تشكل الألفـية الثالثة ، بداية لمنافسة كونية حادة ، تأسست في المقام الأول على الطاقة الإنسانية ، باعتبارها المصدر الرئيسي لربح رهانات هذه المنافسة . ومن أجل ذلك ، أصبح الإهتمام اليوم منصبا أساسا على المنظومة التعليمية وإعداد الموارد البشرية ، وذلك من خلال تبني نمط جديد من التربية والبيداغـوجيا عـموما
. والمقاربة بالكفايات ، كتصور حديث داخل الحقل التربوي والبيداغـوجي المغربي ، سواء على مستوى بمختلف المؤسسات التعليمية ، أو بمجال التكوين وإعادة التكوين فهو يتأسس على منظور ، يعتبر فيه تكيف الفرد مع محيطه الطبيعي والإجتماعي ، والثقافي والإقتصادي والسياسي ، المحلي والكوني ...، من الغايات الرئيسية .
وإذا كانت المنظومة التربوية التكوينية التعليمية المغربية ، قد عرفت في بداية الإستقلال ، محطة رئيسية ، تمثلت في التوجهات أو المبادئ الأربعة (تعميم التعليم ، تعريب التعليم ، توحيد التعليم ، مغربة الأطر ) ؛ فإنه بغض النظر عن بعض أشكال الإصلاح ، التي تجسدت بالأساس ، في إعادة هيكلة وتوزيع مراحل الدراسة منذ سنة 1985 (1)؛ فإن المحطة الحالية ، والتي تجسدت ضمن مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، تشكل في واقع الأمر ، ثاني محطة أساسية وجوهرية بالنسبة للإصلاح الشامل للمنظومة التربوية التكوينية للمجتمع المغربي ،. على اعتبار أن محطة بداية الاستقلال ، قد شكلت مرحلة لبناء الذات الاجتماعية ؛ في حين تشكل المحطة الحالية /الحاضرة ، محطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، محطة تؤسس لتأهـيل المجتمع المغربي ، لكي يصبح قادرا ، على المواجهة والمنافسة, وفرض ذاته بين سائر المجتمعات المتخلف والمتقدم منها .
إذا تأملنا مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، فإننا قد نستنتج ، أنه مشروع يسعى إلى تحقيق غايتين أساسيتين هما : - غاية ذات بعد تربوي تكويني : يتوخى منها تأهيل أفراد المجتمع المغربي ، بمختلف فئاتهم ، للتمكن من الكفايات الضرورية ، للقدرة على التكيف مع محيطهم المحلي والعالمي . – غاية ذات بعد اجتماعي : ويسعى فيه مشروع الميثاق للتربية والتكوين ، إلى بناء مشروع مجتمعي حداثي ، وتكوين وعي لدى الأجيال المتعاقبة ، بأسلوب متدرج يتمثل فيه الأفراد وعيا حقيقيا ، فعليا وواقعيا للمبادئ الصحيحة للحداثة (2).
هكذا نفهم لماذا تم التخلي عن البيداغـوجيا التقليدية ، ثم تبنى مقاربة جديدة هي المقاربة بالكفايات . إنها مقاربة تقف أمام أساليب الترويض والتنميط ، والتلقين ، لتنفتح على روح العصر ، الذي يقوم على مبادئ العقل والتحديث ، والذي يسلك سلم التدرج بنحو الكفاءة وامتلاك المهارة والقدرات المعرفية والوجدانية والحسية – الحركية ، وكذا تلك التي تلتقي مع تكييف المتعلمين وقدراتهم مع محيطهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. ومن أهم المبررات البيداغـوجية التي تقـف وراء بثني المقاربة بالكفايات ، كونها تساهم بشكل فعال في غزارة المعلومات وتكاثرها السريع مما يجعل الطرق البيداغوجية المبنية على نقل المعارف عقيمة وجامدة ومتجاوزة . هذا يعني ضرورة الاستجابة للتزايد الكمي للمعلومات ، ولجاهزيتها من خلال الوسائط المتعددة . ثم أيضا ، أن هذه المقاربة الجديدة في الحقل التربوي تدعو إلى ضرورة إعطاء معنى لتعلمات من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية : لماذا أتعلم ؟ ماذا أتعلم ؟ كيف أتعلم ؟ لماذا المدرسة؟ فهذه التساؤلات تخلق لدى المتعلم وعيا بفعل التعلم، وتمكنه من الأدوات الفكرية والاجتماعية – الوجدانية التي تسمح له ببناء تصور ورؤية ومعنى حول ما يطلب منه. أخيرا ، تسهم المقاربة بالكفايات في محاربة الفشل الدراسي الذي يقلل من فعالية و مردودية المؤسسة التربوية المغربية .وتتم هذه العملية عبر تأمل نظام التقويم المعتمد الذي لا يميز بين المعارف الأساسية والمعارف الثانوية التكميلية في عملية انتقال التلاميذ إلى مستوى الأعلى ، مع التركيز على الكفايات الأساسية .
يدخل التقويم ضمن أهم العناصر الأساسية التي تقوم عليها المقاربة بالكفايات فهو عملية مندمجة في المنهاج الدراسي أو المجزوءة التعليمية ، كما هو الشأن بالنسبة للطريقة التعليمية ، ولا يمكن الاستغناء عنه خلال ممارسة الفعل التربوي . إنه عنصر يتفاعل مع مختلف عناصر بنية الإستراتيجية التعليمية التعلمية ، وهو بذلك لا يكون منفصلا عنها ، بل يساهم بشكل فعال في انسجام وحدة البنية قصد تحقق الكفايات المستهدفة . ومادام البحث الذي بين أيدينا ينصب بالدرجة الأولى على عنصر التقويم ، ومعالجة موقعة ومكانته البيداغوجية ضمن المقاربة بالكفايات ، لما يمثله من لبنة أساسية في الممارسة التعليمية – التعليمة . وما ينسجه من روابط تربوية واجتماعية بين المدرس والتلاميذ وبين الإدارة التربوية وأولياء وآباء التلاميذ، وكذلك لأهميته في وضع القيمة الحقيقية للمنظومة التربوية والمناهج والسياسة التعليمية عموما.
فـقد ارتأينا أولا أن نتقدم بتوضيح مفاهيمي واصطلاحي لمفهوم التقويم ، مع الإشارة إلى الفرق الحاصل بينه وبين مفهوم التقـييم ، ثم لمفهوم > . قبل أن ننتقـل إلى طرح مجموعة من الأسئلة تنصب على إشكالية البحث والغاية العملية.
