تعريب: قويدر عكري
هذا نص للصديق عزيز الأزرق تمت ترجمته منذ مدة، وللتذكير، يعتبر الأخ عزيز الأزرق من المبدعين في مجال ديداكتيك الفلسفة، بحيث كانت له مجموعة من المساهمات على مستوى الجرائد الوطنية والدولية، وله مجموعة من الكتب. ترأس الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، وشهدت الجمعية في عهده تألقًا، حيث كانت السباقة في طرح مسألة تعميم المادة وبرمجتها للجذوع، واستُقبلت آنذاك من قبل وزير التربية الوطنية، الذي عمل على تلبية مجموعة من المطالب.
تحية من هذا المنبر للصديق عزيز الأزرق.
بالإمكان اعتماد منهجيات متنوعة في دراستنا للنص، بيد أن كل تحديد للمنهجية تعترضه ثلاثة أسئلة أساسية، هي أسئلة الفلسفة. ومن ثم، فإن التفكير في هذه الأسئلة واختيار الأجوبة هو ما يوجه معالجة ودراسة النص.
وحدة النص
ما هي نتائج اعتبار النص كوحدة؟ هل نستطيع أن نتحدث عن مظاهر متنوعة للنص؟
يحيل المعنى المعجمي للنص إلى مبدأ النسج، وهكذا فإن الكتابي يعرض تركيبًا متجانسًا، ذلك أن الأصل الأنطولوجي لوحدة النص يكمن في إرجاع الكثرة إلى الوحدة. نحن إذن أمام ميتافيزيقا النص التي تحاول أن تسبغ عليه نظرة تقديسية. ونذكر هنا كمثال النصوص الدينية (القرآن) المكتوبة بدون ترقيم، بحيث يمكن قراءتها إما من اليمين وإما من اليسار.
يتجلى النص كنسيج من العلامات الموحدة مورفولوجيًا، نسيج يخفي هذه الوحدة ويحافظ عليها في سرية تامة، بكيفية يمارس بها النص علينا إغراؤه، ولا نستطيع ولوجه، مما يحيل على فرادته. والحالة هذه، فإن الإغراء والأسطورة هما من خصائص المقدس.
هل يتعلق الأمر بعائق لاشعوري عند التلميذ يعكس تخوفه وعدم قدرته أمام هذا النص بسبب مكر سريته التي تفلت منه؟
لهذا، نرى أن تعلم منهجية دراسة النص تصطدم بمقاومة قوية عند التلميذ، ما دام يكتب وهو غير مسلح غالبًا بالمنهجية التي تعلمها ومارسها في القسم. بالإضافة إلى ذلك، وأمام التعقد المورفولوجي للعلامات الواضحة، يوجد مبدأ محايث لوحدة النص، هذا المبدأ غير معلن للقارئ. آنذاك، تصبح مجهودات القراءة والدراسة حافزًا للبحث عن وحدة الواحد، لأننا نريد الإمساك بسرية هذه الوحدة وقانون هذا النسيج.
يفترض اعتبار النص كوحدة متجانسة استراتيجية محددة في دراسته، فلا يجب أن تجزئه، لأن الدلالة لا تُعطى إلا في شموليتها. لهذا، سيكون النص (مقتطف من كتاب) إجراءً غير شرعي، لأنه يهدم مبدأ الوحدة. أما الذي يعمل على اقتطاع نص من كتاب، فهو صاحب وحدة أخرى يمكن أن تكون غريبة أو مناقضة للوحدة المحبذة من صاحب الكتاب. ومن أجل المحافظة على وحدة النص الأصلية، نستعين بمختلف سياقات النص: سياق الكتاب وكل إنتاجه الفلسفي. باختصار، نقول إن دراسة النص مشروطة بربط النص بالكتاب، بصاحبه، وبالسياق الثقافي والتاريخي.
يصبح هدف الدراسة إذن هو اكتشاف خبايا الوحدة ومحو هذه التعددية الظاهرة. إن التصور هو الذي يوجه منهجية الدراسة المنتظمة للنص، التي ترتبط بالسياقات السابقة الذكر، لأن تعبير "الدراسة المنتظمة" يتضمن مبدأ الوحدة. لهذا السبب، توجد نصوص تصعب دراستها، كالنصوص الحكمية، المقصاة مثلًا من الكتب المدرسية للفلسفة في فرنسا، لأنها تستحيل أن تكون موضوع تقويم.
