من هو الحبابي؟ ولد في 25 ديسمبر 1922 بفاس.. تابع دراسته العليا بفرنسا حيث حصل على دبلوم المدرسة الوطنية للغات الشرقية، ثم على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة سنة 1953، كما أحرز على الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون.
عين عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1961. اشتغل أستاذا جامعيا بالجزائر ثم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. توفي يوم 23 غشت 1993. أشرف محمد عزيز الحبابي على تأسيس اتحاد كتاب المغرب، وانتخب رئيسا للاتحاد في المؤتمر الأول (1961). ترأس جمعية الفلسفة بالمغرب، كما كان عضوا في مجموعة من الهيئات الثقافية: أكاديمية المملكة المغربية، الأكاديمية المتوسطية بإيطاليا، أكاديمية القاهرة، جمعية رجال الآداب بباريس، الفيدرالية الدولية للفلسفة. وقد عمل مديرا لمجلتي «تكامل المعرفة» و«دراسات أدبية وفلسفية». تتوزع أعمال محد عزيز الحبابي بين التأليف الفلسفي، الشعر، القصة، الرواية، وكتابة السيناريو.
نشر مجموعة من الأعمال باللغتين العربية والفرنسية: - مفكرو الإسلام: الحلقة الأولى، مطبعة الأمنية، الرباط، 1954. - بؤس وضياء: شعر، تقديم الأميرة للا عائشة، بيروت، مطبعة ستاركو، 1962، 137 ص. - من الكائن إلى الشخص: دراسات في الشخصانية الواقعية، دار المعارف، القاهرة، 1962. - الشخصانيـة الإسلامية، دار المعارف، القاهرة. - جيل الضمأ: رواية، بيروت، المكتبة العرصرية، 1967. - العض على الحديد: قصص، تونس، الدار التونسية للنشر، 1969. - من الحريات إلى التحرر، دار المعارف، القاهرة، 1972. - إكسير الحياة: رواية، دار الهلال، القاهرة، 1974. - المعين في مصطلحات الفلسفة والعلوم الإنسانية: فرنسي، إنجليزي، عربي، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1978. - تأملات في اللغو واللغة، الدار العربية للكتاب، طرابلس - تونس، 1980. - ورقات عن فلسفات إسلامية، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، البيضاء، 1988. - يتيم تحت الصفر: شعر، عيون المقالات، الدار البيضاء، 1988.
الخطوط الكبرى لشخصانية الحبابي:
يرى محمد عزيز الحبابي بأن الإنسان يمر بثلاثة مراحل: 1- الكائن أو الفرد 2- الشخص 3- الإنسان فالكائن هو المادة الخام الأولى للإنسان، ومنه ينبثق الفرد والشخص، كما يرى بأن الفرد يعد مرحلة أولية وهو إمكانية لتحقيق الشخص، يقولك" إن الكائن هو الأساس الحتمي للشخص، إنه مايصير شخصا، فظهور الكائن هو نقطة البداية لتكوين الشخصية الأولى، وبتقدم السن تتحول هذه الشخصية إلى شخصيات أخرى من مجموعها يتكون الشخص، والشخص بدوره يصبو إلى الإنسان، وقد يحقق أحيانا هذا النزوع" -من الكائن إلى الشخص-ص:64
إذن هناك ثلاث مراحل يمر بها الإنسان، تبدأ من الكائن الفرد مرورا بالشخص لتصل على الإنسان الذي هو مركب من الكائن والشخص معا. ويرى الحبابي أن الأفراد متشابهون في المرحلة الأولى أي أنهم يمثلون الوجود الأول، المعطى الأساسي ومنه تنبثق الشخصيات، فالشخصية تحرر من الوجود الطبيعي الأول ونزوع نحو الإنسان، فالشخص هو المتميز عن غيره، وفي الشخص تظهر الفروق بين الأفراد يقول:" فإذا كانت العناصر التي تدخل في التركيب الإنساني هي هي في الكائنات البشرية كلها وجب أن يكون الشخص هو مصدر الفروق التي تميز بين الأفراد" م م ص 64-65 إذن فالفرد مادة خام أولية يظهر منها الشخص عندما يميز نفسه عن الآخرين، وعندما يتحرر من كل ما يعوق تطوره الشخصي، وبعد أن نصل إلى الشخص تحدث النقلة إلى الإنسان. والإنسان عند الحبابي يشكل وحدة بين الكائن والشخص. فالكائن-الفرد- يخضع للضرورة، ويسيره المجتمع، ويخضع لكل مؤثرات البيئة المحيطة به. أم الشخص فإنه يبدأ بوعي ذاته وذات الآخرين يبدأ بالتحرر من كل القيود المحيطة به فيكون شخصا فاعلا مبدعا وحرا. إن أهم ما يميز الإنسان عن الفرد هو امتلاكه لهدف ما، لغاية وقيمة يريد تحقيقها، بعد أن حقق وجوده في مرحلة التشخصن. الإنسان هو الكائن الذي بلغ تشخصنه درجة من النمو تجعله يقوم بنشاط ما، يحقق نوايا ترقى إلى ابعد من الأشياء الفردية، إنه يضع معادلة بين أفعاله ونواياه..والربط بيم الأجزاء والكل عمل يصدر عن وعي رابط، لأن الإنسان هو الشخص الذي وصل إلى مرحلة التفكير المنطقي وربط الأسباب بالنتائج ولديه هدف في الحياة يسعى إلى تحقيقه.
