نقدم ورقة من إنجاز الفريق التربوي لأكاديمية بني ملال سابقا، وذلك خلال أواسط التسعينات. وهو بالمناسبة بحث مرتبط بمفهوم " الموضوعة " في المقرر الفلسفي السابق ولكن لازالت راهنيته بحجة التقاطع الدلالي بين الموضوعة والمفهوم..

وفي نفس الوقت نُطلع المدرسن الجدد بالخصوص على طريقة اشتغال الفرق التربوية في إعداد الملفات، ويالتالي موضوع أشكلة الدروس كان هاجس وسيظل كل مدرسي الفلسفة.
وأرجو أن يقدم أعضاء المنتدى أبحاثا تتعلق بأشكلة الدرس الفلسفي لإغناء ممارساتنا الفصلية.
1- تقديم: إن أول سؤال يُثار في هذا الإطار وهو ما المقصود بتحليل الموضوعة، وما الموضوعة المُحلّلة؟ وأية منزلة تحتلها الأشكلة في هذا التحليل؟
إن الموضوعة المحللة هي المفهوم بعد أن يتم فحصها – الموضوعة- ونقدها وإخراجها من كثرتها الحسية والمعطاة، أو تطهيرها من التصور المظهري لها. فتحليل الموضوعة كما يرى Jean Poirier ليس فقط تفكيكها إلى مجموعة من العناصر أو المكونات بل اتخاذها كوسيلة للإيضاح والبيان بتحقيق تعريفات لها: لأنها تكون مغطاة أو مطوي عليها في صور أولية، وهذا ما يجعل من تحليلها عملا فكريا ومجردا.
إن هذا التحويل الذي تخضع له الموضوعة هو ما يبرر منزلة الاستفهام الفلسفي كطريق لإعادة البناء النقدية لها، وتلمّس مضامينها ومعانيها، وذلك بتجميع دلالاتها المختلفة وهذا ما يسمى بالبعد العلائقي الموجود بين عناصرها، والغرض من هذا التجميع أو الربط بين العناصر هو من أجل إبراز حمولتها المعرفية أو قيمتها المفهومية، وهل هي مفهوم خالص، وكما يرى"بينا رويز" بأن المفهوم هو موضوعة نظرية ذات قيمة موحدة وتفسيرية.
إن هذا التحويل دال على ثراء المفهوم الفلسفي، لأن الموضوعة تمتد عبر جسم من الموضوعات، لهذا فهي غير معزولة في علاقتها بالمفهوم، لأن وظيفة المفهوم الإجرائية تجعل منه جامعا، وهو حدّ لهذا الجسم داخل فضاء نظري خاص وغير منفصل عن مكونه الواقعي التاريخي. وهذه العلاقات المعرفية والواقعية لا يتم إظهار قوتها إلاّ بفعل الأشكلة problématisation ، والتي تُشكل المفهمة مقدمتها أو مدخلا لها ، بحيث إن التحديد المفاهيمي ومختلف التعريفات والإيضاحات هي خطوات أولية لتفكير ذي خاصية تساؤلية. فلا وجود لأشكلة من فراغ، بل داخل إطار نظري محدد بمفاهيمه ولغته. فبناء السؤال هو تحديد للمشكل، كما أن المفهوم هو تحديد للمجال النظري للخطاب. فما المكانة الفلسفية للأشكلة ، وأية آلية يتم استثمارها في البناء الإشكالي؟ وأية وضعيات معرفية مرافقة لها ديداكتيكيا؟

2- الأشكلة وحقل الاستفهام.
إن المنزلة البيداغوجية للأشكلة ملازمة لحقل الاستفهام، وهذا ما يدفع إلى البحث في الفارق بين الإشكالية والمشكل.
يرى بينا رويز بأن الإشكالية تغطي مظاهر مختلفة وهي:
1- تعني بشكل عام مجموع المشاكل الممكن طرحها والمتعلقة بهذا الميدان أو ذاك من التأمل.
2- 2- تؤدي إلى الطريقة التي يتم بها تكوين مجموعة من الأسئلة المكونة للاستفهام.
3- 3- تحدد طريقة طرح الإشكالات من خلال الشروط الإيديولوجية السائدة في مرحلة معينة من خلال مجموع التمثلات العقلية الخاصة بهذه المرحلة .
