رهان الدرس الفلسفي اليوم هو إكساب التلميذ "مهارات" التفكير والتعبير الفلسفيين، لكن السؤال هو: كيف؟
لننتبه أولا أن في رهاننا هذا عدة افتراضات أساسية:
ـ نحن نفترض أولا أن فعل التفلسف في كلياته وجزئياته لا علاقة له بالإبداع أو العبقرية؛
ـ نحن نفترض ثانيا أن فعل التفلسف فعل "عادي" ككل أفعال الإبداع والتفكير والتعبير له منطق ويخضع لمبادئ وقواعد؛
ـ نحن نفترض ثالثا أن فعل التفلسف قابل للتعلم في كلياته وتفاصيله الجزئية.
إن التحدي المطروح أمام هذا الرهان لا يخرج باعتقادي عن امتلاك قدرتين:
ـ القدرة على ضبط المهارات التي يمكن رد الممارسة الفلسفية إليها بدقة ووضوح وشمولية؛
ـ القدرة على وضع نموذج فعال يساعد التلميذ على تعلم هذه المهارات؛ أقصد منهجية تعليم المهارة.
وأعتقد أن مشكلتنا بالأساس، نحن مدرسو الفلسفة، هي مشكلة منهجية تعليم المهارة أكثر مما هي مشكلة ضبط هذه المهارات؛ فالكثير من المهارات أصبحت واضحة ويتحدث عنها الكل. فالسؤال الحيوي والمصيري إذن هو: كيف نساعد تلامذتنا على اكتساب مهارات الممارسة الفلسفية المبدعة؟
يجمع كل المهتمين والمختصين بتعليم المهارات باختلاف تخصصاتهم بأن تعلم المهارة يمر عادة عبر أربعة مراحل متدرجة هي:
- الوعي بوجود المهارة وبعدم امتلاكنا لها؛
- التعرف النظري على المهارة؛
- التدرب العملي على المهارة؛
- التحسين المستمر للأداء.
نحن ندعو للإبداع ونراهن عليه ونعتقد أنه الحل السحري لمشكلة هذه "الكتابات الجامدة، الكاريكاتورية التي لا تلامس روح النص وتمفصلاته الأساسية" لأننا لم نعلم التلميذ المهارات التي هو بحاجة إليها.
مدرسو الفلسفة أربعة:
ـ فئة أولى منشغلة بالمقرر وبهاجس إتمام المقرر ولا وقت لديها ولا رغبة ولا إدراك للضرورة الحيوية والمصيرية للمهارات؛
ـ فئة ثانية تدرك هذه الضرورة فتعمل على خلق وعي لدى التلاميذ بوجود مجموعة من المهارات وبأنهم لا يمتلكونها ثم تتركهم في حيرة من أمرهم؛
ـ فئة ثالثة، وهي قليلة، تدرك هذه الضرورة بوعي أكبر فتعمل على خلق وعي لدى التلاميذ بوجود مجموعة من المهارات وبأنهم لا يمتلكونها وتعمل على تعريفهم عليها لكن نظريا فقط. وبذلك تخلق لديهم وهما بأنهم امتلكوها عمليا بمجرد تحصيلهم الامتلاك النظري لها، وربما توهم المدرس نفسه أنه أكسب تلامذته المهارات الضرورية بمجرد تعريفهم عليها نظريا. ينسى مدرس الفلسفة بأن "مفهوم الكلب لا ينبح وبأن معرفة السكر ليست حلوة"؛
ـ فئة رابعة، وهي أقل من القليل، تدرك هذه الضرورة بعمق فتعمل على خلق وعي لدى التلاميذ بوجود مجموعة من المهارات وبأنهم لا يمتلكونها وتعمل على تعريفهم عليها نظريا وتدريبهم عليها عمليا لكن من خلال تمارين غير فعالة وغير معدة بشكل جيد وذكي أو من خلال تمارين غير كافية؛
أعتقد أن رحلة الغالبية العظمى من مدرسي الفلسفة تقف هنا في أحسن الأحوال، إن لم تقف حيث وقفت رحلة الفئة الأولى أو الثانية أو الثالثة. إن أفضل مدرس فلسفة يصل مع تلامذته المرحلة الثالثة فقط بالكاد وبثغرات على مستوى المادة التدريبية.
مشكلتنا هي أننا لا نمتلك الوعي والعدة والوقت لتعليم تلامذتنا مهارات الممارسة الفلسفية "المبدعة