تدريس مادة الفلسفة بالمغرب: تحديات وآفاق التطوير

سعيد إيماني
بواسطة -
0

 

تدريس مادة الفلسفة بالمغرب: تحديات وآفاق التطوير

مادة الفلسفة تعد من المواد الأساسية في التعليم الثانوي في المغرب، حيث تساهم في تنمية التفكير النقدي والتحليلي لدى التلاميذ. ورغم أهميتها البالغة، يواجه تدريس الفلسفة العديد من التحديات التي تؤثر على فعاليته وجودته. في هذا المقال، سنحاول استعراض أبرز هذه التحديات مع اقتراح بعض الحلول لتطوير تدريس الفلسفة بالمغرب بناءً على بعض المعطيات المتعلقة بالواقع التربوي في البلاد.
أهمية مادة الفلسفة في التعليم المغربي

تعتبر مادة الفلسفة جزءاً من المنهاج التعليمي في المغرب على مستوى التعليم الثانوي، حيث تدرس في السنة الثانية من سلك الباكالوريا. تهدف الفلسفة إلى تنمية قدرات التلاميذ على التفكير العقلاني، والتحليل النقدي للأفكار والمفاهيم. كما تسعى إلى تعزيز الوعي الذاتي لدى التلاميذ وتمكينهم من فهم وتحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية والثقافية في العالم من حولهم.

ومن خلال دروس الفلسفة، يتعرف التلاميذ على مفاهيم فلسفية أساسية مثل الحرية، العدالة، الحقيقة، والمعرفة، ويكتسبون مهارات التفكير النقدي التي تساهم في بناء شخصياتهم المتوازنة والمستنيرة. وهذا الدور التربوي يعتبر أساسياً لبناء مجتمع قادر على التفكير النقدي واتخاذ القرارات الصائبة في مختلف مجالات الحياة.
التحديات التي تواجه تدريس الفلسفة بالمغرب

رغم أهمية مادة الفلسفة، إلا أن تدريسها يواجه العديد من التحديات التي تؤثر على جودتها وفاعليتها. من أبرز هذه التحديات:

1. الموارد المحدودة وغياب التكوين المستمر

من التحديات الكبيرة التي يعاني منها تدريس الفلسفة بالمغرب هو نقص الموارد التعليمية والمادية. ورغم أن تدريس الفلسفة يتطلب مصادر تعليمية غنية مثل الكتب الفلسفية والمراجع المتخصصة، إلا أن العديد من المؤسسات التعليمية تعاني من نقص في هذه الموارد. كما يفتقر العديد من الأساتذة إلى التكوين المستمر في مجالات الفلسفة الحديثة، مما يؤثر على قدرتهم على مواكبة التطورات الفلسفية وطرق تدريسها.

2. منهجية التدريس التقليدية

مازال العديد من أساتذة الفلسفة يعتمدون على المنهجية التقليدية التي تركز على التلقين وحفظ الدروس بدل من تشجيع التلاميذ على التفكير النقدي والتحليلي. قد تساهم هذه الطريقة في جعل مادة الفلسفة تبدو صعبة ومعقدة بالنسبة للكثير من التلاميذ، مما يقلل من اهتمامهم بالمادة. في المقابل، تحتاج الفلسفة إلى طرق تدريس تفاعلية تتيح للتلاميذ التعبير عن أفكارهم ومناقشة مفاهيم الفلسفة بأسلوب نقدي.

3. قلة الاهتمام بالمادة في السياق المجتمعي

بسبب تطور الحياة اليومية والانشغال بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية، قد يقل اهتمام العديد من التلاميذ وأسرهم بمادة الفلسفة. كما أن الفلسفة لا تندرج ضمن المواد التي تُدرس بشكل مكثف في الامتحانات الوطنية، مما يجعلها في بعض الأحيان مادة ثانوية مقارنة بمواد أخرى مثل الرياضيات أو العلوم. هذا يؤدي إلى ضعف الدافعية لدى التلاميذ والعديد من أولياء الأمور لتشجيع أبنائهم على الاهتمام بهذه المادة.

