تحليـل ومناقشـة نـص: " جـدل العقـل والتجربـة"
![]() |
تحليـل ومناقشـة نـص: " جـدل العقـل والتجربـة" |
إذا كانت المعرفة فعالية إنسانية تسعى إلى وعي وفهم وتحليل القوانين التي تحكم الإنسان وتحكم عالمه الطبيعي. فإنها عرفت خاصة على مستوى المعرفة العلمية صراعا بين العقلانية والتجريبية. هذا الصراع تبلور على مستوى مفهومي النظرية والتجربة.
فما دلالة هذين المفهومين؟
تتحدد النظرية حسب معجم لالاند: "إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ " ما يعني أن النظرية بناء عقلي مجرد، تركيبي، استدلالي فرضي. أما التجربة فتعني في مجال المعرفة العلمية "القيام بإعادة إحداث ظاهرة ما لمعرفة القوانين المتحكمة فيها" إنها الوسيلة الأساسية التي يلتجئ إليها العالم التجريبي لمعرفة القوانين المتحكمة في الظواهر.
- كيف تتأسس العقلانية العلمية؟ ماهي خصائصها؟
- ماهي الحدود الفاصلة بين ماهو علمي وماهو غير علمي في النظرية؟
- ماهي العلاقة بين النظرية والتجربة؟
- هل القول بأهمية التجربة تهميش لدور العقل؟
- ألا يعتبر العقل أساسا في تحويل التجربة إلى نظرية علمية موضوعية؟
- ألا يمكن أن يكون التكامل بين العقل والتجربة أساس اليقين في العقلانية العلمية المعاصرة؟
- ماهي المشكلات الإبستيمولوجية التي تطرحها علاقة النظرية بالتجربة؟
إن اليقين المزدوج كميزة للمعرفة العلمية المعاصرة، يقصد به ذلك اليقين الذي ينشأ من الأطر العقلية والإنسجام المنطقي والتناسق الداخلي للنظرية العلمية في تفاعله وتكيفه مع الواقع التجريبي الذي يغذي النظرية العلمية بملاحظاته الدقيقة ومبادئه. إن هذا التفاعل هو ما يؤسس العلاقة الجدلية التكاملية بين العقل والتجربة.
ولإقناعنا بهذا الموقف وظف صاحب النص غاستون باشلار بنية حجاجية قائمة على النقد والتركيب. فالنقد يظهر من بداية النص حيث يفتتح الفيلسوف نصه بنفي إمكانية تأسيس الفيزياء دون التكامل بين العقل والتجربة، وهو نفي ينطوي على نقد ضمني للإتجاه العقلاني والتجريبي في بناء المعرفة العلمية. وعلى ضوء هذا النفي يؤكد بشلار أن الفيزياء المعاصرة تنشئ عن التركيب بين العقل والتجربة لأنها تحتاج إلى يقين مستمد من العقل ويقين مستمد من الواقع. واستنتج في النهاية أن العقلانية العلمية عقلانية مطبقة يتفاعل فيها الوعي والمادية التقنية.
إن ما يمكن أن نخلص إليه من تحليل هذا النص هو رفض اعتبار الواقع المصدر الوحيد للمعرفة ورفض اعتبار العقل مكتملا ومكتفيا بذاته في بناء العلم. كما نخلص إلى أن النص يؤكد على أهمية الحوار الجدلي بين العقل والتجربة في بناء المعرفة العلمية، فهل من الضروري أن يتفاعل العقل والتجربة لبناء العلم؟ ألا يمكن الاكتفاء بالعقل وحده كأساس لبناء العلم على اعتبار أن التجربة قد تشكل عائقا بما قد تحمله من حس؟ ألا يمكن أن تكون التجربة وحدها مصدر العلم على اعتبار أن العقل قد ينحو بالعلم إلى ماهو ميتافيزيقي أحيانا؟ ماهي حدود التصور المعروض داخل النص؟ وإلى أي حد يمكن التسليم بما ذهب إليه باشلار في تصوره للمعرفة العلمية المعاصرة؟
وفي مقابل ذلك أثبت أن المعرفة التي يتوصل إليها بمناهج معقولة تستخدم العقل مطبقا على مادة الملاحظة والتجربة ولارتباطها بالتجريب تسمى المعرفة العلمية لأن الملاحظة والتجريب على حد قوله مصدر للحقيقة العلمية في تفاعله مع الأطر العقلية.
ومن هنا أهمية العقلانية العلمية المعاصرة في تأكيد طبيعتها العقلانية التجريبية. التي تعتبر العقل العلمي في تكيفه مع الوقائع التجريبية، يراجع مبادئه وقواعده وينزع عنها صفة الثبات والإطلاق.
إن الإشكاليات المطروحة حول بناء النظريات العلمية قد أدت إلى ميلاد إشكاليات ابستيمولوجية أخرى تتعلق بمعايير صلاحية النظريات العلمية، فكما تعددت الأطروحات وتنوعت في شأن بناء المعرفة العلمية تعددت كذلك المعايير والمقاييس التي تثبت مدى علميتها وصلاحيتها للعلم.
