مفهوم العنف للاستاذ المصطفى سكم

سعيد إيماني
بواسطة -
0

 


مفهوم العنف

نقترح عليكم مفهموم العنف من إعداد الاستاذ المصطفى سكم

العنف هو مفهوم يحمل في طياته دلالات لغوية وفلسفية متشابكة، ويثير العديد من الإشكالات الفلسفية التي تتطلب تأملًا عميقًا. لغويًا، تعود جذور الكلمة إلى الأصل العربي "عَنَفَ"، الذي يدل على الشدة والقسوة واستخدام القوة بشكل مفرط. في المعجم اللغوي، يُعرَّف العنف على أنه كل فعل ينطوي على الإكراه أو الإجبار أو الشدة، ويهدف إلى السيطرة أو الإضرار بالآخر. هذا التعريف اللغوي يعكس تصورًا أوليًا للعنف باعتباره تعبيرًا عن تعدٍّ مباشر وصريح على كيان الآخر، سواء كان ذلك ماديًا أو معنويًا.

فلسفيًا، ينطوي العنف على أبعاد تتجاوز البعد الظاهري المباشر. الفلاسفة تعاملوا مع العنف بوصفه ظاهرة إنسانية معقدة تعبر عن الصراع الداخلي والخارجي في النفس البشرية وفي المجتمعات. يعتبر بعض الفلاسفة العنف جزءًا من الطبيعة البشرية، حيث يرى توماس هوبز أن الإنسان بطبيعته يميل إلى العنف والصراع في حالة الطبيعة، ما يستدعي وجود سلطة قاهرة لفرض النظام والقانون. في المقابل، هناك من يرى أن العنف ليس فطريًا، بل هو نتيجة لظروف اجتماعية وثقافية معينة، مثل جان جاك روسو الذي اعتبر أن الإنسان في حالته الطبيعية مسالم، لكن التفاوت الاجتماعي والملكية الخاصة أوجدَا صراعات أدت إلى العنف.

يتجلى العنف الفلسفي في إشكاليات متعددة تتعلق بطبيعته وأبعاده. من بين هذه الإشكاليات، يبرز السؤال حول العلاقة بين العنف والسلطة: 
هل السلطة تستند بالضرورة إلى العنف، أم أن السلطة الحقيقية تقوم على الشرعية والقبول؟ 
اعتبر الفيلسوف الألماني ماكس فيبر أن العنف هو الوسيلة المشروعة التي تحتكرها الدولة للحفاظ على النظام العام، في حين انتقدت الفيلسوفة حنة آرندت هذا التصور، مؤكدة أن العنف ليس أساس السلطة، بل إن السلطة الحقيقية تقوم على التعاون والاتفاق بين الأفراد، بينما يعكس العنف فشل السلطة في الحفاظ على شرعيتها.

إشكالية أخرى تتعلق بالغاية من العنف:
هل يمكن تبرير العنف إذا كان يؤدي إلى تحقيق غايات نبيلة، كما يدعي البعض في سياق الثورات والتحرر؟ 
هذه المسألة كانت محور نقاش فلسفي طويل، حيث دافع جورج سوريل عن العنف باعتباره أداة ضرورية لتحقيق التغيير الثوري، بينما رفض غاندي ومارتن لوثر كينغ هذا التصور، مؤكدين أن اللاعنف هو الوسيلة الأخلاقية والفعالة لتحقيق التغيير.

العنف يثير أيضًا تساؤلات حول العلاقة بين القوة والعقل:
هل يعبر العنف عن عجز العقل عن إيجاد حلول سلمية للنزاعات، أم أنه تعبير عن إرادة القوة التي تتجاوز العقل والمنطق؟ 
يرى البعض أن العنف هو إفلاس أخلاقي وعقلي، حيث يعكس فقدان القدرة على الحوار والتفاهم، بينما يرى آخرون أن العنف يمكن أن يكون تعبيرًا عن إرادة مقاومة الظلم ورفض القهر.

إضافة إلى ذلك، يثير العنف إشكالية العلاقة بين الفرد والمجتمع:
إلى أي حد يمكن أن يكون العنف ظاهرة فردية، أم أنه نتيجة لبنية اجتماعية واقتصادية غير عادلة؟ 
ماركس، على سبيل المثال، ربط العنف بالصراع الطبقي، حيث اعتبره أداة تستخدمها الطبقة المسيطرة لقمع الطبقات الأخرى.

أمام كل ما سبق، يظل العنف موضوعًا يثير العديد من التساؤلات الفلسفية التي لا تزال مطروحة للنقاش. سواء كان العنف طبيعيًا أو مكتسبًا، مبررًا أو غير مبرر، يبقى من الضروري البحث عن طرق لتجاوزه عبر تعزيز قيم الحوار والتسامح والعدالة، بما يتيح بناء مجتمعات أكثر سلامًا واستقرارًا، ويمكن الاطلاع أكثر على تفاصيل الدرس من خلال تحميل الملف من الرابط أسفله

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(موافق) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. تعرف أكثر
Ok, Go it!