إن هناك خلط في استخدام كلمتي التقويم والتقييم، حيث يعتقد الكثيرون بأن كليهما يعطي المعنى ذاته. مع العلم أنهما يفيدان في بيان قيمة الشيء، إلا أن كلمة التقويم صحيحة لغويا، وهي الأكثر انتشارا في الاستعمال بين الناس، كما أنها تعني بالإضافة إلى بيان قيمة الشيء ، تعديل أو تصحيح ما اعوج منه . أما كلمة التقييم فتدل على إعطاء قيمة للشيء فقط . ومن هنا ، نجد كلمة التقويم أعم وأشمل من كلمة التقييم ، حيث لا يقف التقويم عند حد بيان قيمة شيء ما ، بلا لابد كذلك من محاولة إصلاحه وتعديله بعد الحكم عليه ويزعم بعض النحاة أن كلمة التقييم خطأ ، ويوجبون استعمال " تقويم " بدلا منها والكلمتان في حقيقة الأمر مختلتان تماما ، فالتقييم منشق من القيمة والتقويم من القوام ، ومعنى الأول التقدير والتثمين ، ومعنى الثاني التعديل .
أمام هذا السجال المصطلحي لكلمتين : التقويم والتقييم ، يقدم لنا عبد الكريم غريب تحديدا لمفهوم التقييم ، وهو كما يلي :
<< إنه مجموعة من الإجراءات والعمليات المستعملة لأدوات من طرف شيء تكلف بتعليم
فئات معينة أو بشخص آخر أو المتعلم ذاته ، والتي تكون مبنية بكيفية تمكن المستهدف من أداء مهام ، أو الجواب عن أسئلة أو تنفيذ انجازات يمكن فحصها من قياس درجة تنفيذها وإصدار الحكم عليها وعلى منفذها واتخاذ قرار يخص عملية تعليمية ذاتها >> (4) .
إلى جانبه ، يقدم لنا محمد الدريج هو بدوره تحديدا لمفهوم التقويم ، وهو كما يلي << التقويم التربوي هو الجمع المنظم للمعلومات قصد معرفة مدى حدوث لدى التلاميذ ، بعض التغييرات المقصودة والمتضمنة في الأهداف ، ومراقبة مستواها لدى كل تلميذ وإصدار الحكم الملائم واتخاذ القرارات المناسبة >> (5) .
وعلى العموم ، فإن معظم التعريفات المقدمة لمفهوم التقويم ، تتفق على مجموعة من الإجراءات هي : - تحديد موضوع التقويم وأهدافه .
• البحث عن أداة التقويم والملائمة .
• اجراء التقويم واستعمال الأداة ،أسئلة ، تمرين ،....
• تصحيح انجازات التلاميذ .
• معالجة المعلومات المحصل عليها واتخاذ القرارات التصحيحية .
ننتقل الآن إلى تحديد وضبط معنى " مادة الفلسفة " قديما وحديثا. إنها تعني حسب التوجهات الرسمية والمعلنة من قبل مديرية التعليم الثانوي قسم البرامج، سنة 1991 ، في كتاب : << البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة الفكر الإسلامي والفلسفة بالتعليم الثانوي >>. ما يلي : << تلك المادة النظرية التي يستعملها المدرس لتحليل الإشكالات وفحصها واستخلاص الأسئلة بشأنها، ...، فليس موضوع الدرس هو ذلك المضمون معروضا من طرف المدرس ، بل الإشكال الذي يتم بناؤه ومعالجته انطلاقا من ذلك المضمون, فعند انتقاء المضمون النظري المستعمل في الدرس ينبغي الحرص على اعتباره وسيلة لتحليل مناقشة الإشكال المطروح ومعالجته وفحصه في أبعاده ومستوياته المختلفة >>. (6)
إن الدرس الفلسفي داخل مادة الفلسفة هو عبارة عن مفاهيم وآراء فلسفية تسمح للتلميذ من استغلال إمكاناته الفكرية ليقف عند حدود موقفه الخاص ، وليبحث عن الأسس والمبادئ التي يقوم عليها التفكير السليم . وتعتمد مادة الفلسفة حسب التوجيهات الرسمية الأخيرة المعلنة بالبرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة الفلسفة بالجذوع المشتركة للتعليم الثانوي التأهيلي ، على مجموعة من المبادئ أهمها : - مبدأ التدرج : أي الانتقال من البسيط إلى المركب ، ومن المشخص إلى المعقد ، انتقالا مرنا . - مبدأ تنمية قدرات التلميذ الذاتية على مستوى طرح القضايا وتناولها والبحث عن الحلول. – مبدأ فعالية التلميذ، وتتمثل في انخراطه في سيرورات البحث والاكتشاف . (7)
كذلك تنطلق مادة الفلسفة من قيم أساسية تهم التلميذ على مستوى وجوده الذاتي والاجتماعي منها: - حرية التفكير – احترام أفكار الآخرين المبنية على العقلانية والأخلاق،- ضرورة الحوار .
كثيرا ما يشكو التلاميذ من جهة، وآباءهم وأولياءهم من جهة ثانية من نظام التنقيط وتحويل الدرجات ، إما لكونه لا يقر شروط الموضوعية التامة ، أو لأنه معقد لا يفهمه إلا العارفون .إضافة إلى ذلك، يتفق كافة الباحثين المختصين ، على أن مدلول النقط ليس لحد الآن واضحا بالنسبة لجميع فرقاء عملية التربية والتعليم ، خاصة إذا ما استحضرنا ، أن أي نقطة محصل عليها تكون مركبة من شقين : شق يعرف بالنتيجة الحقيقية (le score vrai ) ، وشق يدعى خطأ القياس (( Erreur de mesure ، وبالتالي ، فإن التأويل الصحيح لنتائج تقويم المتعلمين ، يشترط إدراك هذه الثنائية ، ومعرفة كيفية التصرف معها وهو ما يتم إغفاله من قبل المدرسين والإدارة التربوية أثناء اتخاذ أي قرار تربوي . من هنا تنبع تساؤلات وجيهة ، يعمل هذا البحث على محاولة الإجابة عنها ، وهي كما يلي :
- كيف تتدخل ذاتية الأستاذ المقوم أثناء تصحيح وإبداء قيمة عددية لأحد انجازات التلاميذ في مادة الفلسفة خاصة ؟ .
- هل إشكالية التنقيط وتأويل النقط تعود إلى طبيعة المادة: مادة الفلسفة ، أم إلى استعدادات التلميذ ، أم أنها نتيجة ميولات المقوم الفكرية ؟
- كيف يمكن مواجهة هذه الإشكالية، انطلاقا من تبني المقاربة بالكفايات ؟
- ثم إلى أي حد يتناول التقويم من منظور المقاربة بالكفايات إشكال المزاوجة والتوفيق بين التقويم التقليدي ( الامتحان الوطني او الجهوي )، والتقويم المعتمد على معايير ومؤشرات تتخذ أساسا لتقدير مدى تحقق الكفايات ؟ .