4- إن الطرح الإشكالي للموضوعة هو في تحديد مجال للتفكير وموضوع للاستفهام ، وذلك برسم حدود المساءلة وموضوع السؤال ، وهذا الفعل هو بناء للمشكل برصد حقله، لكن معالجته تتطلب أشكلة أي رؤية نقدية لما تم بناؤه وهذا ما يؤدي إلى التساؤل التالي: ما هي الأسس الفلسفية والنظرية للأشكلة؟
إن الفضاء النظري الفلسفي تتحدد أسسه ضمن مبحث الإشكال " Problématologie " . فهذا الأخير هو مُساءلة جذرية وتفكير في السؤال ذاته أو مُساءلته، ولهذا فهو تطهير للإشكال ورسم لحدوده. ويري " ميشال مايير " بأن مبحث الإشكال تبلور كنقيض لمبحث القضايا، وهذا الأخير تشكّل أساسه ضمن حدود معينة للمساءلة، فهو إنتاج للجواب بتحويله إلى قضية proposition ، أي أنه إثباتي وتبريري. في هذا الاتجاه تتحدّد وظيفة الجواب الفلسفي في مبحث القضايا، كحل قضوي إثباتي تأكيدي. بهذا المعنى نكون –في نظر ميشال مايير – أمام نموذج مُخالف للأشكلة، وفي الوقت ذاته أمام نوعين من التعقّل:
الأول ، يرتكز على النموذج القضوي للعقل " le modèle propositionnel du logos " ، والثاني شيء مخالف في جوهره للمساءلة أو أشكلة الخطاب.
إن النموذج الأول – في نظر مايير – تبلور مع أفلاطون وأرسطو، واستمر إلى المرحلة الحداثوية مع ديكارت، وقد تحكمت فيه استراتيجة فلسفية، وهي معالجة القضايا النظرية وإثباتها دون مُساءلة السؤال مما نتج عنه إثبات وتأكيد لحقيقة حاملة ليقين ، والخلفية الثاوية وراء هذا الهاجس القضوي هو التماهي بالروح العلمية مما جعل من الفلسفة العقلية مُختزلة لتساؤلاتها في اليقين العلمي والنموذج في ذلك هو القول البرهاني الذي ساد في الرياضيات، والغرض من ذلك هو تبرير حقائق الفلسفة الأولى ( القول الميتافيزيقي ) وإثباتها كيقين. فهذا التصور القضوي الاختزالي عرف اهتزازا وتصدعا مع موت الذاتية وتلاشيها، لأن تقدّم العلم في القرن 18 في نظر ميشال مايير، عمل على التنقيص من شمولية وكلية الفلسفة الأولى وأصبح من الممكن التفكير في أساس معايير التفلسف، وهذا ما دفع بالفلسفات النقدية إلى مواجهة مع أساسها، أو جعلت من ذاتها موضوعا للتفكير والنقد.
إن العودة للذات أو الأساس، هي لحظة ما بعد الكانطية، وهي الإعلان عن أشكلة للخطاب، بحيث أن القول الفلسفي أصبح أكثر إشكالية من ذي قبل، إنه إبعاد للاختزالية القضوية – الإثباتية، بتحويل السؤال ذاته إلى موضوع تفكير وتفلسف ونقد، مثال ذلك، السؤال الكانطي : لماذا نجح العلم وفشلت الميتافيزيق ؟ السؤال الهيدجري حول ماهية الميتافيزيقا: لماذا هناك وجود وليس عدم ؟ أطروحة النسيان، السؤال الفرويدي حول اللاعقل أو الباشلاري حول البداهة الديكارتية ( الابستمولوجية اللاديكارتية ).
إن القول الإشكالي في استراتيجيته النقدية يتخذ من الاستفهام منطلقه وذلك من خلال البحث عن أصول الأشكلة أو موطنها الحقيقي: فهل هو خارجها أم داخلها؟ فإذا استعدنا القلب الكانكطي- الكوبرنيكي ، فالمشاهد هو الذي يتحرك وليس الشمس. نقول إذن إن الاستفهام هو تشخيص لموطن الأشكلة في الداخل وليس في الخارج، بمعنى هي في السؤال ذاته أو ما وراءه،إنها مساءلة له وإعادة نقدية لوجوده، فبدون هذا الفحص يسقط النظر الفلسفي في بداهة السؤال- جواب. إنها علاقة التوحّد والتطابق بينهما ، وهو ما بلورته النزعة القضوية في بعدها الماهوي. يقول ميشال مايير :" فتبعا للمقاربة التي تعتمد مبحث الإشكال يكون الجواب أكثر سلبية، فليس هناك تقدما ولا تراكمات في الأجوبة كما هو الأمر في العلم لسبب بسيط وهو أن طبيعة الأجوبة مختلفة ولا يمكن اختزالها إلى القضوية."
