مفهوم الرغبة
وضعية مشكلة
يحكى أن شابًا قصد أحد حكماء الصين ليطلب منه الحكمة ويعرف سر النجاح، فسأل الشاب الحكيم:
- ما هو سر النجاح؟
فأجابه الحكيم بهدوء:
- سر النجاح يكمن في الرغبة المشتعلة.
استغرب الشاب من الإجابة وسأل:
- وكيف يمكننا أن نمتلك هذه الرغبة المشتعلة؟
ابتسم الحكيم وقال:
- انتظر قليلاً وسأريك.
![]() |
وضعية مشكلة في مفهوم الرغبة |
غاب الحكيم بضع دقائق، ثم عاد حاملًا وعاءً كبيرًا مملوءًا بالماء. طلب من الشاب أن يقترب وينظر إلى الماء، وعندما انحنى الشاب ليقترب من الوعاء، باغته الحكيم وضغط برأسه داخل الماء بكل قوته.
في البداية، لم يبذل الشاب جهدًا كبيرًا للتحرر، لكنه سرعان ما شعر بالاختناق وبدأ يقاوم، وكلما زادت حاجته للهواء، ازدادت محاولاته للنجاة. ومع ذلك، لم يتحرر إلا عندما وصلت مقاومته إلى أقصى حدودها، حين أصبحت رغبته في التنفس مشتعلة ولا تقاوم.
بعد أن أخرج رأسه من الماء وهو يلهث، صاح الشاب غاضبًا:
- ما هذا الذي فعلته؟ كدت أفقد حياتي!
ابتسم الحكيم بهدوء وسأله:
- وماذا تعلمت من هذه التجربة؟
رد الشاب:
- لم أتعلم شيئًا سوى أنني كدت أغرق!
قال الحكيم بحكمة:
بل تعلمت الكثير. في البداية، لم تكن دوافعك قوية بما يكفي لإنقاذ نفسك، ومع زيادة شعورك بالاختناق، بدأت تقاوم، لكن ببطء، وعندما شارفت على الغرق، اشتعلت رغبتك في النجاة، فأصبحت أقوى من أي عائق، وتمكنت من تحرير نفسك.
ثم أردف بابتسامة هادئة:
- يا بني، عندما تملك رغبة مشتعلة تجاه تحقيق هدفك، فلن يقف أي شيء في طريقك، هذا هو سر النجاح الحقيقي.
أسئلة:
- ما الدافع الحقيقي الذي دفع هذا الشاب إلى البحث عن سر النجاح والتعلم على يد الحكيم؟
- هل هو شغف داخلي بالمعرفة والرغبة في تحقيق السعادة من خلال العلم، أم أن حاجته لتأمين مصالحه وتجنب الأضرار عبر التعلم هي ما دفعه للسعي نحو الحكمة؟
- لماذا قاوم الشاب معلمه، رغم أنه جاء للتعلم منه؟
- هل كانت رغبته القوية في البقاء على قيد الحياة هي المحرك الأساسي، أم أن الحاجة الفسيولوجية الماسة إلى الهواء والأوكسجين هي التي دفعته إلى ذلك؟
- كيف نميز بين الحاجة والرغبة؟
- هل كل ما نحتاجه بالضرورة نرغب فيه؟
- هل كل ما نرغبه يعكس حاجة حقيقية في حياتنا؟
من دلالات القصة إلى الإشكالات
للانتقال من دلالات القصة إلى الإشكالات الفلسفية المتعلقة بالرغبة، يمكننا الربط بين الموقف الذي عاشه الشاب في القصة والمعطيات النظرية المتعلقة بمفهوم الرغبة، وذلك كما يلي:
تحيل الرغبة في الاستخدام اليومي إلى ما يتطلع إليه الإنسان ويرجوه، بينما تحمل في المعجم دلالات متعددة؛ فهي قد تعبر عن الطمع والحرص على الشيء أحيانًا، وأحيانًا أخرى تشير إلى الإرادة والطموح والرغبة في تحقيق الأهداف، كما قد تدل على الزهد والابتعاد عن الشيء أو تركه. أما في الفلسفة، فقد تعددت رؤى المفكرين بشأن مفهوم الرغبة: فـ"جون بول سارتر" يصفها بأنها "تطلع الإنسان لأن يصير إلها"، بينما يرى "سبينوزا" أنها شهوة واعية بذاتها تشكل جوهر الإنسان، ومن جهة أخرى، يحدد "جون لوك" الرغبة بأنها ذلك التوتر الداخلي الذي يشعر به الإنسان عندما يفتقد شيئًا يمكن أن يجلب له اللذة. وفقًا لمعجم "لالاند" الفلسفي، تُعرف الرغبة بأنها نزوع تلقائي وواعٍ نحو غاية محددة أو متخيلة، وهي تقابل النفور.
