هذه أطوار التكوين المستمر الذي انعقد بالمضيق في شهر نونبر 2010، التي تخللتها تدخلات ونقاشات اعرضها بالتفصيل كالتالي:
الإشكال الفلسفي
تتشكل المقاربة الفلسفية من ثلاثة عناصر أساسية:
البناء الإشكالي، والبناء المفاهيمي، والحجاج الفلسفي.
لكن لماذا من اللازم تبني هذه المقاربة؟
بحكم طبيعة العمل فإن برنامج الفلسفة بالمغرب برنامج مفاهيمي مرتبط بالإنتاج الفلسفي، فالمفاهيم هي مجالات لإعمال الفكر ولطرح إشكالات ولبناء حجاج. فالمفاهيم إذن تكون موضوعا للأشكلة وموضوعا للمحاجة التي ينبغي أن يقوم بها التلميذ، الأمر الذي يستدعي معه ضرورة الوقوف عند هذه العناصر الثلاثة وتقديمها.
ما هي الأشكلة؟ وكيف نؤشكل وأين نعثر عليها في الكتاب المدرسي؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، يتطلب الأمر الاعتماد على التجارب الفصلية الفردية من أجل تلاقحها والنقاش حولها، لكن المشكلة الأوضح، أن هذه العملية لا تتم إلا نادرا بين مدرسي الفلسفة، الأمر الذي يعيق استكشاف طبيعة بناء درس الفلسفة مع التلاميذ.
في البداية لابد من ضبط الأشكلة ومعرفة كيفية أجرأتها.
الإشكال:
هناك تداخل بين الإشكال والسؤال، وعموما يمكن رفع اللبس عن هذه التداخلات بتحديد تعريف الإشكال، الذي يتكون من الجذر (ش، ك، ل) ويعني الالتباس، والاختلاط والتشابك، كما يأخذ معاني النضج والتمام (أو الوصول) إنه التباس بين قضيتين يحتاج الإيضاح ورفع اللبس عنه كونه يقوم على المفارقة والتقابل، أو هو "مسألة تتضمن تناقضا وتستدعي البرهنة على طرفيها" كما أشار إلى ذلك ميشيل غورينا M Gourinat .لهذا يأتي الإشكال كسؤال يربط بالضرورة بين قضيتين على الأقل متعارضين بدرجة من درجات التعارض تستدعي كل منهما النقاش والتفكير، وعلى ضوئها يتم تأسيس الحل، غير أن هذا الحل لا يكون نهائيا. فالسؤال هنا أداة لصياغة الإشكال ووسيلة إظهاره، غير أن السؤال يفضي إلى جواب نهائي حاسم، بينما الإشكال يؤسس لأجوبة متعددة مبنية على الاختلاف والتباين وأحيانا التمايز، وهو لا يعني بأي حال الإشكالية، فالإشكالية problématique أوسع وأعم من الإشكال. فهذا الأخير جزء من الإشكالية التي تعني المعضلة الأساسية التي تحتاج إلى أكثر من حل، لذلك يبقى مجال حلها مفتوحا على العديد من الأطروحات والمواقف. والإشكال يختلف أيضا عن المشكلة، لأن الإشكال الفلسفي يطرح على صعيد الفكر، وحله ليس بنهائي، بينما المشكلة هي التي تجعل من الفرد يندفع لتحقيق هدف واضح تماما بالنسبة له، وبينه وبين الهدف عائق يتطلب إيجاد حلول للتغلب عليه بهدف الوصول إلى الهدف. لذلك فالحل ينهي المشكلة ويستبعدها نهائيا.
كما أن الإشكال يختلف عن الموضوع، فالموضوع هو ما يعطى في البداية حتى يكون مجالا للتفكير، قد يكون مفهوما وقد يكون نصا وقد يكون قولا أو سؤالا، بينما الإشكال لا يعطى، بل يشيد ويبنى في خضم الاشتغال على الموضوع الذي يتم صياغته ليصبح إشكالا في إطار التباين والتقابل. والإشكال يختلف أيضا عن الأطروحة التي تعني الموقف من الإشكال المطروح والمعالج، أو هي جواب عن السؤال الإشكالي يتم تأسيسه وفقا لبنية حجاجية داعمة للموقف، لكنه لا يكون حلا نهائيا للإشكال بل إجابة من بين الإجابات الممكنة.
طبيعة الإشكالات الفلسفية:
يتحدد موقف الوضعيين المناطقة من أمثال كرناب وفدجنشتاين مثلا... إلى انه لا توجد إشكالات فلسفية، كون أن الإشكالات الفلسفية زائفة إن وجدت، بينما ينبغي تلمس الإشكالات الحقيقية في العلوم التي تقوم على قضايا تحليلية أو تركيبية ذات معنى. ويذهب البعض على أن الإشكالات الفلسفية لا تكون خالصة من ذاتية الفيسلوف ولا منفصلة عنه وهو ما يجعلها غير قابلة للموضعة، على عكس إشكالات العلوم التي تغيب فيها الذات وتؤسس مسافة فاصلة بينها وبين الدراسة العلمية.
