مفهوم الشخص عند مونيي:
يعد مونييه فيلسوفا شخصانيا وممثل هذه الفلسفة في فرنسا، وقد عمل خلال حياته على نشر مبادىء هذا المذهب الفلسفي عبر دروسه وكتابات، ثم أصدر سنة 1932 مجلة"فكر" التي كانت الناطق الرسمي باسم الفلسفة الشخصانية في فرنسا.

لقد ظهرت الشخصانية في خضم الأحداث الكبرى إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي ظل الصراع بين النزعة الفردانية والنزعة الشمولية، وكانت بذلك محاولة للدفاع عن الإنسان وعن كرامته وقيمه .
يقول مونييه في كتابه"الشخصانية" عن معنى الشخص:

" إنه يكفي لكي نحدد وضعا شخصانيا، أن نفكر بأن كل شخص له معناه، حتى إنه لايمكن أن يحل محله آخر في المكان الذي يحتله في عالم الأشخاص. تلك هي العظمة الرائعة للشخص الذي تمنحه كرامة عالم من العوالم، وتمنحه تواضعه في الوقت نفسه، وذلك لأن كل شخص معادل له في هذه الكرامة، ولأن أعداد الأشخاص أكثر عددا من النجوم."
الشخص إذن هو ذات لا تتكرر ولن يحل مكانها أحد، بمعنى أنه ذات متميزة لها صفات لا توجد عند الآخرين. ويضيف مونييه صفتين للشخص هما التمرد والانشقاق، لأن هاتين الصفتين تؤكدان تميزه عن غيره ورفضه لما هم سائد ودعوته إلى إقامة مجتمع جديد، كما يتضمنان معنى التجاوز والتقدم إلى الأمام، أما الاستمرار فيعني البقاء في مرحلة العبودية ويعني كذلك تكرار السلوكات والأفعال التي تقيد حرية الشخص وتحرمه من أفعاله وقناعاته الخاصة به، لكن هذا الانشقاق يبقى مؤقتا وبعد ذلك ينخرط الفرد في الجماعة. عن هذا التوجه هو إعلان في نفس الوقت على رفض العزلة والانغلاق على الذات، بل لابد من إقامة علاقة جدلية بين الذات والموضوع، بين الداخل والخارج حيث يظل الشخص في حالة صراع دائم بين حياته الداخلية ولأشياء الموضوعية الخارجية.
إن عملية التشخصن هي عبارة عن حركة مستمرة للتحرر من كل عبودية داخلية أو خارجية، في إطار الجمع بين ماهو ذاتي وماهو موضوعي، وقد أكد مونييه على هذه العلاقة الجدلية بين الذات والموضوع أي بين الفرد والمجتمع(بين الأنا والغير). في هذا الاتجاه نجد مونييه يرفض النزعة الفردانية والذاتية المطلقة التي تؤدي في النهاية إلى العزلة والانغلاق، فالفيلسوف الشخصاني يؤكد على ضرورة تحقيق الذات لكمالها، ثم بعد ذلك تنخرط في العلاقة مع الآخرين كشخصية فاعلة وليست منفعلة. فالإنسان لا يدرك ذاته إلا في الآخرين منذ طفولته المبكرة ويتعرف عليها في الاتجاهات التي توجهه فيها أنظار الآخرين.

خطوات عملية التشخصن:

من أجل خروج الذات من عزلتها وفرديتها والاتجاه نحو الشخص يضع مونييه الخطوات التالية:
1- الخروج من الذات: إن الشخص هو وجود يستطيع الانفصال عن ذاته ويصبح تحت تصرف الآخرين، ولاستطيع أن يحرر الآخرين إلا إذا حرر نفسه قبل كل شيء.
2- البحث عن الحقيقة: لا ينبغي على الفرد أن يبحث عن الحقيقة في الذات المنغلقة على نفسها، بل في الذاوات الأخرى، لأن الحقيقة تظهر من خلال الاتصال بالغير وليس من خلال العزلة . إن الحقيقة تكتسب من الخبرة والتواصل مع الغير.
3- تحمل المسؤولية: ينبغي على الفرد أن يأخذ على عاتقه مصائر الآخرين وآلامهم وأفراحهم، وأن يتحمل مسؤولية كل ذلك.
4- العطاء: إن قوة الشخصية لا تتجلى فقط بالمطالبة والصراع حتى الموت، بل في الكرم والمجانية، إن الكرم يزيل كثافة المرء ويلغي عزلته.
5- الإخلاص: إن مغامرات الفرد تستمر من الميلاد إلى الموت، وإن الإخلاص للشخص في الحب والصداقة لايكون كاملا وتاما إلا في تتابعه وتدفقه المستمر.

