 |
الطرح الإشكالي لمحور الشخص والهوية |
بقلم الاستاذ: بلحسن عبد السلام
بداية كل سنة دراسية جديدة، هذه الفترة الزمنية تشكل فرصة لمراجعة بعض الأوراق بالنسبة للأساتذة القدماء، وفرصة بالنسبة للأساتذة الجدد من أجل إعداد الدروس والجذاذات. ولكوني أنتمي لهذه الفئة الأخيرة فقد بدأت بهذه التحاضير، غير أن ما استوقفني كثيرا هو البناء الإشكالي لمحور الشخص و الهوية، ولهذا رجعت إلى مختلف الإشكالات التي طرحها بعض الأساتذة سواء في هذا المنتدى أو بعض المواقع الأخرى، غير أن مختلف هذه الإشكالات المطروحة بصدد هذا المحور لم تشبع فضولي ولم تقنعني بصحتها، و هنا أستعرض بعض هذه الإشكالات:
في كتاب المباهج ورد الإشكال الاتي: هل تقوم هوية الشخص على الوحدة والتطابق أم على التعدد والتغير؟
هذا الإشكال من ناحية صياغته فهو صحيح أي أنه سؤال إشكالي يتضمن طرفين إلا أنه من ناحية المضمون فهو يتضمن تناقضا. وهذا النوع من الإشكال يمكن أن نقول عنه بأنه إشكال زائف و سأوضح هذا لاحقا.
أ- ما الهوية؟ هل هوية الشخص هي تطابقه مع ذاته ومن ثمة يشكل وحدة: هو- هو تصمد أمام التغير والتحول؟ أم هوية الشخص قائمة على التعدد المتوتر والصراع الدينامي العلائقي؟
ب- بمعنى آخر، ما الفرق بين هوية قائمة على التشابه والتطابق، وهوية قائمة على التعدد والاختلاف؟
ج وأخيرا ما الفرق بين هوية قائمة على أصل قبلي وهوية تتحقق عبر صيرورة متطورة في الزمان؟
التعقيب على هذه الإشكالات:
قبل هذا يجب علينا أولا أن نحدد بعض المفاهيم والمفهوم الذي يهمنا هنا هو مفهوم الهوية وقد جاء في كتاب المباهج ص 13 التعريف الآتي:
الهوية: تشير إلى تطابق ووحدة الفرد مع ذاته، وتعني أن الشخص هونفسه (هو هو) وأنه مطابق لذاته.
جاء في معجم جميل صليبا ما يلي:
- « تطلق الهوية على الشخص إذا ظل هذا الشخص ذاتا واحدة رغم التغيرات التي تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده، ومنه قولنا هوية الأنا… وتسمى هذه الهوية بالهوية الشخصية ».
- قال الفارابي : "هوية الشيء، وعينيته، وتشخصه، وخصوصيته، ووجوده المنفرد له، كل واحد ".
لاحظوا معي هذا الإشكال:
هل تقوم هوية الشخص على الوحدة و التطابق أم على التعدد والتغير ؟
إذا كنا نعرف الهوية على أنها وحدة وتطابق، كما جاء في التعاريف السابقة فما هو مبرر طرح هذا الإشكال "أم على التعدد والتغير" لأن هذا يشكل ضربا في تعريفنا للهوية التي تفترض مسبقا التسليم بأنها وحدة وتطابق رغم ما يطرأ عليها من تغيرات.
وإذا أردنا أن نبقي على هذا الإشكال: هل تقوم هوية الشخص على الوحدة و التطابق أم على التعدد والتغير؟ فيجب أن نستبدل مفهوم الهوية بكلمة أو مفهوم أخر، لأننا قد عرفنا مسبقا الهوية بكونها تعني التطابق والوحدة وإذا كانت كذلك فلماذا نتساءل إذن هل تقوم على الوحدة أم التعدد؟
ومن هنا فالإشكال الذي يجب أن يطرح في نظري هو: هل تقوم هوية الشخص على الشعور أم الفكر أم الجسد؟ وهنا يمكن أن نوظف مواقف كل من ديكارت ولوك أو غيرهم للإجابة على هذا الإشكال لأننا نعرف أن الهوية تعني الوحدة والتطابق وما نريد معرفته هو هل هذه الهوية هي الفكر أم النفس أم الشعور أم الجسد أم الذاكرة؟
من ناحية أخرى ومن خلال إطلاعي على بعض الملخصات توصلت إلى أن الأساتذة في بداية هذا المفهوم يقومون بالتمييز بين الشخص والشخصية ، أي أننا نتحدث عن الشخص في الفلسفة والشخصية في مجال العلوم الإنسانية، لكن أثناء طرح إشكال المحور الأول يخلطون بينهما، وهنا نتساءل: هل فرويد يتحدث عن الشخص أم الشخصية؟
الأكيد أنه يتحدث عن الشخصية، لكن هل نحن إزاء درس في الشخص أم الشخصية ؟