كل هذه التساؤلات، سوف تشكل الهيكل الاستدلالي لهذا البحث، على أساس وضع الأصبع على دور الأستاذ في التقويم التربوي، وفي ظل المقاربة بالكفايات.
يعتبر التقويم عملية مركبة وغير واضحة النتائج دائما، وتتدخل فيها العديد من المتغيرات وفي مقدمتها المواقف الشخصية للمقوم وتصوراته الخاصة حول ما ينتظره المجتمع من التعليم وحول أهدافه التربوية بشكل عام . هذا يعني أن التقويم ليس عملية سهلة تكتفي بوضع عدد من الأسئلة نستطيع التحقق من حصول التعلم باستعمال مقياس لرصد مواطن القوة أو الضعف في سلوك التلميذ وأدائه لرصد ما اكتسبه من مهارات ومعارف.
ويعتبر التقويم كذلك عملية مندمجة في المنهاج الدراسي أو المجزوءه التعليمية، وأحد عناصرها الأساسية، كما هو الشأن بالنسبة للطريقة التعليمية، إذ انه يتفاعل مع مختلف عناصر العملية التعليمة – التعلمية، بل ويساهم بشكل فعال في انسجام وحدة البنية قصد تحقيق الأهداف والكفايات المرجوة.
ومن باب إغناء هذا الجانب المهم من المقاربة بالكفايات، فإننا نسعى إلى عرض بعض أهم العناصر التي تشكل مكون التقويم في شموليته، مع التركيز على مدى تناول المقاربة بالكفايات له. على اعتبار أن هذه النظرة سوف تساعـدنا ما أمكن، على تكوين مقاربة جزئية تنضم إلى مختلف الأدبيات التربوية التي تناولت موضوع التقويم، وخاصة التقويم في الكفايات .
I – تطور التقويم داخل الفكر التربوي والبيداغـوجي :
1- البيداغـوجيا التقليدية:
لقد اتبثت الدراسات الحديثة في مجال البيداغوجيا ، عدم صلاحية الكثير من الأساليب المعتمدة لحد الآن في التقويم وتدني مستواها من حيث الهدف والثبات ، ومن حيث قدرتها على تغطية مختلف الجوانب المستهدفة . فالاختبارات مازالت تركز على قياس حفظ المعلومات وذلك على حساب قياس مدى الكفاءة في المستويات العليا للنشاط العقلي ( التحليل ، الاستدلال ، الابتكار ...) ، وكذا على حساب قياس الجوانب المهارية والوجدانية والاجتماعية في شخصية الفرد ، وبما أن النموذج التقليدي في التعليم ينظر إلى المدرس كمنبع للمعرفة فإن دور التقويم في هذا النمودج كان ينحصر في قدرة المتعلم على استيعاب المعارف التي يلقنها المدرس .
ويعتبر الامتحان كأحد الأساليب القديمة في تقويم من بين مميزات البيداغـوجيا التقليدية، بحيث تغطية الأهمية الكبرى. وينظر إليه الجميع كفاية في حد ذاته وليس كوسيلة للكشف والتشخيص والتطوير. وكلنا نعلم ما يترتب عن هذا من ظواهر سلبية، في مقدمتها الخوف بل الهلع من الإمتحان وغيرها من الظواهر اللاتربوية المفسدة ، من مثل لجوء التلاميذ إلى الغش في الامتحان والخداع في إنجاز الواجبات أو إلى العدوانية تجاه المدرسة والمدرسين .
ومن مظاهر التقويم وفق البيداغـوجيا القديمة، ضعف أسلوب التنقيط المستعمل والذي عادة ما يقدم قيمة نهائية وتجميعية يصعب معرفة وتحديد ما تعنيه وما تعتبر عنه بالضبط. فتظل النقطة النهائية قليلة الفائدة في الكشف عن قدرات التلميذ الحقيقية وفي تشخيص تقدمه واستعداداته للتحسن.
وما دام التقويم يرتبط في ذهن المتعلمين بالجزاء النهائي ( النقطة، المعدل النهائي، النجاح، الانتقال....) فإنهم لا يعيرون المواد الضعيفة، أي ذات المعاملات الضعيفة، أية اهتمام وكذلك هو الأمر بالنسبة للمواد التي لا تكون موضع امتحان.
كما يعيرون المراقبة المستمرة ( التقويم المستمر ) أهمية تذكر، خاصة إذا علموا أن المدرسين لا يحتسبونها ضمن معدلات الاختبارات النهائية.
إن من أهم الأخطاء السالفة في مجال التقويم هو الاعتماد على مقارنة التلاميذ بزملائهم، بدلا من مقارنتهم بما كانوا عليه وما أصبح بإمكانهم القيام به بعد التعليم .
فيضيع الضعاف منهم بل ربما يضيع المتوسطون أيضا، في حين أن المقارنة السليمة ينبغي أن تستند على الأهداف المنشودة وعلى معايير المحددة سلفا والتي تتغير انطلاقا منها الوضعية التي يكون عليها التلاميذ في البداية وقبل شروعه في تعلم المادة الدراسية ثم ما صار عليه بعد الانتهاء من حصة أو مجموعة من الحصص.
أي ينبغي أن تسود في نظامنا التعليمي وكلما تعلق الأمر بتقويم الكفايات الاختبارات مرجعية المحك (le critère référentiel) بدل الاختبارات مرجعيـــــة الجماعــــــــــة (la norme référentiel ) التي سبقت الإشارة إليه ، فالاختبارات مرجعية المحك تتميز بأن لها قيمة تشخيصية لتحديد جوانب القوة والضعف في تحصيل التلميذ وتستخدم أساسا لتقويم كفايات الأفراد وما يمتلكونه من معارف ومهارات وظيفية مكتسبة من برامج تعليمية أو تدريسية محددة الأهداف والنواتج (8).
ومما يلاحظ على التربية التقليدية، انعدام الانسجام بين مكونات العملية التعليمية ، مما يحدث اضطرابا في سير الدروس واضطرابا في توظيف التقويم في التشخيص وفي التكوين ذاته . والأمثلة كثيرة بهذا الصدد ، منها : طول البرامج ( المحتويات ) وعدم مناسبتها لما يخصص لانجازها من وقت ومن وسائل . مما يترتب عنه الإسراع لإتمام المقرر والميل إلى إملاء الدروس دون شرح ول
لا فهم ولا أشغال تطبيقية ولا عروض ....الخ .
2- التقويم التربوي وعلاقته بالأهداف.
