تحليل ومناقشة قولة في مفهوم الدولة

سعيد إيماني
بواسطة -
0
تحليل ومناقشة قولة مرفقة بسؤال في مفهوم الدولة
تحليل ومناقشة قولة في مفهوم الدولة


تعد نماذج الكتابة أداة أساسية لتحسين مستوى الإنشاء الفلسفي لدى التلاميذ، حيث تقدم لهم مثالا عمليا حول كيفية بناء الأفكار وتنظيمها بشكل منطقي ومنهجي، فمن خلال الاقتداء بهذه النماذج، يستطيع التلاميذ اكتساب مهارات الكتابة الفلسفية التي تساعدهم على التعبير عن أفكارهم بشكل دقيق وواضح، وتعزز من قدراتهم في التفكير النقدي والتحليل المنهجي، مما يمكنهم من التعامل مع المواضيع المطروحة في الامتحان بعمق مهما كانت درجة صعوبتها. وبالتالي، يصبح - برأيي - دور الأساتذة  في تقديم نماذج الكتابة أمرا بالغ الأهمية، حيث تسهم هذه النماذج في تحسين جودة إنتاجات التلاميذ عبر إرشادهم إلى كيفية تنظيم أفكارهم واستخدام الحجج والأمثلة بشكل فعال، وأن يتعلموا كيفية طرح الأسئلة الفلسفية والإجابة عليها بطريقة منهجية ومحكمة، مما يساعدهم على صقل مهاراتهم الكتابية وتطوير أسلوبهم الفلسفي، وتحفيزهم على تطوير تفكيرهم النقدي والابداعي، وبالتالي رفع جودة كتاباتهم الفلسفية.

لذا، نوجه دعوة صادقة إلى السادة الأساتذة للمشاركة في تقديم نماذج كتابية عبر منصة فيلومغرب، تسهم في رفع مستوى إنتاجات التلاميذ، وتعزيز مهاراتهم في الكتابة الفلسفية، بما يعود بالنفع على العملية التعليمية ويسهم في تمكين التلاميذ من تحقيق التفوق في هذا المجال.

تحليل ومناقشة قولة مرفقة بسؤال:

يبدو لي أن الدولة جماعة من الناس، تكونت لغرض وحيد هو المحافظة على خيراتهم المدنية وتنميتها... وامتلاك الخيرات الخارجية...
                        حلل مضمون القولة وبين غايتها ووظيفتها الأساسية؟


ترتبط هذه القولة التي نحن بصدد تحليلها ومناقشها بشكل وثيق بموضوع السياسة، وتركز على مفهوم الدولة، الذي كان ولا يزال موضوعا يثير النقاش والتداول فيه بين الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ. فالدولة ليست مجرد جهاز إداري أو تنظيمي، بل هي كيان يحدد طبيعة العلاقة بين الناس والسلطة الحاكمة، ويؤثر بشكل كبير على حقوقهم وحياتهم اليومية. غير أن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الهدف الحقيقي من وجود الدولة؟ هل وظيفتها الأساسية هي حماية وتنمية الثروات والممتلكات، أم أن دورها يتجاوز ذلك ليشمل تحقيق العدالة وضمان المساواة بين المواطنين؟ هنا يظهر لنا تباين واضح؛ فإذا كانت الدولة مجرد وسيلة لحماية المصالح المادية، فأين دورها في تعزيز قيم الأمن والحرية والمساواة؟ وهل يمكن أن نختزل دور الدولة في البعد الاقتصادي فقط؟

هذه التساؤلات كلها تقودنا إلى مشكلة أساسية سنعبر عنها كالآتي: هل الدولة هي أداة لحماية الثروات وتنميتها، أم أنها فضاء سياسي واجتماعي معقد تتفاعل فيه أبعاد مختلفة تتجاوز المصالح الاقتصادية البحتة؟

ترتكز القولة على مجموعة من المفاهيم الأساسية التي تؤسس لبنيتها الحجاجية، وهي: الدولة، الجماعة، الخيرات المدنية، والامتلاك. فالدولة عموما تبرز ككيان يتأسس على تعاقد اجتماعي بين الأفراد، يقضي هذا التعاقد بتنازل الأفراد عن جزء من حقوقهم لصالح الجماعة من أجل تجاوز حالة الحرب المستمرة حيث ينعدم الأمن وتهدد الممتلكات أو تنعدم، إلى حالة المدينة حيث يتمتع الأفراد بكامل حقوقهم. لكن الدولة هنا كما ورد في القولة لا يتم تعريفها وفق بعدها السياسي أو القانوني، بل من خلال وظيفتها الاقتصادية، حيث يتم تصويرها ككيان نشأ بغرض حماية ممتلكات الأفراد وتنميتها، وهذا الطرح يتقاطع بشكل واضح مع الفلسفة الليبرالية، التي ترى أن الدولة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لضمان مصالح الأفراد، خاصة فيما يتعلق بحماية الملكية الخاصة.