كما يرى الحبابي بأن الكائن الإنساني هو وحدة دينامية، منفتحة على الصيرورة. والغاية النهائية للحياة، في نظره، ليس موافقة الكائن للشخص فقط، باعتبار الكائن القاعدة التي تقام عليها الشخصية. وهي ليست التعالي المشروط بالعدم الذي تتضمنه وجودية هيدجر، وليست أيضا "جماعة أشخاص" وإنما التفتح التام للكائن المتشخصن في التحقق الإنساني. فالتعالي بنظره لايتوقف على الكائن الشخص باعتبار أن عبارة"شخص" تظل بدون ضمانة من وجهة نظر سيكولوجية، أو لم تعني كلمة برسونا لفترة طويلة خلت كلمة :قناع باللغة اللاتينية قبل أن تأخذ معنى الذات القانونية؟ لذلك يقترح الحبابي تسمية" الشخص الإنساني" التي يعتبرها أوفى من تسمية الشخص وماتتضمنه من انحرافات البرسونا. والكائن الإنساني، أو الشخص الإنساني هو الكائن المتحين، المحسوس، وهو ذو أصل ماقبل وجودي، أي هو كائن في عالم تام منفتح على لاتناه ممكن في الكون ومايمكن أن يكون. وفي هذا يقترب الحبابي من فلسفة برغسون الحيوية. في كتابه التالي:"الشخصانية الإسلامية" يرى الحبابي أن خالق كل الكائنات(الشخص المطلق) إله واحد، ولذلك فالكائنات أشخاص متساوية، والرسالة الإلهية تخاطب المؤمنين وغير المؤمنين، دونما فرق، تعترف لهؤلاء وأولئك بتساو نوعي. أي تعترف لكل واحد بقيمة نوعية بوصفه شخصا-في- ذاته.إذ ليس هناك"أنا" وضيع و"أنا" رفيع. والإسلام يعتبر كل كائن إنساني شخصا بقطع النظر عن عرقه، ولغته ولونه، وهو نسخة فريدة من صنع الله. وهؤلاء ذوات متساوية أمام الله والمجتمع. وللمؤمن كما لغير المؤمن قدرة على تغيير موقفهما من الإيمان" ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". فالمسلم برأي الحبابي يؤمن بوجود الله، وتلك تجربة ذاتية، ومن حيث إنها شخصية. فلاشيء يثبت لنا أن تجربة المنكر لوجود الله غير حقيقية أليست هي كذلك، تجربة شخصية، يحياها الملحد ذاتيا ويصدق؟ ويلجأ الحبابي إلى التراث لتسويغ هذه النظرة. فالمرجئة عرفت الإيمان بأنه اعتقاد باطني، ولايزول إيمان المرء في نظرهم، ولو أظهر"الكفر" قولا وفعلا، مادام متيقنا أن لا إلاه إلا الله. ومعنى هذا أن الإيمان هو، قبل كل شيء، الاعتراف بوحدانية الله واستقلاله المطلق، والمؤمن الذي يعترف بهاتين الصفتين، يعترف كذلك لنفسه بأنه هو الآخر واحد ومستقل، إلا أن الكائن البشري واستقلاله ليسا مطلقين، فاله وحده لاتعتريه النسبية. لقد كان هدف الحبابي من كتابته ل:"الشخصانية الإسلامية" هو محاولة تجاوز أصول الشخصانية المسيحية كما ظهرت عند المؤسسين الأوائل في الغرب عموما وفرنسا على الخصوص، وذلك من أجل بناء تصور شخصاني يهدف إلى استدماج بعض مكونات الثقافة العربية الإسلامية، وإعادة إنتاج المفاهيم الشخصانية على ضوء معطيات التراث العربي الإسلامي.