مفهوم الشخص للاستاذ رضوان أيار
في البدء كان الإنسان، كائنا معقدا يحمل في ذاته تناقضات لا تنتهي. لم يُخلق ليكون وحيدا، فهو في حاجة دائمة إلى الآخر كما هو في حاجة إلى الخبز وربما أكثر، ليس فقط لإشباع غريزة التواصل التي تُميزه ككائن اجتماعي، بل لتشارك الإحساس بالوجود ذاته. هذا التشارك مع الآخر يمنح لحياته معنى، إذ تصبح أحكامه وأفعاله وأحلامه مرتبطة بموازين الآخرين، فهم الشهود على وجوده والضامنون له في الوقت ذاته. ومع ذلك، فإن هذا الآخر ليس دائما مصدرا للطمأنينة، بل قد يتحول إلى مصدر قلق وخوف، حيث وجوده يحد من حرية الفرد ويُلزمه بالاحتراس والحيطة.
العلاقة مع الآخر تحمل مفارقات عجيبة، فهو يشبهنا بشكل كبير لكنه يظل مختلفا دائما، داعما لوجودنا ولكنه قد يهدده في ذات الوقت. غير أن الإنسان ليس مجرد انعكاس للآخرين أو رهينة لعلاقاتهم، بل هو ذات مستقلة تعي وجودها وحريتها، وتتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية. فكل فرد منا يدرك أنه ليس حجرا أو شجرا، بل كائنا يعي ذاته ويتمتع بإرادة ومسؤولية تجعله مختلفا عن مواضيع العالم المادي. إنه ذات حرة وفاعلة، لا تقبل أن تكون مجرد مفعول به.
لكن هذه الحرية التي يتباهى بها الإنسان قد تبدو وهما في نظر بعض الفلاسفة والعلوم الإنسانية، التي ترى أن الإنسان ليس سوى نتاج لعوامل اجتماعية وتاريخية تمارس عليه قهرا وإكراها. فهو أشبه ببيدق على رقعة شطرنج، تتحكم فيه بنيات وقواعد ومؤسسات تجعل منه مجرد نتيجة لا تأثير له على مسار حياته أو التاريخ الذي يدعي صنعه. كما يقول أبكتيت: "إنك تؤدي دورا اختاره لك المخرج، وعليك فقط أن تؤديه، أما اختيار الدور فهو ليس من شأنك".
هذا الطرح يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الإنسان:
- هل هو كائن مادي وموضوعي فقط، يخضع لشروط تفوقه وتحدد ملامح وجوده؟ أم أنه قادر على تجاوز هذه الشروط وتغييرها؟
إن الدراسات الأنتروبولوجية تؤكد أن المجتمع يترك بصماته الواضحة على سلوك الأفراد، بحيث يصبحون أشبه بنسخ مكررة تشترك في القيم وطرق التفكير وأساليب التعبير عن الأحاسيس، هذا يُبرز أهمية البعد الاجتماعي والتاريخي في تشكيل هوية الإنسان، بل وحتى هوية الأجيال المتعاقبة.
ورغم هذه القيود، يبقى السؤال مفتوحا:
- هل الإنسان أسير لهذه الشروط، أم أنه يمتلك القدرة على الإبداع والتجديد، متجاوزا الحدود التي تحاول أن تفرضها عليه؟
- ما قيمة الحرية إذا لم تكن وسيلة للتغيير والتجديد؟
هكذا يظهر الوضع البشري مليئا بالمفارقات. فالإنسان، على الرغم من شغفه بالاجتماع مع أقرانه، يعشق العزلة أيضا. وعلى الرغم من تعلقه بالحرية والعدالة، فإنه لا يخلو من الميل إلى السلطة والقيود. إنه يصنع التاريخ، لكنه في الوقت ذاته يتشكل به. إنه كائن غريب، يحيا ضمن تناقضات لا تنتهي، مما يجعل الحديث عنه دائما محاطا بالحذر واللايقين، ومفتوحا على سيل من التساؤلات التي لا تنضب.
يمكنك معرفة تفاصيل اكثر من خلال تحميل الملف من الرابط أسفله
أو