أما مفهوم الجماعة، فهو إشارة إلى جماعة الناس التي تشكل أساس الدولة وفق القولة، حيث يتم تصوير الدولة كنتاج لاتفاق وتعاقد بين الأفراد لتحقيق مصلحة محددة، مما يجعلها قريبة من مفهوم العقد الاجتماعي عند جون لوك، الذي رأى أن الأفراد أنشأوا الدولة لحماية ممتلكاتهم، والتي تم التعبير عنها في القولة من خلال مفهوم الخيرات المدنية والخارجية، الذي يعكس رؤية الدولة كحامية للثروات المادية، سواء داخل المجتمع أو خارجه، مما قد يحيل إلى الدور الاقتصادي للدولة في توسيع نفوذها وتأمين مصالحها حتى على المستوى الخارجي/ الدولي، وهذا ما يعكس الفكرة التي تصبو القولة إلى تأكيدها وهي  أن مشروعية الدولة تتأس على التوافق الاجتماعي بين الناس بهدف حماية أمنهم وسلامة ممتلكاتهم.

وقد اعتمد صاحب هذه القولة على التعريف كآلية حجاجية، وتتمثل في التعريف الوظيفي للدولة، مما يجعلها تتبنى موقفا يتجه نحو المصلحة والمنفعة، ويركز على البعد الاقتصادي، مع تجاهل الأبعاد السياسية والاجتماعية. لكن هل يكفي هذا التصور لتفسير ماهية الدولة؟

قبل الشروع في تقديم رؤى داعمة أو معارضة لمضمون القولة، يحق لنا طرح بعض التساؤلات من قبيل: إذا كانت الدولة قائمة فقط لحماية الممتلكات، فماذا عن دورها في ضمان الحقوق والحريات؟ وهل يمكن أن تحقق الدولة الاستقرار إذا ركزت على الجوانب الاقتصادية فقط وأهملت العدالة الاجتماعية؟

للاجابة عند كل هذه الاسئلة والوقوف عند حدود وأبعاد المضمون الذي تنقله لنا، يمكننا الوقوف بداية عند المنظور المؤيد لها،  خاصة مع جون لوك  الذي يرى أن الغاية الأساسية من وجود الدولة هي حماية الملكية الفردية وتنميتها. حيث يؤكد أن البشر انتقلوا من حالة الطبيعة إلى المجتمع المنظم من خلال عقد اجتماعي هدفه الأساسي حماية الحقوق الطبيعية، والتي تشمل الحياة، الحرية، والملكية. فالدولة بالنسبة له لم تنشأ من أجل فرض سلطة مطلقة كما يرى هوبز مثلا، ولا لتحقيق الإرادة العامة كما يؤكد روسو، بل هي أداة تنظيمية لضمان الحقوق الفردية، وأهمها حق الملكية، الذي يعتبره أساس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ويرى أن الدولة يجب أن تحمي ممتلكات الأفراد وتوفر لهم بيئة تمكنهم من تنمية ثرواتهم دون تدخل تعسفي من السلطة. وبذلك، فإن لوك يتوافق مع القولة في التأكيد على أن الدولة نشأت لحماية الخيرات المدنية وتنميتها، ويرى أن دورها الرئيسي هو صيانة الممتلكات وتعزيز الحريات الفردية، لأن أي اعتداء على الملكية أو عرقلة تنميتها يعد انتهاكا للعقد الاجتماعي الذي يربط الأفراد بالدولة.

