وظائف التحضير الكلي لدرس الفلسفة

سعيد إيماني
بواسطة -
0
أدوار ووظائف التحضير الكلي لدرس الفلسفة


في سياق الانفتاح على تجارب الفرق التربوية المتخصصة في تدريس مادة الفلسفة، سعى الأستاذ الجليل كمال صدقي إلى وضع هذه الورقة حول التحضير الكلي لدرس الفلسفة بين يدي الأستاذات والأساتذة مدرسي الفلسفة عبر المجلة التربوية فيلومغرب. من إعداد المرحوم الأستاذ عبد السلام الحمراوي (مراقب تربوي)

أدوار ووظائف التحضير الكلي لدرس الفلسفة

يتحدد الدرس بمفهومه العام كعمل يقوم به المدرس داخل الفصل وخارجه، وهو في عمقه وماهيته فعل تهيئ وتجميع وتحصيل واختيار، يتوخى تحقيق أهداف معرفية ومهارتية وسلوكية.
ودرس الفلسفة يمتلك خصائص ومقومات ذاتية على مستوى الإعداد والإنجاز، يجعل منه درسا متميزا لا يشبه دروس المواد التعليمية الأخرى، إنه يراهن في نهاية المطاف على إمكانية تأسيس علاقة إيجابية وحميمية بيت التلميذ كمركز لعملية التعليم، وبين الفلسفة كإنتاج نظري عام للاشتغال وكمادة مدرسية أيضا.. ومن ثم يمكن القول إن درس الفلسفة يتأسس على مرحلتين مترابطتين ومتكاملتين: مرحلة التحضير والإعداد خارج الفصل، ومرحلة الإنجاز داخل الفصل.
تشكل مرحلة الإنجاز المجال الفعلي للاشتغال والتشغيل، وهي تقوم على مجموعة من العمليات والنشاطات والإجراءات التي تهدف إلى التقعيد والبناء الإجرائيين لمرحلة التحضير والإعداد، ومن هنا تتسم بالنسبية والخصوصية والذاتية، تتحكم فيها متغيرات الفاعلين التربويين ( المدرس والتلميذ ) وضمان فعاليتها ونجاعتها يشترط على الخصوص تحضيرا كليا للدرس. 
فكيف يمكن تعريف التحضير الكلي للدرس؟

مفهوم التحضير الكلي للدرس.

لاشك أن التحضير الكلي للدرس في حقيقته العامة هو إعداد وتهيئ مسبق واشتغال فردي على وحدة من الوحدات المكونة للبرنامج : "الموضوعات المقررة"، وهو عمل بنائي شمولي يرسم مسار تدريسي يتوخى الوصول إلى أهداف ونتائج وخلاصة ما. والتحضير الكلي لدرس الفلسفة يقتضي امتلاك تصور واضح للبرنامج ككل وللأهداف العامة والخاصة المتوخاة من تدريس المادة
وما دام التحضير الكلي لدرس يقوم على التنبؤ واستباق عمل الحصص المكونة للدرس، فإنه لا ينطلق من فراغ، بل ينبني العمل الخاص للمدرس على عناصر ومكونات الدرس: إنه يستحضر اشتغال المدرس"كحامل للمعرفة" وممتلك لأدوات ووسائل نقلها للمتعلم، وعلى مادة ووثائق معينة مجسدة في الكتاب المدرسي أو مرتبطة بمكتسبات واهتمامات الأستاذ.

يبدو إذن أن وضعية الأستاذ أثناء التحضير الكلي للدرس تتسم بمكانة حرجة ومزدوجة: ففي الوقت الذي يكون فيه الأستاذ" حرا " في تحديد الملامح العامة لدرسه ومسؤولا على تحديد اللحظات والمحطات الأساسية المكونة لسيرورة درسه، يجد نفسه مكرها أمام ضرورة التعامل مع مكونات الدرس كما هي واردة في الكتاب المدرسي، الشيء الذي يعني أن هذه المكونات ليست أدوات للاستثمار والاستعانة والاسترشاد، ولكنها عناصر موجهة ومتدخلة في عمله الخاص . من هنا فهي حرية نسبية ومقننة. إن التحضير الكلي للدرس هو إذن عمل حر وإحالي في نفس الوقت.

أهمية التحضير الكلي للدرس.

