فعل فطرية كالهروب أو الهجوم، وغياب أي شكل من أشكال التواصل اللغوي أو الرمزي.
- السلوكيات الثقافية (المكتسبة): هي تلك التي اكتسبها الطفل من خلال التربية والتنشئة الاجتماعية، مثل استخدام اللغة أو الإشارات للتواصل مع الآخرين، وتبني بعض العادات الاجتماعية مثل الجلوس على الطاولة أثناء الأكل، والتفاعل العاطفي والاجتماعي مع مربيه.
هذه الثنائية تجسد الفكرة التي ناقشها الفيلسوف كلود ليفي ستراوس، حين أكد أن الإنسان لا يصبح كائنًا اجتماعيًا وثقافيًا إلا من خلال التربية والتنشئة، مما يعني أن الطبيعة وحدها لا تكفي لجعل الفرد إنسانًا كاملاً.
الفيلم والإشكاليات الفلسفية: أسئلة الوجود الإنساني
يفتح الفيلم الباب أمام العديد من الإشكاليات الفلسفية العميقة، من قبيل: هل الإنسان كائن طبيعي أم كائن ثقافي؟ وإلى أي مدى يمكن للثقافة أن تغير الطبيعة البشرية؟ وهل اللغة شرط أساسي لاكتمال إنسانية الفرد؟ يجيب الفيلم عن هذه التساؤلات بطريقة درامية، حيث يُظهر أن الإنسان، رغم كونه كائنًا بيولوجيًا، لا يحقق إنسانيته إلا من خلال اللغة، والتربية، والقيم الاجتماعية، وهو ما يؤكد دور الثقافة في بناء الذات الإنسانية.
الإنسان وليد التربية والثقافة
يُعتبر فيلم "الطفل المتوحش" عملاً سينمائيًا غنيًا بالمعاني الفلسفية، حيث يعكس بوضوح الصراع بين الفطرة والثقافة في تشكيل الإنسان. كما يدعو إلى التفكير في أهمية التربية والتنشئة الاجتماعية في اكتساب الإنسان للهوية والثقافة، مما يجعله كائنًا مختلفًا عن باقي الكائنات الحية. فمن خلال هذه القصة المؤثرة، يخلص الفيلم إلى أن الإنسان لا يُولد إنسانًا، بل يصبح كذلك من خلال التربية والثقافة.
يمكنكم مشاهدة الفلم من الرابط التالي:
فلم الطفل المتوحش- L’enfant Sauvage