هذا التنوع في دلالات الرغبة، سواء لغويًا أو فلسفيًا، وما تحمله من غموض وتشابك مع مفاهيم أخرى كالحاجة والإرادة والسعادة، جعل منها موضوعًا محوريًا للفلاسفة، حيث سعوا لفهم طبيعتها، علاقتها بالوعي، ومدى تأثيرها على تحقيق الإنسان لسعادته.
من خلال الوضعية المشكلة، نجد القصة تعكس تجربة وجودية تُبرز تحول الرغبة من مجرد نزوع عابر إلى حالة ملحة تُدرك بالوعي، عندما ضغط الحكيم رأس الشاب تحت الماء، برزت الحاجة الملحة للهواء كقوة أساسية دافعة، يمكن هنا طرح الإشكاليات التالية:
- هل الرغبة تنبع دائمًا من الحاجة، أم أنها قد تتجاوزها لتشمل طموحات وتطلعات معنوية؟
- كيف يمكن التمييز بين الرغبات الواعية والرغبات العفوية؟
- هل وعي الإنسان برغباته يجعلها أكثر وضوحًا وقوة؟
2. الرغبة كدافع لتحقيق الذات:
الرغبة المشتعلة التي أشار إليها الحكيم في القصة تعكس نزوعًا يتجاوز الإشباع المباشر إلى تحقيق الذات، هذا يقود إلى إشكالات:
- هل الرغبة هي جوهر الإنسان، كما يرى "اسبينوزا"؟
- كيف يمكن للرغبة أن تكون مصدرًا لتحقيق الذات بدلًا من أن تكون عائقًا؟
- هل يمكن للإنسان التحكم في رغباته لتوجيهها نحو أهداف سامية؟
3. الرغبة والصراع الداخلي:
في لحظة صراع الشاب تحت الماء، برزت الرغبة في النجاة كقوة تفوقت على كل الاعتبارات الأخرى، هذا المشهد يفتح الباب لمناقشة:
- هل الرغبة دائمًا تعبر عن صراع داخلي بين الحاجة والإرادة؟
- كيف يمكن للرغبة أن تتحول من دافع بقاء إلى طموح معرفي أو أخلاقي؟
- ما الذي يميز الرغبة عن الحاجة في مثل هذه الحالات القصوى؟
4. الرغبة والسعادة:
تظهر القصة أن الرغبة في الحياة أو تحقيق الهدف قد تكون شرطًا للسعادة، بناءً على ذلك، يمكن طرح الإشكالات الآتية:
- هل يمكن للإنسان أن يكون سعيدًا دون وجود رغبات؟
- هل السعادة تتحقق بإشباع الرغبات، أم أنها تتطلب التحكم فيها؟
- كيف يمكن للرغبة أن تكون مصدرًا للسعادة دون أن تصبح عبئًا وعائقا يقود إلى التعاسة؟
5. الرغبة والآخر:
دور الحكيم في إثارة الرغبة داخل الشاب يعكس تأثير الآخر في تشكيل رغباتنا، هذا يفتح المجال للتساؤل:
- هل الرغبة فردية أم تتشكل من خلال علاقتنا بالآخرين؟
- كيف يؤثر الآخر في توجيه رغباتنا أو الحد منها؟
- هل يمكن للآخر أن يكون مرشدًا لرغباتنا، كما فعل الحكيم مع الشاب؟
