أصدرت وزارة التربية الوطنية بتاريخ 27 دجنبر 2007 مذكرة تحمل رقم 159 بشأن موضوع التقويم التربوي لمادة الفلسفة. كل من لديه إلمام بسيط بمبادئ الفلسفة سيقع تحت تأثير صدمة لا حد لها عندما يكتشف هول الكارثة التي وصل إليها تعليمنا بالمغرب
في مادة يفترض في الساهرين عليها أن يكونوا قاطرة لهذا التعليم. وفي الحقيقة هم فعلا قاطرة لهذا البؤس الشديد والعبث المتزايد الذي يعرفه تعليمنا ولا شماتة. إلمام بسيط بمبادئ الفلسفة يكفي لإدراك الأمية الفلسفية المغرقة في البؤس حتى الثمالة لدى واضعي هذه المذكرة.
مما جاء في هذه المذكرة حول ضوابط ومواصفات مواضيع امتحان البكالوريا كلام عن مواضيع للامتحان بمفهوم واحد ! وخلط واضح بين "الموضوع" و"الإشكال" ! وغياب الوضوح المنهجي حول ما يقوم مقام المفهوم في حالة عدم التصريح به. وفيما يلي توضيح ذلك.
الخلط بين الموضوع والإشكال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع هو ما يشير إليه المفهوم المركزي (أو ما يقوم مقامه) في الإشكال؛ أي المفهوم الذي وقع عليه فعل البناء الإشكالي؛ أما الإشكال فهو الأثر الاستشكالي لدخول هذا المفهوم المركزي في علاقة مع مفهوم أو مفاهيم أخرى (أو ما يقوم مقامها). يتجلى هذا الخلط بوضوح في ربط الصعوبة بالموضوع، والحال أنها ترتبط بالإشكال؛ لأنه لا توجد من حيث المبدأ مواضيع فلسفية صعبة وأخرى سهلة، لكن توجد إشكالات فلسفية أعقد من غيرها. وأسباب هذا كثيرة منها عدد المفاهيم التي دخلت في علاقة مع المفهوم/الموضوع. فالإشكال المركب من مفهومين أعقد عند معالجته من إشكال مركب من ثلاثة مفاهيم أو أكثر. ومثال ذلك:
إشكال مركب من مفهومين:
ـ هل يتعارض الواجب مع الحرية؟ هنا نجد مفهوم الواجب، ومفهوم الحرية.
ـ ما وظيفة اللغة؟ هنا نجد مفهوم الوظيفة، ومفهوم اللغة.
ـ هل معرفة الغير ممكنة؟ هنا نجد مفهوم المعرفة، ومفهوم الغير. (مفهوم الإمكان هنا لا يدخل في تركيب الإشكال في صيغته الأصلية).
إشكال مركب من ثلاثة مفاهيم:
ـ هل الصداقة تمكنني من معرفة الغير؟ هنا نجد مفهوم الصداقة، ومفهوم المعرفة، ومفهوم الغير.
سخافة الإشكال المكون من مفهوم واحد:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل إشكال فلسفي هو إشكال مركب من مفهومين على الأقل (أو ما يقوم مقامهما) ، وبالتالي فكل "موضوع" فلسفي في وضعية الامتحان هو مركب بطبيعته ومن حيث المبدأ من مفهومين على الأقل (أو ما يقوم مقامهما). في الموسيقى نحتاج إلى نوطتين على الأقل لتأليف قطعة موسيقية. وفي الرياضيات نحتاج إلى رمزين على الأقل لبناء نظام للترقيم (النظام الثنائي المكون من 0 و 1 مثلا). وفي اللغة نحتاج إلى رمزين على الأقل لصياغة نسق دلالي وتواصلي. وفي الفلسفة نحتاج أيضا إلى مفهومين (أو ما يقوم مقامهما) على الأقل لتوليد إشكال أو بنائه.
غياب الوضوح المنهجي حول ما يقوم مقام المفهوم في حالة عدم التصريح به:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذكرة تحدثت عن حضور المفاهيم المستهدفة بشكل صريح أو ضمني، ولا تتحدث عن الذي يقوم مقام المفهوم في حالة عدم التصريح به، فكيف سيكون التلميذ على دراية به؟ ومن أين له به لكي يتمرن طيلة السنة على التعامل معه بوعي؟ وأين هو التعاقد الواضح مع التلميذ الذي يعطينا الحق في أن نطالبه بأشياء معينة في الامتحان؟ ألا يبدو واضحا أن درس الفلسفة يفتقد التحديد الدقيق؟ هل غياب هذا التحديد المنهجي الدقيق راجع لعدم وضوح المسألة لدى واضعي المذكرة؟ سأرجع لهذه النقطة مستقبلا إن شاء الله لفتح نقاش منهجي حولها مع الزملاء نظرا لأهميتها فهي من بين المحددات الأساسية لإعداد التلميذ بشكل جيد للموحد الوطني.