إنه من الواضح جليا أن مختلف النماذج السائدة في علم التدريس ، تعطي المكانة البارزة المخصصة لعملية التقويم ، وذلك بربطها بالأهداف من جهة وبوضعية العمل التعليمي من جهة ثانية .
وليس التقويم عملية منعزلة ، ولكنه سيرورة معقدة تهدف في أساسها إلى تحديد ما تحقق فعلا من الأهداف التربوية بواسطة المواد وطرق التدريس . وإذا كانت الأهداف التربوية ، كما سبق أن ذكرنا ، هي في الأساس تحقيق تغيرات في الإنسان ، أي تسعى إلى إحداث تغيرات معينة مرغوب فيها في الأنماط السلوكية للتلاميذ ، فإن التقويم معناه العملية التي نحدد بفضلها الدرجة التي تحدث بها فعلا هذه التغيرات .
فالتقويم خطوة من خطوات العملية التعليمية التعلمية وعنصر من عناصرها البارزة .
1- تقتضي الخطوة الأولى تحديد الأهداف التربوية للعملية التعليمية ، بحيث تصير هذه الأهداف نقطا مربعية ، نحكم على نجاح العملية أم فشلها بمدى اقترابنا منها أو بعدنا عنها ، وفي ضوء هذه الأحكام يقوم المدرس بوضع خطة العمل اللاحقة .
2- وتمثل الخطوة الثانية في تحديد الإستراتيجية التربوية الملائمة وكذا المواقف التعليمية التي سيقوم فيها التلميذ بأداء السلوك المرغوب فيه والمحقق للأهداف المرسومة 3 - وثالث خطوة تتضمن اختيار نوع التقويم والمسائل التقويمية الكفيلة بتيسير الحكم على ما اذا كان سلوك التلميذ في مواقف محددة ، يحقق المطلوب أم لا (9).
ومن هنا الإرباط الوثيق في هذا التوجه الجديد بين التقويم والأهداف التربوية والتي تصير المنطلقات الضرورية في عملية التقويم ، إن الأهداف تشكل معايير التقويم ، ذلك أن تقويم التعلم يمكن بالضبط في التأكد من مدى تحقق الأهداف ، فإذا صغنا هدفا على النحو التالي : << أن يكون التلميذ قادرا على تحريرإنشاء فلسفي في موضوع الوعي وعلاقته بالإدراكات الحسية >>. فإن هذا الهدف وما يتضمنه من مقاييس لجودة في الأداء ، يصبح ميثاق يلتزم به كل الأطراف من تلاميذ ومدرسين وغيرهم . ميثاقا يجعل الجميع مدركين لمستوى الإنجاز والأداء المطلوب ، ومتفـقين على سلم التصحيح ودرجات التنقـيط.
لعل أسلوب الاختبارات مرجعية المحك وما ارتبط بها من تقنيات وتطبيقات وما ترتب عنها من منهجية جديدة تؤكد التكامل بين عملية التعليم وعملية التقويم من خلال الأهداف التربوية المستقبلية ، وتعد التطورات المهمة التي وجه علماء التدريس جهودهم نحوها لتوسيع نطاق تطبيقاتها داخل القسم (10) .
وهكذا فإن كان التقويم يتحدد كعنصر من عناصر العملية التعليمية ومكون من مكوناتها الأساسية ، فإنه يمثل عاملا في توجيه بقية المكونات ووضع قراراتها المختلفة ، إن هناك ارتباطا مباشرا وتأثيرا متبادلا بين قرارات المدرس والتقويمية وطبيعة عمليات التعلم والتعليم .
II – التقويم من منظور المقاربة بالكفايات.
من اجل المساهمة في تفعيل التقويم في الكفايات وتطوير التدريس بها ، ارتأينا معالجة هذا الموضوع من خلال زوايا مختلفة ومتنوعة ، هكذا سوف نبتدىء بالدواعي الأساسية إلى تقويم الكفايات .
1- دواعي وأسس تقويم الكفايات
1-1- حاجات المدرسين:
رغم اختلاف طرق المدرسين والمدرسات، وأساليبهم في التدريس والتقويم، فإنهم في حاجة إلى معطيات من نوعين وهما : 1 – معطيات حول أنواع الصعوبات وأشكال النقص في التحصيل التي يشكو منها كل تلميذ وتلميذة .2- معطيات حول أسباب الصعوبات وسوء التحصيل
لبناء استراتيجية ملائمة لتدارك النقص المذكور . ولهذا الفرص يحتاج المدرسون إلى اجراء تقويمات منتظمة ، تندرج ضمن ما يعرف بالتقويم التكويني للكفايات المستهدفة .
1-2- حاجات التلاميذ والتلميذات :
يلعب التقويم بالنسبة للتلاميذ والتلميذات دورين أساسيين ؛ دور المراقبة ودور التحفيزعلى بدل مزيد من الجهد لبلوغ الأهداف المسطرة ، ذلك أن المتعلمين يكونون في حاجة إلى مؤشرات خارجية موضوعية حول مدى اقترابهم من بلوع الكفايات المستهدفة ، وحول درجة تحكمهم في المهارات والقدرات . لهذا ، يستحسن أن يكون التقويم واضح الغاية والوظيفة ، وأن ينتظم حسب محطات رئيسية مندمجة في سيرورة التدريس .
1-3- حاجات الآباء والأولياء .
أما بخصوص الآباء ، فإنهم بحاجة إلى معطيات من نوع آخر، تطمئنهم على النمو العادي لأبنائهم ، وتخبرهم حول الصعوبات التي قد يواجهونها في التعلم والتحصيل . ويعني هذا ، أنهم قد لا يفهمون الكثير بخصوص الكفايات المتوخاة أو التي تم تحقيقها عند نهاية الدرس أو حدة دراسية ، بل يرغـبون أن تشرح لهم الوضعية التي يوجد عليها أبناؤهم في شموليتها ، مع إبراز الخطوات التي تم تحقيقها والصعوبات التي يواجهها التلميذ في كل مرحلة حاسمة.
فكل هذه الأشياء تتجلى وتتضح من خلال نتائج التقويم الذي تخضع له مكتسبات التلميذ. لهذا يسعون إلى فهم النتائج وكيفية تأويلها .
1-4- حاجات الإدارة التربوية:
في مقدمة الحاجات والمعطيات التي يحتاج إليها الطاقم الإداري التربوي، نجد المؤشرات المتعلقة بالتقدم نحو الأهداف العامة، ومدى اكتساب الكفايات الأساسية التي يختبر فيها عامة التلاميذ، من أجل إجراء المقارنة بين أقسام نفس المستوى التعليمي، وبين أقسام مؤسستهم وأقسام المؤسسات الأخرى، سواء على المستوى المحلي.أو مستوى الجهوى أو المستوى الوطني. كما أن الإدارة التربوية ترغب في أن تعرف الأقسام الضعيفة والقوية، وأن تميز بين التلاميذ المتحكمين في الكفايات المستهدفة وغيرهم ممن هم في حاجة ماسة ( إلى معطيات موثوق فيها ) إلى دعم أو تقوية من نوع خاص.