4. الضغوط الاجتماعية والمهنية على الأساتذة

يواجه الأساتذة الذين يدرسون الفلسفة ضغوطاً متعددة على المستوى الاجتماعي والمستوى المهني. من حيث الضغوط الاجتماعية، يُنظر إلى مادة الفلسفة في بعض الأوساط باعتبارها مادة ذات طابع تنظيري بعيدة عن واقع الحياة اليومية والمشاكل الحياتية للتلاميذ. أما من حيث الضغوط المهنية، فإن الكثير من أساتذة الفلسفة يواجهون صعوبة في إيصال المفاهيم الفلسفية بشكل مبسط ومفهوم بالنسبة لتلاميذ في سن المراهقة.
آفاق تطوير تدريس الفلسفة في المغرب

رغم التحديات التي تم ذكرها، هناك عدة آفاق لتطوير تدريس الفلسفة في المغرب وجعلها أكثر جذباً للتلاميذ وأكثر قدرة على تحقيق أهدافها التعليمية. وفيما يلي بعض الحلول المقترحة:

1. تحسين التكوين المستمر للأساتذة

يجب توفير برامج تكوين مستمر لأساتذة الفلسفة لمواكبة التطورات في الفكر الفلسفي وطرق التدريس الحديثة. ويمكن لهذا التكوين أن يشمل ورشات تدريبية حول أساليب تدريس الفلسفة، مثل المناقشات الجماعية وتحليل النصوص الفلسفية، وذلك لتطوير مهاراتهم في التعامل مع التلاميذ وتشجيعهم على التفكير النقدي. يمكن أيضًا تنظيم دورات تدريبية حول كيفية ربط الفلسفة بالحياة اليومية للتلاميذ لجعل المادة أكثر ارتباطًا بواقعهم.

2. تطوير المنهاج الدراسي

من المهم أن يشهد منهاج تدريس الفلسفة تحديثات متواصلة تتماشى مع التطورات الفكرية العالمية. ينبغي إدراج مواضيع فلسفية معاصرة تتعلق بالقضايا الاجتماعية، مثل حقوق الإنسان، العولمة، البيئة، والتكنولوجيا، لمواكبة اهتمامات التلاميذ. يمكن أيضًا تعزيز استعمال الوسائط المتعددة مثل الأفلام الوثائقية والمقاطع الصوتية التي تعرض النقاشات الفلسفية، مما يساعد على تبسيط المفاهيم الفلسفية المعقدة.

3. إدماج الفلسفة في الحياة اليومية

يجب على أساتذة الفلسفة أن يسهموا في تحويل المادة من مادة جامدة إلى مادة مرتبطة بحياة التلاميذ. يمكن أن يتم ذلك من خلال مناقشة القضايا الفلسفية المتعلقة بحياة التلاميذ، مثل الحرية والمسؤولية، وقيم المجتمع، والعلاقات الاجتماعية. عندما يتم ربط الفلسفة بالمشاكل الاجتماعية والحياتية، فإنها تصبح أداة قوية لتحفيز التلاميذ على التفكير النقدي في مختلف جوانب حياتهم.

4. تشجيع التلاميذ على البحث والنقاش الفلسفي


من الضروري خلق بيئة صفية تشجع على النقاش والحوار بين التلاميذ. بدلاً من أن تكون الفلسفة مادة تُقدم للتلاميذ لتلقينهم معارف ثابتة، يجب أن تتحول إلى مادة تشجع على التفكير والنقاش الجماعي حول مختلف المواضيع الفلسفية. يمكن أيضًا تنظيم مسابقات ومشاريع بحثية تتيح للتلاميذ فرصة استكشاف موضوعات فلسفية تهمهم بشكل أكبر.

5. تحفيز الاهتمام بالفلسفة من خلال الأنشطة الثقافية

يمكن للمؤسسات التعليمية تنظيم أنشطة ثقافية وفكرية تهتم بالفلسفة، مثل المحاضرات العامة، والمسابقات الفلسفية، والندوات الفكرية، التي تساهم في تحفيز التلاميذ على الاهتمام بهذه المادة. كما يمكن تنظيم زيارات إلى مراكز ثقافية أو جامعية، حيث يتمكن التلاميذ من التفاعل مع فلاسفة مختصين والتعرف على التطبيقات العملية للفكر الفلسفي.

يعد تدريس الفلسفة من العناصر الأساسية في التعليم بالمغرب، حيث يسهم في تنمية القدرات العقلية والنقدية للتلاميذ. ورغم التحديات التي تواجه هذه المادة، فإن هناك العديد من الفرص لتطويرها وجعلها أكثر جذباً وفاعلية. عبر تحسين التكوين المستمر للأساتذة، تطوير المنهاج الدراسي، وإدماج الفلسفة في الحياة اليومية للتلاميذ، يمكن جعل هذه المادة أكثر تأثيراً في تكوين الأجيال الجديدة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!