لكن هذه النظرة تواجه اعتراضات جوهرية، خاصة من قبل مجموعة من الفلاسفة كما هو الحال بالنسبة لطوماس هوبز الذي يرى أن الدولة لم تنشأ فقط لحماية المصالح الاقتصادية، بل جاءت كضرورة لمنع الفوضى وحفظ النظام، ففي كتابه "اللفياثان" Leviathan، يصف حالة الطبيعة التي كان يعيش فيها الإنسان قبل وجود الدولة، حيث كان المجتمع في حالة صراع دائم، تحكمه قاعدة "حرب الكل ضد الكل"، في ظل هذه الفوضى، لم يكن هناك أي ضمان لحماية الحياة أو الممتلكات، مما دفع الأفراد إلى التخلي عن جزء من حريتهم عبر عقد اجتماعي يمنح الدولة سلطة مطلقة لضمان الأمن والاستقرار.

من هذا المنطلق، يعارض هوبز الطرح الذي يجعل من الدولة مجرد أداة لحماية الممتلكات، إذ يرى أن الدولة تقوم أساسا على فرض سلطة قوية لضبط السلوك البشري، لأن الإنسان، وفقا لطبيعته، أناني وعدواني. وبالتالي، فإن وظيفة الدولة ليست فقط اقتصادية، بل تتجاوز ذلك إلى فرض النظام وضمان الأمن العام، حتى لو تطلب الأمر سلطة مركزية صارمة. فهوبز بهذا المعنى يرفض الاختزال الاقتصادي لوظيفة الدولة، ويؤكد على أن الاستقرار السياسي والأمني هو الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء، بما في ذلك حماية الممتلكات. فالخيرات لا يمكن أن تُحمى أو تُنمّى إذا لم تكن هناك سلطة قوية تمنع التنازع والصراع. وهذا ما يجعل موقف هوبز يتعارض مع الطرح الوارد في القولة، حيث يركز على القوة والسيادة كجوهر للدولة، وليس مجرد ضمان المصالح الاقتصادية للأفراد.
ووفقا لجان جاك روسو، فهو يرى أن الدولة هي تعبير عن الإرادة العامة التي تسعى إلى تحقيق الحرية والعدالة والمساواة بين المواطنين. إذ يرفض اختزال الدولة في بعدها الاقتصادي أو في مجرد حماية الخيرات، لأن هذا يؤدي إلى تكريس التفاوت الاجتماعي واستمرار هيمنة فئة معينة على أخرى، فالأفراد عبر التعاقد، قاموا بتحويل حريتهم إلى إرادة عامة مشتركة تحقق الخير العام. وبالتالي، فالدولة لا تبرز عنده فقط كوسيلة لحفظ الممتلكات، بل هي فضاء لتحقيق العدالة والمساواة، حيث يجب أن تخضع القوانين لإرادة الشعب وليس لمصلحة فئة محددة. ومن هذا المنظور، يمكن اعتبار روسو يتجاوز مضمون القولة من حيث إن الدولة لا تقتصر فقط على حماية الممتلكات وتنميتها، بل وظيفتها الحقيقية هي ضمان الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، مما يعني أن أي نظام سياسي يهدف فقط إلى حماية الممتلكات دون مراعاة الحقوق السياسية والمدنية للأفراد، هو نظام ظالم وغير مشروع.

يتضح من خلال التحليل والمناقشة، أن القولة تقدم تصورا ضيقا لوظيفة الدولة، حيث تركز على البعد الاقتصادي دون الالتفات إلى الأبعاد السياسية والاجتماعية. صحيح أن حماية الممتلكات وتنميتها وظيفة أساسية للدولة، لكن الاقتصار على هذا الجانب يغفل دورها في تحقيق العدالة والمواطنة، فالدولة الناجحة هي تلك التي تستطيع تحقيق التوازن بين حماية الممتلكات وضمان الحقوق، لأن أي اختلال في هذا التوازن قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية. وشخصيا، أرى أن القولة تعكس جانبا مهما من دور الدولة، لكنه ليس الوحيد. لأن الدولة ليست مجرد مؤسسة لحماية الممتلكات فقط، بل هي كيان يجسد الإرادة الجماعية، ويجب أن تضمن العدالة والحرية والمساواة بين الأفراد، أما الاقتصار على حماية المصالح المادية يجعل الدولة أداة تخدم فئة معينة، مما قد يؤدي إلى فقدان شرعيتها. لذلك، فإن الدولة المثالية (المواطنة)؛ هي تلك التي تجمع بين حماية الحقوق الاقتصادية، وضمان العدالة الاجتماعية، وتعزيز قيم المواطنة لدى أفرادها.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!