بقلم الاستاذ: كمال صدقي
شكرا الأستاذ الفاضل إدريس أوهلال على قراءته النقدية للمذكرة الوزارية رقم 159، "قليل من الاحترام لذكاء أساتذة الفلسفة وحقوق التلاميذ "ومن حسنات قراءتك تكسير اعتبار " مناقشة المذكرات من المحرمات"!!! لكن قراءتك أوحت لي ببعض الملاحظات،
أتمنى أن تُغني قراتك النقدية التي تنطوي على كثير من الصحة.
أول ملاحظة تتعلق بالخلط بين الموضوع والإشكال، وهذا له علاقة مباشرة مع ما أثرته في سخافة الإشكال المكون من مفهوم واحد. أتساءل هل المذكرة 159 تتحدث عن المفهوم بدلالة concept أو بدلالة notion.بمعنى أن كل مجزوءة تتضمن مجموعة من المفاهيم المفصود بها notion ولست أدري ما هو المقابل العربي لتلك الكلمة؟ وحينما تقول المذكرة بأن " الموضوع " المعطى في الامتحان يجب أن تكون له علاقة بالمقرر، فمعنى هذا أن " المفهوم " هو ما يندرج تحت كل مجزوءة ( الشخص، الغير، التاريخ..النظرية والتجربة...إلخ ( وهذا منا نسميه في أول تجربة للتدريس بالنصوص بدء من سنة 1990 ببرنامج " الموضوعات " وتذكر الأستاذ إدريس الحرب اللغوية التي خاضها مدرسو الفلسفة يخصوص ترجمة كلمة "Notion " وتعلم أيضا ترجمة الأستاذين عزيز لزرق ومحمد شريكان لكتاب " الدراسة الفلسفية للموضوعة وللنص، لكتاب منهم ميشيل توزي. وبالفرنسية: etu..philo..d'une notion. من أجل التوضيح حين تقول المذكرة 159 في ص 6: تحليل النص...يحيل على مفهوم فلسفي واحد أو أكثر، فهى لا تقصد المفهوم الفلسفي كما هو متداول في تفكير الفلاسفة ( أو الذي فصده جيل دولوز حين قال بأن الفلسفة إبداع للمفاهيم، بل تقصد به notion ، أي موضوعة قابلة للتفكير من خلال أشكلتها. وهي ليست من مثل مفهوم " الجوهر " الذي يحمل دلالة فلسفية بامتياز، وباعتباره أُبدع في مجال فلسفي خاص. أما موضوعة" الشخص" أو " التاريخ " فهذه ليست مفاهيم فلسفية بالتعريف، ولكن يمكن أت تكون موضوع تفكير فلسفي من خلال أشكلتها . ولقد كنت صائبا حين ذكرت بأن المذكرة 159 خلطت بين الموضوع والإشكال- وسأرجع لهذه القضية- وخلطت أيضا بين الموضوعة والمفهوم الفلسفي. فما كان على المذكرة أن تقول :يحيل على مفهوم فلسفي واحد أو أكثر ( فليست موضوعات المجزوءة مفاهيم فلسفية بالمعنى الذي يُعطيه الفلاسفة للمفهوم- ولا أريد هنا الدخول في التعريفات، بقدر ما أراهن على توضيح المشكل الذي أثرته بالنسبة للتلاميذ أعضاء هذا المنتدى- . يجب أن نحسم في الفرق بين المفهوم الفلسفي concept باعتباره ما به يفكر التلميذ في أشكلة ومساءلة وتحليل ومناقشة، و notion( الشخص، الغير.....) فلو صحت هذه التفرقة يُصبح الحكم: مفهوم أو مفهومين " مبررا على التلميذ أن يكتب في " موضوعة " واحدة، بمعنى لو طُلب من التلميذ الكتابة في موضوعة الشخص مثلا، فلا معنى أن يستحضر موضوعة أخرى ليست لها بالموضوعة المعطاة علاقة تضايف إشكالي، كأن يستحضر قضية علاقة النظرية العلمية بالواقع. بالمقابل قد يُعطى للتلميذ موضوع يجمع بين موضوعتين notion بينهما تضايف إشكالي ومعرفي.