إن النزعة القضوية- الإثباتية إلغاء وإقصاء للبحث في أصول الأشكلة، أو لما يسميه بينا رويز بميلاد المشكل.هكذا يكون الاستفهام الفلسفي في بعده النقدي يخدم استراتيجية البناء لا الإثبات، ويعمل على ممارية الاختلاف الممكن بين السؤال – جواب لا المطابقة القضوية – الأنطولوجية بينمها. فالجواب إيقاف لفعل التفلسف بينما الأشكلة تجعل من الجواب ذاته إشكاليا أي مناسبة لتجسيد حركية الاستفهام كترحال بين اللامفكر فيه والمفكر فيه بحثا عن العمق الذي لا قرار له ( ماركس – نيتشه- فرويد)فإثبات القرار هو تحويل للمبحوث عنه إلى هوية خالصة ونهائية، وإقصاء للنقيض الممكن وتحقيق للوحدة في كليانيتها، بينما الأشكلة اعتراف بحقل المفارقة إن التفلسف عبر الأشكلة ليس تساؤلا عفويا، بل بناء لفضاء من علاقات المعنى : إنه مع الرأي الاعتيادي بعد استثماره. وهذا ما يسميه مايير بالجذرية التي تلعب فيها المساءلة أداة للأشكلة، تمييزا بين الفلسفي واللافلسفي ، فالسؤال إذن هو الفضاء المناسب لبناء المشكل ( المُساءلة ) والأشكلة في أبعادها النظرية إظهار للمخفي والمحجوب، إنها كشف للمكبوت واللامفكر فيه. ويرى " بينا روييز ":" بأن الغرض من السؤال ليس تقديم إجابة بل في القدرة على إبراز ما يخفيه السؤال وذلك بأشكلته " فالأشكلة في مراميها المعرفية، هي أفق للكشف والإظهار، لأن السؤال في أحد جوانبه يكون حاجبا أو أداة للإخفاء، وهذا ما يجعل من الأشكلة إعادة نظر نقدية في السؤال ذاته بحثا عن منافذ ممكنة لغزو الموضوع، وهذه القدرة على تحويل السؤال إلى موضوع استفهام- أشكلة، يفتح أفقا آخر في التفكير وهو المقاربة الواقعية – التاريخية في المعالجة، لأن السؤال ذاته يرتبط بفضاء ثقافي محدد أو مجال تداولي متميز . بهذا المعنى تعمل الأشكلة على إظهار الحجب الداخلية والخارجية، الأولى ترتبط بطبيعة السؤال ومدى التصاقه بالموضوع، والثانية إعادة نظر في التأويلات الممكنة أو السائدة حول الموضوع.
إن الأساس الخفي والمستور في السؤال هم ما يجعل من الأشكلة بؤرة لتلمس المختلف في تعدديته. ولهذا فهي نظام محكم للأسئلة الفلسفية. يرى " بينا روييز " بأن الأسئلة :" تقوم ببناء منظم للمشكل وتفتح للفكر تعدد الإجابات الممكنة، لكن هذه التعددية ليست حسيّة المظهر كما يروّج لها السوفسطائيون ، بل تعددية المعنى والدلالة والتي يشكل المخفي أساسها."
فما المخفي حقيقة والذي تعمل الأشكلة على إظهاره؟ فالخفي من خاصيته أنه متعدد ومختلف، إنه المعاني في الغير القابلة للإثبات في دلالة أحادية، لأن الأشكلة في عمقها تتطلب تناصا أو تداخلا بين نصوص فلسفية. فلا أشكلة بدون إطلالة على نصوص متعددة أو على النص وهوامشه. وهذا ما تسعى البرامج الحالية للتدريس الفلسفي إنجازه. فهي تراهن على مكانة هذا الفعل: الأشكلة، بمنظور حداثوي يستلهم مكتسبات الفلسفة المعاصرة أو يتخذ منها أساسا للتفلسف، لأن الأمر يتعلق بتحليل الموضوعة المفهوم والنص.

الأشكلة وتحليل الموضوعة – المفهوم.