1-5- حاجات أطر المراقبة المستمرة:
يحتاج المفتشون التربويون إلى معطيات خاصة وهي تصب في غالب الأحيان في مجالين رئيسيين هما: مجال المناهج ومجال المراقبة المؤسساتية. فيما يتعلق بالمنهاج يحتاج المفتشون التربويون إلى معطيات تقويمية، تؤكد لهم أن تطبيق المنهاج، يتم حسب المحددات الزمنية، وحسب المقاييس الكمية والنوعية الواردة في الكتاب الأبيض للمناهج، وفي التعليمات الرسمية. إن التقويم يوفر معلومات حول بلوغ الغايات والكفايات المستهدفة. ويفصح عن درجة احترام المدرسين للمعايير والمقاييس البيداغـوجية المتفـق عليها. وعلى مستوى المراقبة المؤسستية ، فإن التقويم يلعب دورا آخر ، هو أنه يقدم لهيأة التأطير معطيات تؤكد ما جاء في دفتر النصوص ، من انجازات ، ومن أعمال وأنشطة تربوية .كما أنها تقدم نظرة موضوعية حول مكتسبات التلاميذ. وخلاصة القول، فإن التقويم يساعد المفتشين التربويين على الإسهام الفعلي في تقويم المناهج من جهة، وتقويم الأداء الوظيفي للمدرسين .
2- الإطار البيداغـوجي لتقويم الكفايات ( مقاربة de ketele 1980 ) (11).
2-1- مفهوم الكفاية عند دوكتيل وروجيرز :
إن من أنسب التعاريف التي أعطيت للكفاية بهدف تقييمها، التعريف الذي قدمه فريق الباحث البلجيكي دوكتيل ، والذي يقول فيه : << إن الكفاية هي هدف إجرائي في وضعية معينة من الإنجاز >> (12) . لكن هذا التعريف غير كاف لإبراز مختلف جوانب التعقيد والغناء المفاهيمي الذي ينطوي عليه مفهوم الكفاية في مجال التربية والتكوين، سواء على مستوى التخطيط البيداغـوجي أو على مستوى التقويم التربوي.
ومن أجل توضيح ذلك، فلابد من التركيز بمعنى الهدف الإجرائي، وهنا يشير دوكتيل إلى أن الهدف الإجرائي يتضمن قدرة فكرية أو حركية إضافة إلى مضمون دراسي أو تكويني محدد، فإذا أضفنا لهذا الهدف الإجرائي وضعية معينة للإنجاز، فإنه يصبح كفاية حسب تعريف هذا الباحث . ويحقق المعادلة التالية:
- الهدف الإجرائي او الخاص x وضعيات = الكفاية
- الهدف الإجرائي = القدرة x المحتوى (13).
لابد من الإشارة في نهاية هذه الفقـرة ، إلى نوع جديد من الأهداف جاءت به المقاربة بالكفايات مع روجيرز ودوكتيل ، إنه الهدف النهائي الإدماجي Objectif terminal d’intégration ، وهو ما يصطلح عليه بOTI . إنه هدف يلتقي مع مفهوم المواصفة التعليمية Profil d’apprentissage ، التي تلخص المهارات والكفايات المستهدفة عند نهاية سنة دراسية أو سلك تعليمي معين . غير ن دوكتيل روجيرز يؤكدان أن الهدف النهائي الإدماجي يتطلب سلك دراسيا ، يستغرق على الأقل سنة دراسية .
2-2- تصنيف التقويم حسب دوكتيل :
لقد صنف دوكتيل التقويم الى أربعة أنواع هي : التقويم التوجيهي ، التقويم من أجل الضبط ، التقويم الإجمالي ، تقويم الإشهاد والضبط . وسوف نتناول هذه الأنواع من التقويم على الشكل التالي :
أ- التقويم التوجيهي : Evaluation d’orientation
يتم هذا التقويم في بداية السنة أو عند البداية في تدريس وتعلم وحدة ديداكتيكية معينة ، ويرمي هذا النوع من التقويم القبلي كما نسميه عادة ، بتشخيص مكتسبات التلاميذ ، ثم التعرف على التلاميذ غير المستعدين للإنخراط في تعلم جديد . وذلك بغرض اتخاذ القرارات اللازمة والإجراءات الضرورية لاستئناف التعلمات بشكل أفضل . لأنه يكون من غير المجدي الشروع في تدريس تعلمات جديدة هامة . ويحصل هذا التقويم التوجيهي بواسطة اختبارات ورواكز لقياس التعلمات السابقة . في إطار تشخيص عام وشامل ، يفضي إلى تزويد التلاميذ ، الذين لايتحكمون في الكفايات الأساسية ، بالدعم والتقوية المناسبة لكل حالة . كما أنه تقويم يهم الأهداف النهائية الادماجية (OTI ) أو الكفايات الأساسية لنهاية السنة السابقة أو للوحدة الديداكتيكية السابقة .
ب- التقويم من أجل الضبط Evaluation de régulation
إنه يحدث خلال تدريس كل وحدة ديداكتيكية وعلى امتداد السنة الدراسية ، ويتم استغلال نتائج التقويم بانتظام . ويهدف هذا النوع من التقويم الى اتخاذ القرارات قصد تحسين نوعية التدريس والتعلم ، وتطوير جودة التحصيل لدى التلاميذ مع الحد من الفروقات بينهم ، وبالتالي القضاء على الصعوبات قبل استفحالها ، كما يرمي إلى تأهيل أكبر عدد من التلاميذ لمتابعة التمدرس والتعلم بشكل يحد من الفشل والتكرار . ومن أهم أدواته، الملاحظة العفوية والتقويمات السريعة المركزة وتحليل أخطاء التلاميذ المتكررة في إطار مقاربة التشخيص – التصحيح وتقديم الدعم والتقوية . أما موضوع هذا التقويم فهي تلك التعلمات الدقيقة les apprentissage ponételles
ج- التقويم الإشهادي –الإجمالي Evaluation certificative
يأتي في نهاية سلك دراسي معين ، من أجل الحصول على شهادة النجاح أو الاقرار بالرسوب بخصوص التحكم في الكفايات الأساسية . كما يعتمد هذا التقويم لأجل ترتيب المتعلمين في سلم قياس التحصيل المعتمد من قبل المؤسسة التعليمية . ويكتسب الإشهاد أو التقويم الإجمالي صبغة اجتماعية – تربوية في آن واحد . ويتم هذا التقويم بواسطة امتحانات نهاية السنة ، علما أن الاختبار هنا ، يصب في الكفايات الأساسية والأهداف النهائية الادماجية (OTI ) الخاصة بالسنة الدراسية .
