لقد عرف المذهب التجريبي تطورا كبيرا منذ تأسيسه في القرن السادس عشر على يد جاليلي الذي أرسى قواعده الأساسية، مرورا بفرانسيس بيكون ودفيد هيوم وجون لوك وانتهاءا بالعام كلود برنار الذي وضع صيغته المكتملة في صورتها الكلاسيكية.
يقول كلود برنار: "الحدث يوحي بالفكرة، والفكرة تقود إلى التجربة وتوجهها، والتجربة تحكم بدورها على الفكرة".
- الملاحظة: الملاحظة هي الخطوة الأولى في عمل العالم الذي يبدأ بمراقبة الظاهرة المدروسة، حيث يعتمد في البداية على حواسه وقدراته العضوية، ثم ينتقل إلى الملاحظة المعتمدة على الآلات والوسائل العلمية حتى تصبح أكثر ملاءمة لروح البحث العلمي. كما ينبغي على الملاحظ أن يأخذ بعين الاعتبار تداخل وتعقد الظواهر وتفاعلها حتى لايصدر أحكاما متسرعة وتبسيطية ، وأن يضع بين رغباته وعواطفه ومعتقداته من جهة و بين الظاهرة المدروسة من جهة أخرى مسافة كافية تصبغ على عمله طابع الموضوعية الدقة والموضوعية.
- الفرضية: هي الفكرة أو مجموعة أفكار يقترحها العالم انطلاقا من ملاحظاته من أجل فهم وتفسير الظواهر التي يدرسها الظاهرة. وإذا كان يتقن فن الاستماع في مرحلة الملاحظة، فعليه في هذه المرحلة أن يجيد فن الحوار، فهو ينتظر من الظاهرة المدروسة أن تنسجم مع الفرضيات التي اقترحها حتى تكتسب هذه الأخيرة صلاحيتها وصدقها. ومن مواصفات الفرضية أن تكون نابعة من الموضوع المدروس، أي أن يكون لها سند واقعي، وليس من تصورات وخيالات يتم نسجها حوله.وكذلك قابليتها للتحقق التجريبي . وأن تكون عناصرها منسجمة فيما بينها وليست متناقضة.
- التجريب: بعد الملاحظة والفرضية ينتقل العالم إلى مرحلة التجريب من أجل التأكد من صدق أو كذب ما اقترحه من فرضيات، كما يعتبر الكثير من الباحثين بأن التجريب هو بمثابة ملاحظة ثانية لكنها عملية وملموسة. حيث ينتقل الباحث من مجرد ملاحظ إلى عنصر فعال في العملية يساهم في صنع الظاهرة ميدانيا أي داخل المختبر باحثا في نفس الوقت عن الإجابات التي توفرها الظاهرة المدروسة عن فرضياته. إن مرحلة التجريب تقتضي التسليم ببعض المفاهيم الأساسية والتي تعتبر عماد التفكير العلمي وهي: الحتمية والتكرار وعزل الظاهرة المدروسة وتغيير الشروط والخلق العلمي والتعميم...
- القانون: بعد عملية التجريب العلمي على الفرضيات المقترحة لتفسير الظاهرة، يقوم العالم باستخلاص النتائج التي يقوم بقراءتها وتأويلها والخروج بخلاصات تكون على شكل علاقات تعكس نتائج عمله في صيغة معادلات رياضية وهي مايسمى بالقوانين التي تتحكم أو تفسر الموضوع المدروس، وإذا تمكن العالم من إيجاد الروابط التي تجمع بين تلك القوانين يكون قد توصل إلى نظرية حول موضوع بحثه.
وكمثل على حوار الفرضية والتجربة العلمية يمكن الحديث عن فرضية أرسطو الشهيرة بخصوص سقوط الأجسام ، فقد افترض المعلم الأول بأن الأجسام الثقيلة تسقط طبيعيا أسرع من الأجسام الخفيفة،اعتبرت هذه الفرضية صحيحة لمدة 2000 سنة، نظرا لقيمة أرسطو الفلسفية والعلمية التي كانت محط احترام الجميع. كما أن هذه الفرضية تؤكدها الملاحظة العادية وهي أن الأجسام الثقيلة تقسط أسرع من ورقة شجرة أو رشة، وعندما جاء جاليلو أخضع فرضية أرسطو للتجربة حيث قام بإسقاط كرات متساوية الحجم ومختلفة في الكتلة من قمة برج بيتزا المائل، فسقطت بسرعات متساوية أمام حشد كبير من مؤيدي نظرية أرسطو. وتم تكرار التجربة عدة مرات فأصبحت فرضية أرسطو في عداد التاريخ لما تبين أنها لم تستطع الصمود أمام تجربة جديدة، جرت في ظروف وفي ظل معطيات جديدة.