إن فعل التفلسف في البرامج الحالية للتدريس يتجه نحو مقاصد أكثر إجرائية تتمركز حول فعل المتعلم كذات جوهرها التفكير والاشتغال، وكجسد قادر على بلورة كفايات متعددة تتخذ من آليات التفتح الفلسفي طريق لإنتاج
ممارسات تعمل على تقدمه الفكري- الوجداني وهذا ما جعل من التدريس يراهن على وظيفة النص انطلاقا من أرضية فلسفية تستلهم إستراتيجية التفلسف المعاصر كموقف وكممارسة في التحليل. بهذا المعنى تأتي أهمية بناء المفهوم والأشكلة والحجاج كوضعيات ديداكتيكية في المعالجة. فالنص الفلسفي هو إطار نظري عام ملازم للتفلسف، فهو مرجعيته الفكرية كما أن العمق الفلسفي لا يتجذر إلا بممارسة الإشكال الفلسفي وبالمساءلة المتجددة أي بالقدرة على ربط التدريس الفلسفي بحاجيات المتعلم وبالراهنية ، وبالتالي جعله مواكبا لمستجدات التعليم الفلسفي عامة
فما دور الأشكلة في جعل التدريس الفلسفي أكثر راهنية وما مقومات هذه الراهنية.؟
إن نصوص التدريس بتعدديتها المعرفية وانفتاحاتها المختلفة، يلتقي فيها المعرفي والإيديولوجي والتراثي...إننا إذن أمام مرجعيات ومناهج ومقاربات متباينة، وهذا ما يجعل من الأشكلة أرضية لضمان إجرائية في التفكير والقراءة، فلا اشتغال فلسفي دون قول تساؤلي أو حقل للاستفهام، لأن خاصية التفلسف اليوم خضعت لتحولات مما جعل منه متمحورا حول قضايا جزئية من خلالها يتم الإطلالة على الكلي والشمولي. إن المعرفة المعاصرة بما أصابها من اهتزازات وتصدعات تحولت إلى مجموعة من الروابط العلائقية. هذا ما يجعل من النص حاملا في طياته لبنية معرفية خاصة تتشكّل من عناصر مرتبطة فيما بينها، يحددها الفضاء الثقافي للإشكال والأساس المعرفي للنص والذي يتميز بخاصيتين:متعدد وداخلي وبالتالي فهو مرجعية للتحليل، والتي تتجسد من خلال وسائط معرفية ديداكتيكية هي : المفهمة والأشكلة والحجاج.
إن أهمية البنية المعرفية للنص الفلسفي كأساس للاشتغال راجعة إلى كون النص لا يتعالى عن حقل الاستفهام في صيغته الإشكالية . ومما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن السؤال الفلسفي عرف نفس التحولات التي خضعت لها المعرفة الفلسفية، فهو أكثر إشكالية من ذي قبل ، إنه سؤال كاشف ونقدي ، أما صيغته التقليدية فارتبطت بأفق ماهوي ارتكز في أساسياته على الفكر المنطقي مما جعل من السؤال مُلتصقا بالمقولات، ومن هنا جاءت خاصيته الكلية والشمولية، بمثل " ما " و " أيّ " و " لم "..؟ أي كل ما يرتبط بالمقولات كمعرفة كلية بالموجود.
إن تحديث السؤال الفلسفي في الممارسة التدريسية ، هو العمل في أفق إستراتيجية الأشكلة، باعتباره الأداة الكاشفة والمستمرة للبنية المعرفية للنص.( كشف للعلاقات المتعددة بين عناصره) أو ما يسمى بالكشف عن اللامفكر فيه، هذا الأخير هو مسكن الأشكلة أو موضوع بناء إشكالي. فمع هيمنة الذاتية كان الخطاب يتخذ من الذات مرجعيته ، بينما نجد تحولات في الاستفهام الفلسفي في المعرفة المعاصرة، أي تعميق للإشكال بتحويله إلى موضوع أشكلة كما هو الأمر في " العقلنة " بالمعنى الفرويدي أو إرادة القوة مع نيتشه أو سياسة الحقيقة مع فوكو. فاستفهام هذه المعطيات على مستوى الممارسة يجعل من الأشكلة تدريسا يربط بين علائق متعددة – مرجعيات- يلتقي فيها الثقافي- الاجتماعي ، أما أفقها الديداكتيكي فهو إعادة النظر في العلاقة سؤال جواب، وهذا ما يسميه " ميشال طوزي" بإعادة البناء، كتجسيد لتعددية حقل الأجوبة( تقديم وجهات نظر متعددة باختلاف المرجعيات النصية)، أخذا بعين الاعتبار المتعلم الذي اعتاد البداهة والجواب الأحادي، والفائدة الفلسفية من إعادة البناء هاته هي القطيعة مع اللغة الاعتيادية والإجابة المتعجّلة.
