العلوم الانسانية للأستاذ أحمد جابر

سعيد إيماني
بواسطة -
0


مفهوم العلوم الانسانية حسب رحاب الفلسفة للأستاذ أحمد جابر

يشير مصطلح العلوم الإنسانية إلى مجموعة من التخصصات التي تركز على دراسة الإنسان، سعياً لفهم أبعاده المختلفة مثل النفسية والاجتماعية والاقتصادية، أو تحليل الظواهر المرتبطة به. وتعد العلوم الإنسانية حديثة نسبياً مقارنة بالعلوم الطبيعية التي شهدت استقلالها عن الفلسفة منذ القرن السادس عشر وحتى الثامن عشر، حيث تم نقل الظواهر الطبيعية من دائرة التصورات الميتافيزيقية إلى مجال الدراسة العلمية. أما الظواهر الإنسانية، فقد بقيت لفترة طويلة موضوعاً للتأمل الفلسفي قبل أن تبدأ في اكتساب طابعها العلمي مع ظهور العلوم الإنسانية في القرنين التاسع عشر والعشرين.

هذا التأخر التاريخي في نشأة العلوم الإنسانية لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة منطق التطور العلمي الذي تطلب نضجاً منهجياً وفكرياً. غير أن هذا التأخر رافقه طابع إشكالي، حيث ظهرت تحديات كبيرة تتعلق بقدرة العلوم الإنسانية على تحقيق "علميتها" على غرار العلوم الطبيعية. فقد تأثرت العلوم الإنسانية بالنموذج الفيزيائي-التجريبي الذي هيمن على تطور العلوم الطبيعية، مما أثار تساؤلات حول مدى ملاءمة هذا النموذج لدراسة الظواهر الإنسانية. وهنا برزت عدة قضايا منهجية ونظرية، أهمها القدرة على استيفاء العلوم الإنسانية لشروط المعرفة العلمية الموضوعية.

أحد التساؤلات الكبرى التي تطرح في هذا السياق هو ما إذا كانت الظواهر الإنسانية قابلة لأن تكون موضوعاً للمعرفة العلمية والموضوعية التي تحقق شرط العلمية. فهذه الظواهر، بحكم ارتباطها بالإنسان ككائن واعٍ ومعقد، تطرح تحديات تتعلق بإمكانية دراستها بنفس الطريقة التي تُدرس بها الظواهر الطبيعية. وهنا يظهر جدل بين أولئك الذين يرون أن العلوم الإنسانية يمكنها أن تعتمد التفسير، كما هو الحال في العلوم "الحقة"، وبين من يرون أن الظواهر الإنسانية تتطلب الفهم كمنهج أساسي لدراستها.

السؤال الآخر الذي يثار في هذا الإطار يتعلق بالنموذج العلمي الأكثر ملاءمة للعلوم الإنسانية. هل هو النموذج التجريبي المستوحى من العلوم الطبيعية الذي يعتمد على الملاحظة والقياس والتجربة، أم أن العلوم الإنسانية بحاجة إلى نموذج خاص يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الظواهر التي تدرسها، من حيث ارتباطها بالسياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية؟

إذن، الإشكالية المركزية التي تواجه العلوم الإنسانية تتجسد في التوفيق بين طموحها إلى العلمية، من جهة، وخصوصية موضوعها المرتبط بالإنسان، من جهة أخرى. تحقيق هذا التوازن يتطلب مناهج متعددة تجمع بين التفسير والفهم، وبين الموضوعية واحترام خصوصية الظواهر الإنسانية. وهكذا تظل العلوم الإنسانية مجالاً ديناميكياً غنياً بالتحديات، وفضاءً فكرياً مفتوحاً لتطوير أدوات معرفية قادرة على استيعاب تعقيد الإنسان وظواهره.

يمكنك تحميل الدرس من الرابط أسفله:
أو

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!