في مقابل هذا التصور، فإن كل دراسة للنص لا تستهدف الوحدة المنظمة، يمكن أن تتعامل معه كسطح متنوع الدلالات وكمداخل تحث على التفكير، الشيء الذي يسمح بتحرير النص من السياقات التي أنتجته لإدماجه ضمن سياقات أخرى.
إن التفكير في معضلة مبدأ الوحدة لا مفر منه من أجل تحديد منهجية دراسة النص. وبالمثل، فإن الوعي بقيمة أو عدم قيمة وحدة النص يثير بعضًا من غموض التقييم، الذي يكون أحيانًا قاسيًا بالنسبة للتلاميذ الذين لا يحترمون في دراستهم هذه الوحدة.
قول النص
تجرنا مساءلة وحدة النص في العمق إلى مساءلة القول الفلسفي للنص: هل هو قول الحقيقة؟ هل النص فضاء لنسج الحقيقة الوحيدة، أم هو فضاء لكونية المعاني؟
إن تقوية وحدة النص تعني اعتباره كاستراتيجية تقول الحقيقة، حيث تتحول دراسة النص إذن إلى منهجية لاكتشاف الحقيقة الوحيدة المطلقة. يتعلق الأمر ببيداغوجية لتعليم الحقيقة، تضع معالم منهج أحادي الجانب:
- تحديد الإشكالية الوحيدة.
- إقامة أطروحة واحدة فقط.
- تركيب خلاصة/تركيب وحيد.
في المقابل، يكون التحرر من وحدة النص هو التخلي عن النظر إليه وفقًا لمبدأ قول الحقيقة، ويمكن الحديث بالتالي عن حقيقة حسب مستويات عدة، نظرًا لعدم وجود نموذج شكلي وحيد، ولا تأويلات كونية وحيدة للحقيقة. هكذا، يمكن للنص أن ينفتح على أكثر من إشكالية، وعلى أكثر من أطروحة، لكي لا نحصره في قراءة متصلبة تطرح قواعد مطلقة لقراءة خالدة.
باختصار، نحن أمام مستويين مختلفين لتحديد القول الفلسفي الذي يوجه طبيعة دراستنا للنص، كما يوجه سبب اختيارنا المنهجي.
تحليل النص
المعضلة الثالثة التي تبعث على التفكير هي مسألة التساؤل عن نوع استراتيجية التحليل التي يجب اتباعها لدراسة النص. هل يجب أن نحلل ما يقوله النص، أم نحلل "أشياء النص" (ريكور) التي يحيل عليها؟
إذا نظرنا إلى النص كنسيج ينفتح على نوايا ثاوية وراء مورفولوجيته، يصبح التحليل اشتغالًا يمر من المعنى الظاهر إلى المعنى الخفي. هنا، يكون التحليل تأويلًا يكشف عن مسكوت النص. يتعلق الأمر بانتهاك قسري للنص، بقراءة تهدم مكتوب النص لتبديله بمكتوب آخر. إنه تصور يفترض تعليق ذاتية الكاتب، ويرفض التفريق بين فعل القراءة وفعل الكتابة.
وإذا نظرنا إلى النص فيما يقوله، آنذاك يكون دور التحليل هو الغوص في عالم المعاني و"أشياء النص". إنه تأويل هيرمينوطيقي ينطبق على كل دلالات النص من أجل إبراز معانيه الأنطولوجية. يتعلق الأمر بتعليق ذاتية القارئ لولوج عالم النص، والتخلي عن كل تأويل كوني، بمعنى التخلي عن تملك "حقيقة النص".
وأخيرًا، يمكن أن نخلص إلى أن عدم الاهتمام بهذه المسائل الثلاث (الوحدة، القول، التحليل) ينتهي إلى هيمنة نوع من الضبابية والغموض على ما هو مطلوب من التلميذ.
أعتقد بأن ما هو سائد في تقويمنا هو الأحادية (Monisme)، التي تجمع في الكتابة الفلسفية بين النص وكتابة التلميذ (أحادية الإنتاج). تعكس هذه الأحادية حالة نموذجية ترفض كل تجاوز للحقيقة المطلقة، حيث يمكن للتلميذ أن يهتدي على ضوئها أو يضل.
إن الاهتداء والضلال يؤديان إلى الجزاء أو العقاب، وهذا ما يبرز قساوة التقويم. ألسنا قاسيين في مواجهة تلميذ لا يحترم وحدة النص؟ أليس التقويم قاسيًا في الحالة التي يُطلب فيها من التلميذ قول الحقيقة؟
عزيز الأزرق
تعريب: قويدر عكري
عن مجلة Diotime L’AGORA. N°1