إن درس الفلسفة كما تفصح عنه الوثائق التربوية، ليس درسا أكاديميا في تاريخ الفلسفة، إنه درس يتوخى توضيح وتنقيح وتعميق معرفتنا ب "موضوعات" مُقترحة في البرنامج، ويسعى إلى تحقيق مقاربة مباشرة للموضوعات ومن خللا شبكة من التساؤلات المرتبطة بها، وانطلاقا من جملة من الدلائل والمفاهيم المقترنة بها، مفترضا حرية الأستاذ ومبادرته الخاصة في بناء الدرس، وخصوصيته في تناول الموضوعات. تقول التوجيهات التربوية"المذكرة 16 ص 3": 
وتبقى مهمة إعداد الدرس وتحديد خطواته وتشغيل التلميذ وإشراكه، مهمة المدرس. ويجب التأكيد في هذا الصدد على أن الكتاب المدرسي لا يقدم درسا مُنجزا، لأن الدرس ينجز في القسم. فهو عمل شامل يُبنى مع التلميذ، ويرتبط بمهام المدرس التي تتمثل في الإعداد والتكوين والتنشيط والتوجيه... فالكتاب المدرسي لا يحد من عمل المدرس، بل هو إحدى أدوات عمله. ومن ثمة فهو يُقدم " حدا " أدنى للاشتغال والتشغيل...فهو مادة معرفية وبيداغوجية قابلة للاستعمال من لدن التلميذ والأستاذ معا.
يشكل التحضير الكلي لدرس جزءا أساسيا من المهام الملقاة على عاتق الأستاذ (الإعداد)، ليس لكونه مسؤولية تربوية، ولكن لتأسيس تقليد تعلمي واع بذاته، ووسمه بالخصوصية والفعالية. ويمكن تحديد أهمية التحضير الكلي للدرس فيما يلي:
  1. ترشيد عمل المدرس وتفعيله وجعله ممارسة تحكمها إستراتيجية تعليمية تعلّمية تعليمية واضحة.
  2. الحفاظ على الحد الأدنى من الوجاهة والصلاحية والفعّالية في الفعل التربوي.
  3. التفكير في الأدوات والوسائل الديداكتيكية الملائمة لنقل وبناء مضمون وتربوي ما. هذه العملية التي لا تتحقق إلا بممارسة نوع من التحويل الديداكتيكي على النصوص المراد الاشتغال عليها، وعلى النادة عموما وتكييفها مع الأهداف الخاصة من الدرس.
  4. تكييف " الموضوعات " المقترحة خلال كل دورة مع الزمن والساعات المخصصة لإنجازها في الفصل، وإن كانت التجربة الفصلية قد أبانت عن أنه مهما كان الاشتغال على موضوعة من الموضوعات وافيا وعميقا، فإنها تظل غير متشبعة المعالجة، ويمكن التفكير في العلاقة المختلة الموجودة بين الحمولة المعرفية والدلالية للموضوعات، وبين الزمن المخصص للدرس.
  5. يراهن التحضير الكلي للدرس على عدم تخييب آفاق انتظار المتعلم ليس فقط الرهان على تشغيله وإشراكه في بناء الدرس، ولكن أساسا لحديد علاقة إيجابية بينه وبين المادة، وطبع المتلقي بالأثر العاطفي إلى جانب الأثر العقلي والمعرفي، واكتساب تعاطف التلميذ، كما تؤكد ذلك التوجيهات التربوية ص 1.

التحضير الكلي للدرس : تمفصلاته وخطواته الأساسية.