غير أن هناك توجه آخر لنيتشه الذي يؤكد أن الإشكالات تجوب الشوارع، والفلاسفة وحدهم قادرون على القبض عليها، كالإشكالات الأخلاقية المتعلقة بالواجب والحرية والعدالة ... فيما يؤكد برجسون أن الإشكالات الفلسفية لابد وأن يكون طرحها صحيحا، فالطرح الصحيح للإشكال هو نصف الحل.
تدريسية الإشكالات الفلسفية:
مشيل توزي مفهمة الموضوعات وأشكلة الإثباتات وصياغة أسئلة دقيقة من خلال جعل الاثبات والبداهة والتمثل... أشياء قابلة للشك والطعن عبر وضعها موضع تساؤل، ثم بعد ذلك مساءلة السؤال والكشف عن المشكلات الفلسفية الثاوية خلفه، وحين يتم صوغ الإشكال فينبغي ألا يكون حاملا لحلول نهائية بل يبحث عن أجوبة ممكنة.
قد تكون هناك قراءات أخرى مؤسسة للصوغ الإشكالي يمارسها أساتذة الفلسفة مع تلامذتهم كالانطلاق من الحقل الدلالي الحسي (التمثلات) واللغوي انتهاء إلى الفلسفي، باعتبارها المؤسس الفعلي لطرح الإشكال، حيث يشكل الوقوف عند البعد المعقد والمفارق للمفهوم الفلسفي الذي يحتوي على تناقض كطرحنا للإشكال التالي: هل الفن عبقرية أم اكتساب؟
إذ لا يمكن صوغ الإشكال إلا من خلال الوقوف عند الدلالات الثلاثة.
وقد ينظر آخر إلى أن الحديث عن الأشكلة يقتضي في البدء الانطلاق من المفهمة، خصوصا وأن المفهمة والأشكلة والمحاجة عناصر ثلاثة متداخلة ومترابطة ببعضها البعض، مما لا يسمح للأشكلة أن تكون بدون مفهمة، والفصل بينها لا يكون إلا تعسفيا ليس إلا، لهذا فمن الضروري البدء من المفهمة ثم الأشكلة ثم الحجاج.
قد تكون هناك قراءات أخرى مؤسسة للصوغ الإشكالي يمارسها أساتذة الفلسفة مع تلامذتهم كالانطلاق من الحقل الدلالي الحسي (التمثلات) واللغوي انتهاء إلى الفلسفي، باعتبارها المؤسس الفعلي لطرح الإشكال، حيث يشكل الوقوف عند البعد المعقد والمفارق للمفهوم الفلسفي الذي يحتوي على تناقض كطرحنا للإشكال التالي: هل الفن عبقرية أم اكتساب؟
إذ لا يمكن صوغ الإشكال إلا من خلال الوقوف عند الدلالات الثلاثة.
وقد ينظر آخر إلى أن الحديث عن الأشكلة يقتضي في البدء الانطلاق من المفهمة، خصوصا وأن المفهمة والأشكلة والمحاجة عناصر ثلاثة متداخلة ومترابطة ببعضها البعض، مما لا يسمح للأشكلة أن تكون بدون مفهمة، والفصل بينها لا يكون إلا تعسفيا ليس إلا، لهذا فمن الضروري البدء من المفهمة ثم الأشكلة ثم الحجاج.
لكن كيف يتم استخراج الإشكال من النص؟
يقتضي استخراج الإشكال من النص الفلسفي البحث عن جملة خبرية تقريرية، هي التي نعول عليها لبناء الإشكالية، فالإشكال يصاغ من الموضوع، أي صوغ الموضوع الخاص في النص في تساؤل فيه مفارقة (أي تحويل الموضوع إلى صوغ استفهامي) بحيث تكون الأطروحة إيجادا لجواب عن الإشكال.
كما يمكن الاشتغال على الدلالات باعتبارها اتصالية أحيانا وأحيانا أخرى انفصالية. وهو ما يمكن أن نعثر عليه في الدلالة الفلسفية من خلال اقتراح تعريف سارتر للغير"الغير هو الأنا الذي ليس بأنا"
فالبعد الاتصالي في هذا التعريف هو ما تتوحد فيه الذوات (الحركة والفكر والمسؤولية...)، أما البعد الانفصالي، فإن مفهوم الغير يحيل إلى شخص يشبهني ويختلف عني في نفس الآن، لذلك يمكن صوغ الإشكال التالي: هل طبيعة العلاقة بين الأنا والغير اتصالية أم انفصالية؟
للقطع مع المنهج التعليمي السابق للفلسفة الذي اشتغل على الدلالات، يمكن فقط الاقتصار على لحظة من اللحظات وليس بالضرورة الاشتغال عليها جميعها، وإلا كان الدرس امتدادا لما سبق. لهذا لا ينبغي خلق الاستمرارية مع البرنامج السابق، وليس كل درس ينبغي الانطلاق فيه من الدلالات، بل يمكن أن نستعين بالوضعيات المشكلة كشكل جديد ينسجم مع روح العمل بالكفايات.