إن ممارسة الأشكلة هي إمكانية اتخاذ وسيط بين الفكر والواقع، وذلك ببلورة وجهة نظر، وكما يرى باشلار، بأن "وجهة النظر هي التي تخلق الموضوع". فالموضوع المدروس هو مجال الأشكلة، إنه المفهوم المبني كموضوع للسؤال. فإذا كانت الأشكلة هي الهدف من التدريس، فإنها في الوقت ذاته خروج من الوضعية الإشكالية بتشخيص مكان الالتباس للغز، وهذا ما يستدعي فحصا للخطاب ذاته اعتمادا على أساليب الحجاج.بهذا المعنى تشكل ممارسة الأشكلة لحظة إنتاج الجواب الممكن والقابل للإثراء والتوسيع بدراسة المشكل ذاته والبحث عن تبريراته وبراهينه، وهكذا تكون الأشكلة تدريسيا إقرار بوضعية المفارقة بين وجهات النظر لا الإثبات والتأكيد، إنها تعويد المتعلم على قبول تعددية المعنى والدلالة، وفي هذا الاتجاه تأتي أهمية الديداكتيكية للحجاج كواسطة يقتنع من ممارستها المتعلم على الانزياح عن معتقداته وآرائه المسبقة.
إن تعددية المعنى والدلالة هو ما يجعل من الأشكلة مفارقة لوضعية الإحراج كما مارسه سقراط، فالأربورتيك يبقى سجين البداهة المتفق عليها ، ويتخذ من السؤال الماهوي ذاته والكلي هدفه بحثا عن الحقيقة من خلال وجهات نظر تحكمها مرجعية نصية معينة. وهذا ما يجعل السؤال أكثر محايثة للنص.
إن الأشكلة هي واسطة على تحويل مستمر للسؤال على انفتاحات علائقية مع نصوص مندرجة في وحدة معينة أو في الدرس عامة، لهذا فالممارسة الديداكتيكية للأشكلة تعمل على الربط بين قضايا وأفكار تبدو غريبة عن النص، لكتن تأسيسها الإشكالي يجعل منها ممارسة لفاعلية التفلسف- القدرة على الإنتاج. هكذا تتحول الأشكلة إلى فعل تركيبي بين أسئلة تحيل إلى أجوبة ممكنة حسب سياقات مختلفة، وهذا ما يتطلب ثقافة فلسفية لدى المتعلم. فلا أشكلة بدون ثقافة فلسفية، لأننا أمام وضعيات أو وسائط غير منفصلة فيما بينها من مفهمة وأشكلة وحجاج.
....إن الأشكلة ديداكتيكيا هي القدرة على جعل الأطروحة موضوع إشكال، أكثر راهنية، وهذا ما يضمن أيضا استمرارية المواقف الفلسفية ديداكتيكيا وحضورها في بعضها البعض بالرغم من من الفارق التاريخي بينها. ينتج عن هذا فائدة ديداكتيكية للأشكلة وهي ممارسة التناص أو التداخل بين النصوص من خلال علاقة الاتصال والانفصال.
فقلب اأفلاطونية – مثلا- مع نيتشه،هو أشكلة لمفهوم الحقيقة بالعمل على راهنيته. من هنا تأتي أهمية بناء المفهوم الفلسفي، لأن الأشكلة بناء مستمر له داخل النص، إنه مفهوم منحوت حسب وجهة نظر خاصة وحامل لدلالات مؤطرة في سياقها، وبناء المفهوم إشكاليا هو في صميمه إثبات لراهنية الخطاب، وهذا المطلب – الراهنية- هو ما بجعل الموضوعة/المفهوم وتحليلها حسب " ميشال طوزي" مؤطرين عبر ثلاثة أبعاد:
1- الواقع.
2- اللغة.
3- الفكر
إن هذه العلاقات تصبّ في انجاه واحد هو مدى صلاحية المفهوم وأهميته أو قابليته بأن يكون راهنيا . فمفهوم الحقيقة مثلا مع نيتشه هو إثبات لتحولات داخلية في نظام الاستفهام والذي جعل من هذا المفهوم الحقيقة أكثر إشكالية هو استحضار للأفلاطونية أو مساءلة لسؤالها مما نتج عنه قلب لها

الأكثر قراءة