يستوجب التحضير الكلي للدرس، باعتباره مشروعا صوريا، أن يكون قابلا للإنجاز ويتطلب حدا معينا من الإجرائية الملائمة. وهو مشروع قابل للتعديل والتنقيح، ذلك أن الممارسة العملية الفصلية هي المعيار الحاسم للوقوف عند صلاحيته ووجاهته، ومن ثمة فإن مرحلة الإنجاز هي مرحة تطبيقية وإجرائية أولا واختبارية ثانيا/ وهو ما يعني غياب تحضير كلي نموذجي ومطلق للدرس، فهو يختلف باختلاف عدد الدروس المقررة وطبيعة الموضوعات، وحمولتها الدلالية والمفهومية والآفاق النظرية التي تنفتح عليها. على هذا الأساس فإن الخطوات التي ستتم إثارتها لاحقا يقدم كأفق للتفكير والمساءلة لأنها ليست إلا مبادئ للعمل:
  • الاطلاع على الأهداف العامة المتوخاة من تدريس مادة الفلسفة، والأهداف الخاصة بكل درس أو موضوعة.
  • استيعاب كل مكونات الدرس كما هي واردة في الكتاب المدرسي : أنشطة تمهيدية، العرض، نصوص التحليل، نصوص الاستثمار، الأسئلة، تمارين وموضوعات للبحث والتفكير قصد استخراج العناصر الإشكالية للدرس وضبط النواة الدلالية للموضوعة، والتحويلات المعرفية الممكنة من خلال الاشتغال على النصوص...
  • الرجوع إلى النصوص والمراجع الشخصية المراد توظيفها واستثمارها في بناء الدرس ( أنطر جاكلين روس التي تقول: "كل ممارسة فلسفية وبيداغوجية يجب أن تكون إشكالية.. فكيفما كان نوع النشاط الممارس ( الإنشاء الفلسفي، الاشتغال على النص، بناء الدرس ) يجب الكشف عن الإشكال الفلسفي التاوي ضمنا أو صراحة في الموضوع الذي يتم البحث فيه. (روس: إشكالية الدرس).
وتتكون الإشكالية حسب جاكلين روس من ثلاثة عناصر مكونة للإشكالية في الدرس:
  1.  سلسلة الأسئلة المنظمة التي تنتج بواسطتها الموضوع المدروسـ وتجعل منه مجالا للتساؤل المنظم لعناصر الموضوع.
  2.  تحديد إشكال مركزي قابل للرد إلى إشكلات وتساؤلات فرعية.
  3.  تحديد رهانات enjeu وأهمية الإشكال المطروح.
إن درس الفلسفة يستهدف الأشكلة: أما الأشكلة حسب " غرانجي " فتتكون من مرحلتين أساسيتين:
  1. الطرح الإشكالي.
  2. البناء الإشكالي.
  • البحث عن سبل الملائمة بين مكونات الدرس وبين المكتسبات المعرفية والمنهجية والتربوية وتصور الأستاذ الخاص للدرس، والخروج بتصور تركيبي عام سيتحضر مطالب الكتاب المدرسي دون التضحية بالموقف الشخصي للمدرس وتصوره الخاص للدرس.
  • مرعاة مبادئ البساطة: الوضوح، التدرج، التمرن في بناء الدرس والانتقال من البسيط إلى المركب.
  • تحديد محاور الدرس والمضامين المستهدفة ووسائل التشغيل، والنصوص المراد الاشتغال عليها داخل الفصل ومدة إنجازها وأشكال مقاربتها.
  • تحديد الوسائل البيداغوجية والديداكتيكية الكفيلة بالانتقال من مستوى التخطيط والإعداد القبلي إلى المستوى الإجرائي والعملي.
  •  تحديد لحظات التقويم التكويني ومراحله وصيغه وأشكاله.
  • الصياغة النهائية لمشروع الدرس وتظل قابلة للتنقيح والتغيير ولإعادة التنظيم.
ولا يسعنا في النهاية إلا أن نؤكد أن التحضير الكلي للدرس شرط أساسي لضمان حدّ مقبول من النجاعة والفعالية في التدريس، إذ لا يمكن إنكار العوائق الديداكتيكية والبداغوجية التي تعترض عمل المدرس وكذا المسافة الفاصلة بين التصور والتطبيق. وبالإضافة إلى هذا وذاك خصوصية الدرس الفلسفي في التحضير والبناء والمعالجة. يقول muglioni في: "درس فلسفي": إذا حضّرنا درسا في الرياضيات يمكننا في نهايته أن ننجز تمارين وأن نحل مسائل، تنطلق من فرضيات ومعطيات أولية، ولكن إذا حضّرنا درسا في الفلسفة يمكننا في النهاية أن نقرأ نصوصا أن نكتب ونعالج قضايا. ففي الكتابة الفلسفية لا يقف المصحح على ما يجب أن يفكر فيه التلميذ بالذات، ولكن فقط على ما إذا كان التلميذ قد تعلم وأصبح قادرا على التفكير. فدرس الفلسفة يؤسس ويقيم العلاقة بين التلميذ و الفلسفة، وبما أن كبار فلاسفة العالم يقدمون أنفسهم كتلاميذ باحثين عن الحقيقة... فكيف ينتظر أستاذ الفلسفة بالثانوي- وهو ليس فيلسوفا بأي حال من الأحوال- من الآخرين أن يدلوه ويرشدوه إلى ما يجب أن يفعل.....)

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!