إن الدرس الفلسفي لا يفرض بالضرورة طريقة خاصة للانطلاق قصد استقدام الإشكالات واستخراجها، فهناك إمكانات ينبغي للمدرس أن يختار ما هو ملائم لتلامذته على أساس أن يتيح له ذلك خلق إمكانات المفارقة والتقابل.
قد يقول قائل، أن المرور من الدلالات يقدم إضافة لبعضها البعض باعتبارها نواة لمجموعة من التصورات التي يمكن أن تتحول إلى أفكار، فالدلالات تعمل على بناء الفكرة، ويمكن أن تحدث امتدادات يمكن أن نحولها إلى إشكالات تكون أقرب إلى المعرفة بدل المعرفة العامية الجاهزة.
فاللغة هي التي تمنحنا الدلالات الدقيقة التي يمكن أن تحدث التقابلات التي يمكنها أن تؤسس للإشكالات، والانطلاق بهذا المعنى من الدلالات إلى الإشكالات هو مجرد اختيار، لهذا فاختلاف الدلالات أمر إيجابي يساهم في تأسيس الاختلاف المفضي إلى التأشكل، أما إن كانت الدلالات متماثلة فلا يمكنها أن تؤسس للإشكال. لهذا ينبغي أن ننطلق من الإثباتات إلى التقابلات، فنحن نؤشكل إثباتا، وهذا الإثبات قد يكون مفهوما ينبغي أن نخلق فيه المفارقة، ويمكن أن نؤشكل سؤالا أو أطروحة، هذه الأشياء عندما تطرح تصبح إثباتا ينبغي تحويله إلى إشكال.
كيف يتم أجرأة الأشكلة؟
إن أجرأة الأشكلة تتطلب فهم الموضوع، مفهوما كان أو سؤالا أو نصا...وضبط ما هو جوهري فيه (أي التركيز على ما هو جوهري في الموضوع وليس التركيز على ما هو ثانوي)، وتحويله إلى صيغة استفهامية ترتكز على سؤال أساس يقيم مفارقة أو إحراجا أو تقابلا بين طرفين (جوابين ممكنين حول السؤال الإشكالي)، وبعد ذلك تأسيس حل للإشكال (الحل هنا يسمى أطروحة أو موقف الفيلسوف)، كما تتداخل في عملية الأشكلة أو الصوغ الإشكالي جملة من المهارات يأتي على رأسها التساؤل، فلا إشكال بدون مساءلة (أي التشكيك في البداهات وخلخلة للتمثلات) والاكتشاف أو الخلق (بما أن الإشكال لا يعطى وإنما يكون ثاويا خلف الموضوع، ومن تم وجب إظهاره) ثم إبراز المفارقة (بين المفاهيم أو المواقف).
ما هي تقنيات الأشكلة؟
تتجلى تقنيات الأشكلة في خلق المفارقة انطلاقا من التقابل بين الرأي العام والموقف الفلسفي، أو الانطلاق من التقابل بين الدلالات (دلالات الموضوع)، أو الانطلاق من التقابلات بين مواقف فلسفية، أو الانطلاق من استعمالات الموضوع في مختلف الحقول المعرفية.
وتقتضي معالجة الإشكال تفكيكه إلى عناصره المكونة له، وتحليل المفاهيم المتضمنة في السؤال الإشكالي وتحديد العلاقات التي تربط بينها، مع شرح الأطروحتين المتقابلتين من خلال الإشكال وذلك بإبراز مضمونهما وحجاجهما، والنظر إليهما كحلين ممكنين للإشكال (عند تقديم الدرس) والحسم بينهما (عند الكتابة الإنشائية)
الإشكال الزائف.
إن أكبر خطر يتهددنا ونحن نسعى إلى طرح الإشكال وأجرأته هو الوقوع في الإشكال الخاطئ أو الزائف.
فالإشكال الزائف هو صياغة لها مظهر الصياغة الإشكالية لكنها في الجوهر لا تكون سليمة لأسباب عدة نذكر من بينها على الأقل، أنها لا تنطلق مما هو جوهري في الموضوع، بل تنطلق مما هو ثانوي هامشي أو حتى مما لا يمت للموضوع بصلة، كما أن الصياغة الإشكالية تجمع بين عناصر من طبيعة مختلفة لا تنتمي إلى نفس السياق الإشكالي.