د- التقويم الإثباتي ومن أجل الضبط : Evaluation certificative et régulation
إنه التقويم الذي يحدث في نهاية الدورتين الأولى والثانية وفي نهاية السنة الدراسية فهو يهدف إلى المساهمة جزئيا في القرارات الإعترافية او الإشهادية النهائية من جهة ؛ وفي تنظيم التدريس والتعلم وضبطهما من جهة أخرى . ويعتبر هذا التقويم من أجل الإثبات والضبط نوع من المراقبة المستمرة ، لأنه اعتراف تدريجي بالتحصيل ، بدل الإعتراف في لحظة معينة ، إنه استدراك النقص في التحصيل وضبط التعلم مما يجنب المتعلمين الرسوب المبكر أو المستفحل وغير المبرر تربويا . وينجز هذا النوع من التقويم بواسطة اختبارات وروائز دورية ذات قدرة تشخيصية كبيرة يتم التركيز فيها على الكفايات الأساسية للدورة الدراسية المعنية بالتقويم .
3- أنواع التقويم في المقاربة بالكفايات :
نود التركيزهنا بأن عملية التقويم لاتتم بشكل آلي ، بل هي تخضع من حيث الاعداد والصياغة والشكل، إلى الغرض المراد من الدرس أو المنهاج أو الوحدة التعليمية . وذلك نصادف داخل أدبيات التربية العديد من أساليب وأشكال التقويم تختلف حسب نوع المرجعية المعتمدة . فهناك أنواع من التقويم تصنف حسب طبيعة النظام المرجعي ، فنحصل على تقويم مرجعي الجماعة ، وتقويم مرجعي المحك (14) .فإذا كان النوع الأول بستند على نظام مرجعي يقوم على مقارنة انجاز التلميذ بانجازات بقية التلاميذ في نفس المواقف التعليمية ، فإن النواع الثاني يستند على نظام مرجعي يتأسس على مقاييس ترتبط بالمادة الدراسية وأهدافها وبمدى امتلاكها من طرف التلاميذ . وإذا كان المقوم في التقويم مرجعي المحك لايحكم على انجاز تلميذ معين بمقارنته بانجازات زملائه ، فإنه يحكم عليه من خلال ما يفصله عن انجاز نمودجي معين ومحدد منذ البداية .
وإلى جانب هذا التصنيف لأنواع التقويم ، هناك تصنف آخر يتحدد حسب زمن إجرائه وأغراضه . وهو ثلاثة أنواع هي كالتالي : 1- التقويم التشخيصي ، 2- التقويم التكويني ،3- التقويم الإجمالي .
3-1- التقويم التشخيصي Evaluation diagnostique
هو عبارة عن عملية مرتبطة بوضعيات انطلاق المناهج والدروس ، أي فحص معالم هذه الوضعية وتشخيصها ، بهدف الحصول على معلومات وبيانات تمكن من اتخاذ قرارات حول تعليم لاحق . وموضوع هذا التقويم يهتم بتقدير الخصائص الفردية للشخص أو للجماعة .وعلى ضوء ما سبق نقول :
إنه إجراء نقوم به مستهل عملية التدريس ، من أجل الحصول على بيانات ومعلومات حول كفايات وقدرات وميولات ومعارف ، ومواقف التلاميذ السابقة والضرورية لتحقيق الأهداف الكفايات المنشودة من الوحدة التعليمية . فهو إذا تشخيص لمنطلقات عملية التدريس ومدى استعداد التلاميذ. فعند بداية درس ما، يمكن للمدرس أن يلجأ إلى اختبار سريع أو أسئلة شفوية أو حوار مفتوح أو استعمال شبكات مقننة أو روائز ، من أجل التعرف على مدى قدرة التلاميذ على متابعة مستوى الوحدة الدراسية والكفايات المستهدفة.
ويعمل التقويم التشخيصي على تحقيق هدفين أساسيين هما:
1- ضبط المعارف السابقة ، أي الحصيلة الضرورية لكل تلميذ حتى يشرع في عملية التعلم .
2- تشخيص المشاكل والصعوبات التي قد تعوق عملية التعليم والتعلم (15) .
3-2- التقويم التكويني: Evaluation formative
يعد التقويم التكويني من العمليات التي تجرى خلال مهام تعليمية معينة ، وذلك بهدف اخبار المتعلم والمدرس بدرجة التحكم في الكفاية المستهدفة ، واكتشاف مواطن الصعوبة التي يصادفها التلميذ خلال تعلمه ، من أجل ايجاد استراتيجيات تمكنه من التقدم والتحسن ، لأن الغاية منه ليس التقويم بل هي التكوين والتطوير الذي يسعى إلى احداث التغيير المستمر والتحسن في سلوك التلميذ الذي نقومه . ويمكن التقويم التكويني كذلك من تحديد مؤهلات المتعلم للإقبال على مراحل جديدة من تعلمه وفق مراحل متسلسلة، كما يمكن من تصحيح ثغرات التدريس. هكذا، ينحصر دوره في توعية المتعلم بقدراته التعليمية دون أي عقاب اجتماعي.
وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن المراقبة المستمرة، وهي جملة من الإجراءات التربوية التي تسعى إلى تقويم انجازات التلاميذ بشكل مستمر، تمكن من التعرف على امكاناتهم ومردودهم وتطور أدائهم ومدى فعالية الطرق والسبل المستعملة في التعليم. كما تعني المراقبة المستمرة قياس مدى استيعاب التلاميذ للدروس السابقة عن طريق التمارين والفروض التي تواكب العملية التعليمية – التعلمية.
هكذا، ينبغي أن ينظر للمراقبة المستمرة كعنصر مصاحب للنشاط التعلمي – التعلمي يمكن الأستاذ من تتبع أعمال تلاميذه ورصد نتائجهم بانتظام للتأكد من تحقق الأهداف التربوية والوقوف على مواطن الضعف لدى التلاميذ بهدف استدراكها وتقويمها.