خلاصة ذلك أن الانفتاح على الآخرين لا يتضمن إلغاء الذات وتميزها، بل يعني تأكيد الذات وتمركزها حول نفسها أولا، ثم خروجها إلى العالم لكي تمارس نشاطها بفعالية دون أن تفقد شخصيتها.



الفعل والحرية:

إن الشخص لا يحقق وجوده مع الآخرين إلا في إطار الفعل الحر المتجدد، وقد أكد مونييه أنه طالما وجد فعل فهذا يعني وجود حرية الفعل، أما الحتمية فتؤدي إلى إنكار الفعل الحر لأنه مجرد استجابة لقوانين محددة سلفا، فالفعل الحر هو ما يأتي بجديد ويتخطى الحتمية، ولهذا وجب التفريق بين الفعل والعمل، لأن الفعل يتسم بالحرية والإبداع بينما العمل يسير وفق خطة مرسومة ولا يأتي بجديد. لذاك يرى مونييه بأن الخروج من الذاتية المنعزلة إلى الشخصية الفاعلة هو عملية تتم عبر الحرية، مؤكدا أن الحرية الحقة هي الحرية الملتزمة لأنها تحترم الغير ومشروطة باحترام القيم.
ومن خصائص الفعل الحر مايلي:
1- أن يغير الواقع الخارجي.
2- أن يكوننا
3- أن يقربنا من بين الإنسان
4-أن يغني عالمنا بالقيم.

إن مونييه يرفض كل تفكير جامد لا يقبل التغيير، لأن من يلتزم بتوجيهات مذهب مغلق أو جماعة من الجماعات يتخلى عن شخصيته وحريته، ولذا ينصح بالاستقلال الشخصي اتجاه التنظيمات والتكتلات القائمة ويعد ذلك الاستقلال الشخصي أمرا ضروريا في البدء على الأقل. إن معنى الحرية هو معنى الواقعية وهما يتطلبان فن البحث وتجنب كل قبلية مذهبية، وأن يكون الشخص مستعدا لكل شيء بصورة وضعية، حتى لتغيير اتجاهه في سبيل بقائه أمينا على الواقع وعلى روحه الحرة.

أطروحات شخصانية:

*- تعد الشخصانية تمردا ضد النظام الرأسمالي وتدعو إلى إنقاذ الإنسان من هذا الاغتراب الذي يعانيه في عالم الآلة. وفي هذا الاتجاه يؤكد مونييه على العامل الاقتصادي في تغيير المجتمع متفقا في ذلك مع النظرية الماركسية، يقول:" إن الماركسية محقة في إثباتها الأولوية لناحية الاقتصادية، وإن الحاجيات والمنافع الاقتصادية إنما تحدد تحديدا كليا أنواع السلوك وأنواع الرأي لدى الإنسان في هذه المرحلة الابتدائية من مراحل التاريخ الذي نحن فيه"

*- تأثر مونييه بالفردانية وبالوجودية والماركسية، وحاول تجاوز هذه النظريات وذلك بتقديم شخصانية واقعية في إطار فلسفة توفيقية تحاول الجمع بين فلسفتين متعارضتين، حيث بدا بنقد النزعة الفردانية والوجودية رافضا فكرة الأنا المنعزلة، وانتقد الموقف السلبي للماركسية من الفرد ودعا إلى الشخصية المنفتحة والمتواصلة مع الآخرين.

*- لم يتجاوز مونييه الفردانية في رفضها للمساواة، بل أكد ذلك الرفض لأن المساواة تلغي التمييز الفردي، فنادى بضرورة تميز الشخص ولكن مع الخروج من عزلته مبينا بأن الذات لابد أن تدرك صفاتها وتميز نفسها عن الآخرين ثم تعود إليهم كذات فاعلة وليست ذاتا منفعلة.

عن كتاب : الفردانية في الفكر الغربي المعاصر- د حسن الكحلاني - بتصرف

الأكثر قراءة