 |
تصور فلسفي معاصر لعلاقة الهوية بالذاكرة لجون سيرل |
إقتراح: الأستاذ عادل هشام
"لقد قلت إن الذاكرة تؤدي دورا جوهريا بتصور الشخص الأول للهوية الشخصية. ها هو الأسلوب. لدي الآن ذكريات واعية لتجارب واعية سابقة في حياتي، و لدي المقدرة على أن أتذكر عددا كبيرا هائلا من ذكريات واعية أخرى لتجارب واعية سابقة في حياتي. شعوري بأنني الشخص نفسه، عبر الزمن من وجهة نظري للشخص الأول، هو إلى حد كبير مقدرتي على إنتاج ذكريات واعية لحوادث واعية سابقة في حياتي. أظن أن هذا ما كان يعنيه لوك عندما قال إن الوعي يؤدي وظيفة جوهرية في تصورنا للهوية الشخصية، ولكن بغض النظر عما إذا كان لوك يعني هذا المعنى، إن استمرارية الذاكرة هي على الأقل جزء مهم من تصورنا للهوية الشخصية. لقد طرح لايبنيتز نقطة مماثلة: تصور أنك أصبحت إمبراطور الصين، ولكن فقدت كل أثر من أي نوع من الذاكرة من ماضيك. يقول لابنيتز إنه ليس هناك فرق بين تصور هذا وتصور أنك تنقرض من الوجود وأن إمبراطورا جديدا للصين حل محلك .
هناك اعتراض تقليدي لتفسير لوك، الذي يعتبره كثير من الناس حاسما، والآن أريد أأعطي جوابا له. فلنبتدئ. التفسير دوري circular. نستطيع القول بخصوص فاعل ما يستطيع أن يتذكر حوادث في حياته السابقة فقط إذا افترضنا أنه الشخص نفسه الذي حدثت له تلك الحوادث في الحياة السابقة. ولكن كنتيجة، لا نستطيع أن نفسر أن الهوية الشخصية بلغة الذاكرة، لأن هذه الذاكرة تفترض الذاتية، التي نحاول أن نفسرها، بإمكاننا وضع المشكلة صوريا (منطقيا) كما يلي:
شخص س 2 في وقت ت 2، هو ذاته شخص س 1 في وقت ت 1 إذا وفقط إذا س 2 في وقت ت 2 يتذكر حوادث حدثت ل س 1 في وقت ت 1، حيث تلك الحوادث هي تجارب واعية و تجربة الذاكرة هي تجربة واعية.
الادعاء أن هذا التفكير دوري هو كما يلي: لكي يتذكر فعلا س 2 في وقت ت 2 حادثة ل س 1 في وقت ت 1. فقط مقابل مجرد ظنه أنه يتذكرها، على س 2 أن يكون س 1 نفسه. ولكن إذا كان هذا صحيحا، عندئذ لا نستطيع استعمال الذاكرة لتبرير ادعاء الهوية أو معيار الهوية لأننا نتطلب الهوية شرطا ضروريا لصدق الذاكرة.
نستطيع شرح هذه النقاط بأمثال. لنفرض أنني أقول الآن، بكل صدق أتذكر كتابة "نقد العقل الخالص" (هذا الكتاب هو من تأليف كانط). إن هذا بأي طريقة لا يثبت أو يعمل على دعم الرأي أنني عمانويل كانط نفسه، لأننا نعرف أنه ليس في مقدوري كتابة "نقد العقل الخالص". وبالطريقة نفسها تماما، إذا أنا الآن تذكرت أنني كتبت " أفعال كلامية" (وهو كتاب كتبه صاحب هذا النص أي سيرل)، هذه الذاكرة وحدها لا تعمل أبدا على تثبيت الواقعة أن جون سيرل هو ذاته مؤلف "أفعال كلامية"، لأن علينا أولا أن نعرف أنني جون سيرل قبل أن نتمكن من معرفة أنني صدقا أتذكر كتابة "أفعال كلامية". هاتان الحالتان متوازيتان تماما. هل هذه الحجة حاسمة ضد النظرية التي تقول إن الذاكرة جزء جوهري من الهوية الشخصية؟.
أظن أن الجواب يعتمد على نوعية السؤال الذي تحاول النظرية الإجابة عنه، وفق مفهومنا. إذا اعتبرنا أنها تجاوب عن السؤال التالي: ما هي معايير الهوية الشخصية بصورة إذا توافرت هذه المعايير فإن س 2 في وقت ت2 سوف يكون شخص س 1 نفسه في وقت سابق ت 1؟ فإن المعيار سيفشل بغض النظر عن عدد الذكريات المزعومة التي كنت أمتلكها، أنا لم أكن كانط. و على أي حال، هناك سؤال مختلف، يبدو لي أن هذه النظرية تجيب عنه، وهو سؤال الشخص الأول: ما هو الشيء الخاص بي، ما هو الشيء الخاص بتجاربي الشخصية الذي يجعلني أحس بنفسي أنني موجود مستمر عبر الزمن، وهذا بالإضافة إلى استمرار جسدي؟ ولهذا السؤال، يبدو لي أن استمرارية تجربتي بالتذكر هي جزء جوهري من حسي بوصفي ذاتا مستمرة. أحد ليس أنا قد يمتلك تجارب شخصية من النوع نفسه، وقد يولد فيه حس بذاته مثل النوع تماما لحسي بذاتي. على الرغم من ذلك، إننا لسنا الأشخاص أنفسهم، ومع ذلك لكل منا حس بنفسه بوصفه ذاتا مستمرة."
المرجع :
جون ر. سيرل : العقل، عالم المعرفة، العدد 343 سبتمبر 2007،ص 224 – 225 – 226 .