3-3- التقويم الإجمالي Evaluation Sommative
ينجز التقويم الإجمالي في نهاية وحده دراسية أو مجزوءة أو سنة دراسية. لغاية تحديد ما إذا كان التلميذ قد حقق التعلم المتضمن في الأهداف النهائية الادماجية (OTI )أو الكفايات الأساسية الـخاصة بمادة دراسية محددة. ولغاية إصدار الأحكام والقرارات التي تفضي إلى نقله أو تكراره. المتعلم إلى مستوى لاحق. ويكون لهذا التقويم في الغالب صفة الشمول وتشرك فيه أطراف كثيرة. كما أنه يعتبر أساسا في اتخاد قرارات التطوير والتعديل بالنسبة لمناهج ووسائل التعليم، فهو اجراء عملي نقوم به عند نهاية التدريس، من أجل التأكد من النتائج المرجوة من عملية التدريس قد تتحقـقت فعلا. من هذا المنطلق، يهتم التقويم الإجمالي بفحص الكفايات المنشودة ويمكن من الجواب على أسئلة مثل: - هل روابط وعلاقات بين الكفايات المنشودة ؟ وهل يمكن نقل المتعلم الى مستوى لاحق؟ .
أما أغراض التقويم الإجمالي ، فهي :
- تقـدير التحصيل للتلاميذ.
– تزويد المقـوم بمعلومات تساعده على اتخاذ قرارات الحكم على التلاميذ حكما عادلا وموضوعيا.
- التزويد ببيانات تمكن من إعادة تخطيط المنهاج.
4- أساليب وتقنيات التقويم .
لاشك أن الإختبارات ( الامتحانات ) تشكل الأسلوب الأكثر أهمية والأكثر انتشارا في تقويم التحصيل الدراسي التلاميذ . وعادة ما يعرف الإختبار بأنه أداة وتقنية تتضمن عينة مختارة من أنماط السلوك المراد قياسها ، لمعرفة درجة التغيير الذي حصل لدى التلاميذ بعد تناول مجموعة من الكفايات والقدرات أثناء حصص دراسية محددة .
وتجدر الإشارة هنا ، إلى أن كل أداة أو أسلوب أو اختبار ، داخل مجال التقويم ، يشترط بالضرورة توفر مجموعة من المبادىء أوالأسس ، نذكر منها ما يلي :
أ- الثـــــبات : يتم تطبيق هذا المبدأ على الإختبارات أو أداة التقويم أكثر من مرة على على نفس مجموعة الأفراد، لكي نتمكن من خلال ذلك من مقارنة مدى اختلاف نتائج الإختبار في المرات المتتابعة . وتعتمد لذلك وسائل احصائية لقياس التباث في الطرق التالية:
- طريقة إعادة الاختبار.
- طريقة للتجزئة النصفية .
- طريقة تحليل التباين .
- طريقة الإختبارات المتكافئة .
ب- الصدق : الاختبار أو الأداة الصادقة ، يقيسان ما وصف لقياسه ، فاختبار الذكاء الذي يقيس الذكاء فعلا ، هو اختبار صادق ، مثله في ذلك مثل المتر في قياسه للمسافات . وتختلف الإختبارات وأساليب التقويم في مستويات صدقها تبعا لاقترابها أو ابتعادها من تقدير تلك الصفة التي تهدف إلى قياسها .
من بين العدد الهائل من الإختبارات التربوية ، يمكن الاشارة إلى بهضها على النحو التالي:
4-1- اختبار الإستعداد الدراسي :
هو اختبار يقيس مستوى أداء المتعلم في مجال لم يدرب فيه تدريبا خاصا ، وذلك قصد التنبؤ بمستوى الأداء الذي يمكن توقعه اذا حدث تدريب للمتعلم . إنه اختبار تقييس تلك القدرة الكامنة لدى هذا المتعلم . وتتصل هذه الاختبارات بعدة كفايات منها ؛ الاستعداد التدكري والاستعداد الكتابي ....الخ .
4-2- اختبار الحد الأدنى من الكفايات .
هو اختبار موضوعية المعارف والمهارات التي تعتبرأساسية ، والتي يلزم أن يتحكم فيه التلميذ يكون قد أنهى سلكا من الدراسة . .(17)
4-3- اختبار الاهتمامات :
هو اختبار على شكل استبيان أو قائمة تقييس ميول المتعلم وتزوعه الى موضوع دراسي أو غيردراسي معين ، ومن هذه المقاييس : - مقياس الثقة الذاتية بالنفس ،- مقياس حافز التحصيل ،- مقياس الميل نحو شخصية المدرس ، - مقياس الميل للتلاميذ ،... (18) .
4-4- الاختبارات الشفـوية .
هي الاختبارات التي توجه فيها أسئلة من طرف المدرس نحو التلميذ، وهذه الاختبارات وإن كانت من أهم وسائل التقويم إلا أنها تتصف بضعف كبير من حيث الدقة في الإعداد وصياغة الأسئلة. وقد استعملت هذه الاختبارات منذ القدم واستمرت سائدة في أنظمتنا التربوية. ومما يعاب عليها : - انعدام الموضوعية وطغيان تقديرات المقوم الذاتية على أداءات التلاميذ – صعوبة تطبيقها عندما يتعلق الأمر بأعداد كبيرة من التلاميذ .
4-5- اختبار مقالي
هي أكثر الاختبارات شيوعا في مختلف المستويات التعليمية والموادالدراسية . وهي اختبارات كتابية يطلب من التلميذ فيها الإجابة عن السؤال كتابة . وتستعمل هذه الأداة كلما رغبنا في معرفة قدرات التلاميذ على التحليل والتركيب والنقد والاستنتاج والإبداع . ومن عيوبها، أنها مجال لتدخل ذاتية المصحح، وتتطلب وقتا هاما للتصحيح .
- وفي إطار تناول أساليب وتقنيات التقويم ، فإنه لابد من التذكير بأشكال الأسئلة المتداولة في الوضعيات المخصصة للتقويم ، وهي كما يلي :
4-6- أشكال الأسئلة .
أ- قـوائم الضبط : Check- List
هي أداة التقويم في شكل لائحة من المقترحات والتوجهات والتي تغطي مجالا معينا ، ويطلب ممن يتستعملها وضع علامة أو خط أو دائرة في المكان المناسب التي تحدد معايير معينة .
ب- سؤال متعدد الإختيار
وهو جملة من الأسئلة المركبة من أسئلة صغرى تمكن من اختيار السؤال الصحيح من بين مجموعة من الأسئلة الخاطئة .
ج- سؤال الصواب والخطأ :
ويسمى كذلك بسؤال الثنائي الإختيار ، وهو أداة تقويمية موضوعية ، تستعمل لتعرف مقدرة المتعلم على كشق المفاهيم الخاطئة ضمن المادة الدراسية والتمييز بينها .
د- سؤال مفتوح
ويشمل جميع الأسئلة الطويلة والقصيرة ، التي تترك حرية للمتعلم في الجواب والتعبير ، والتي يكون هدفها تنمية القدرة أو الكفاية على التنظيم والتعبير والنقد والربط والتركيب . وغالبا ما يتأثر تصحيحها بانطباعات المقومين .