لو رجعنا إلى وثيقة البرامج والتوجيهات. نونبر 2006 ص 6 ، تحت عنوان المضامين المقررة، نقرأ ما يلي: تتوزع مضامين برنامج الفلسفة في السنة الثانية ....على أربع مجزوءات من خلالها الاشتغال على مفاهيم محورية!!! انطلاقا من:..أفكار فلسفية، تُحيل التلميذ على المفاهيم !!! والأطروحات الفلسفية التي يمكن أن تشكل سندا لتفكيره وتساؤلاته حول القضايا التي يطرحها البرنامج. لاحظ معي أستاذ إدريس الخلط بين نوعين من المفاهيم، هناك فرق بين الاشتغال على مفاهيم محورية ( يُقصد بها " الشخص والغير....) وبين الاشتغال/التفكير بواسطة مفاهيم فلسفية. ربما من لم يتفطن لهذا الفرق بين معطيين يختلفان في وظيفتهما، سيقع ضحية التخبط الذي تؤسس له مع الأسف المذكرة 159.
بخصوص المفهوم الصريح والضمني: أعطي مثالا من الوثيقة التي اشتغلنا عليها مع المفتشين: الإطار المرجعي الخاص بالامتحان الموحد...المركز الوطني للتقويم والامتحانات يناير 2008. في الصفحة 2، نقرأ: صيغة القولة" العدالة بدون قوة ضغف، والقوة بدون عدالة تسلط" إشرح القولة وبين قيمتها. نقرأ في التحديد المنهجي للاشتغال على القولة ما يلي:
أ- علاقة الموضوع بالبرنامج:
* المجزوءة" السياسة
*المفاهيم: العدالة والدولة
ب علاقة القولة بالمطلوب:
* تحيل القولة على مجزوءة السياسة بطرح مشكلة العلاقة بين العدالة والقوة، وذلك من خلال مفهوم صريح هو العدالة ومفهومين ضمنيين هما الحق والدولة.( انتهى شرح الوثسقة أعلاه)
إذا فهمنا المفهوم بدلالة notion فليس هناك مشكلة. لأن مفهوم العدالة يسكت عن مفهوم الدولة، إذ لا عدالة بدون دولة- حسب سياق البرنامج- ( إذا فهمناها بمعناها التعاقدي)، نعم العدالة مفهوم صريح ولكنه يستدعي الحديث عنه مفهوم الدولة. كما لا يمكن الحديث عن العدالة بدون الحديث عن الحق...الأمر مختلف بخصوص المفهوم الفلسفي الذي تم نحته وإبداعه داخل فلسفة محددة.( نعم هناك التجاذب والتنابذ المفاهيمي في مجال الخطاب الفلسفين وهذا موضوع آخر) على اعتبار أن المفهوم الفلسفي لا معنى له خارج نسقه التداولى ( مثالية ،مادية، وجودية، فينومينولوجية..) أما notions الشحص والتاريخ.. فهي كما فلت سابقا موضوعات تُحقق إمكانية التفكير فيها وأشكلتها.
هذا ما أطلب من أعزائنا التلاميذ إدراكه، وأشكر كثيرا الأستاذ إدريس على يقظته في التجرؤ على نقد مذكرة لا زال الكثير من المدرسين والمفتشين يعتبرونها من المقدسات. وأتمنى من أن توضيحي أدى دوره.
الملاحظة الثانية في عجالة، وتتعلق بتأويلك أستاذ إدريس للسؤال" هل معرفة الغير ممكنة؟ وحكمت بأن مفهوم الإمكان لا يدخل في تركيب الإشكال في صيغته الأصلية. أطرح عليك سؤالا قد يطرحه عليك أحد تلامذتك: يماذا يتعلق حرف الاستفهام هل؟ لو حذفنا الإمكان فما ذا سيكون دور هل؟ في نظري الإمكان هو المفهوم البؤرة في السؤال، لأنه يؤسس أيضا إشكالية الاستحالة، وبين الإمكان والاستحالة عالم من المفاهيم والحجاج، واصطفاف للأطروحات والمواقف. الإمكان من المفاهيم الأساسية التي أسست لفلسفة سارتر، باعتباره الخلفية المؤسسة لمفهوم الحرية والمشروع pro-jet. فمفهوم الإمكان يستدعي نقيضه وهو الاستحالة والمطلق، والثابب ...فلو لم لم يكن هناك إمكان لما تحدثنا عن مفاهيم التطور والتقدم والنسيبة... أقول في النهاية: لقد أصبحت الفلسفة في الزمن العبثي هي انتزاع الممكن من المستحيل.