هـ- سؤال مغلق :
هو مجموع الأسئلة التي تتطلب من المتعلم جوابا واحدا، مثل الأسئلة ذات التصحيح الموضوعي، والأسئلة ذات الاختيار المتعدد (19) .
ج- أهم المقاربات في تقويم الكفايات :
يندرج تقويم الكفايات في معظم الأوساط الدراسية ، في إطار التقويم التكويني ، الذي يتوخى تحسين ظروف التدريس والتعلم ، بهدف الرفع من الجودة في التحصيل على مستوى القسم الدراسي والمردودية على الصعيد المؤسسة ، وكذا المنظومة التكوينية بمختلف وحداتها . وبالطبع فإن هناك التقويم الإجمالي ، الذي يشغل حيزا هاما من الوقت ، ويكتسي أهمية بيداغوجية واجتماعية في آن واحد ، وبوصفه الأداة الفعالة لإثبات التحصيل أو عدمه ، بغاية السماح للتلاميذ بالانتقال من مستوى دراسي إلى آخر ، والحصول على الشهادات الدراسية اللازمة لحياتهم المهنية أو الأكاديمية . وإذا سلمنا بأن الكفايات هي في حقيقة الأمر ، بمثابة عناقيد من الأهداف الإجرائية المندمجة في إطار وحدة بيداغوجية ؛ فإنه يجوز لنا أن نطبق على تقويمها نفس المناهج ، ونسلك نفس المقاربات التي أظهرت مصداقيتها ، وأكدت التجربة على متانتها . ونظرا لما يتطلبه تقويم الكفايات من دقة وعناية ، فقد ارتأينا أن نركز اهتمامنا حول مقاربتين تهتمان أساسا بتقويم المدخلات والمخرجات وسيرورة التعلم أو الإدماج ، وهما كالتالي :
5-1- قياس التغيير:
تعتبر مقاربة قياس النقص الحاصل في التعلم واكتساب الكفايات ، من بين الأساليب السائدة في تقويم التعبير في التعلم . وتتجلى على الخصوص ، في تشخيص مواطن ضعف التعلم والتحصيل لدى التلميذ. حيث تسعى بالأساس إلى قياس مظاهر هذا النقص عن طريق المؤشرات المنتظمة الظاهرة منها أو المستترة لصعوبات التعلم التي يعاني منها التلميذ ويعتمد هذا القياس على :
1- معيار الإقصاء ، الذي يقر بكون النقص أو التغيير في التحصيل ، يرجع لأسباب تنحصر في سياق عملية التدريس والتعلم وفي سيرورتهما ، مما يجعل ذلك النقص قابلا للاستدراك وذلك بواسطة أنشطة الدعم والتقوية .
2 - معيار الفرق ، الذي يفرض وجود نقص أو فارق ملموس بين النتيجة المحصل عليها من المتعلم والنتيجة المرتقبة في مجال من مجالات الكفايات والتحصيل الدراسي (20).
-2 تحليل الأخطاء المنتظمة :
يعتبر تحليل الأخطاء المنتظمة لدى التلاميذ ، من بين المقاربات المعتمدة في التقويم بغاية التوصل إلى تشخيص بيداغـوجي متين ودقيق الصعوبات ، التي يعاني منها المتعلمون ، وتحديد الأسباب المانعة لتحقيق الأهداف المسطرة وبلوغ الكفايات المستهدفة . ولقد دفعت وفرة المعطيات التشخيصية في الأخطاء المنتظمة للتلاميذ بالمختصين في القياس والتقويم ،الى تطوير أساليب وطرق احصائية ملائمة لتحليل أخطاء التلاميذ . ومن أهم المشتغلين في هذا الموضوع ، تشـواكا Tatsuaka الذي وضع نموذجا سيكومتريا متينا ، لتحليل أخطاء المتعلمين بغاية خدمة التشخيص البيداغوجي ، أي التقويم التشخيصي (21) .
6- أغراض التقويم والهدف منه .
يفيد التقويم في معرفة مستوى التلاميذ، أي تحديد نقطة البداية والانطلاق. كما يفيد في تحديد الكفايات التي يكون التلميذ قد اكتسبها والتي يجب توفرها المسبق للتحصيل .
تستطيع مثل هذه الاختبارات أن تقـيس ما يعرفه وما يكون قادرا على انجازه عند البدء بالوحدة ، بحيث يمكن مقاربة نتائج هذه الاختبارات القبلية بنتائج الاختبارات البعدية أو النهائية .
ويمكننا التقويم من تحديد مواطن الضعف والقوة لدى التلاميذ، مما يقود المدرس إلى إعادة صياغة أهدافه وإعادة النظر في أساليبه التعليمية، ومعرفة مدى تأثير المواد الدراسية . بحيث يتحول التقويم إلى فيدباك يمكن المدرس من معرفة مدى ملائمة هذه المواد وتلك الأساليب لمستوى التلاميذ وقدراتهم ، حتى يتمكن من تعديلها وتكييفها لتصبح أكثر ملائمة .
كما تستخدم نتائج التقويم في تحسين المناهج بصفة عامة . بحيث يساعد في البداية على معرفة نواحي القوة ونواحي الضعف فيها ، ثم يمكن بفضل النتائج من التوصل الى تغييرات ممكنة أو بعض الفروض عن سبب حدوث هذا النمط المعين من نواحي القوة والضعف (22).
إن الانتقال من المنهاج إلى التقويم والعكس ، عملية دينامية مستمرة ، ذلك لأن تطوير المواد والأساليب يقتضي بتجريبها وتقويم نتائجها ، الأمر الذي يمكننا من التعرف على نواحي الضعف وأسبابه . ثم إعادة التخطيط و التطوير فإعادة التقويم وهكذا...
ويفيد التقويم بالدرجة الأولى في معرفة مدى تحقق الأهداف المخططة في البداية أي معرفة درجة حصول التغيرات المرجوة، كما يفيد التقويم في توضيح هذه الأهداف إذ هي لم تكن واضحة منذ البداية .
ويسمح التقويم بإعطاء صورة عن مدى ما تحققه المدرسة من نتائج . إن حكم المسئولين والآباء على مدى التزام المؤسسات التربوية وقيامها بواجبها ، يتم بفضل تقويم فاعليتها في تحقيق الأهداف التربوية العامة . إن الحكم على فعالية العملية التربوية وتطوها ، حيث يتم تطبيق التقويم بأساليبه ومستوياته المختلفة ، ولجميع والمستويات التعليمية ، للعمل على تكامل العملية التربوية وتناسقها ، مما يؤدي إلى اكتساب التقويم صفة الحكم على مدى نجاح تلك العملية أو فشلها وفقا للدليل الواضح الذي يقدمه التقويم
كما يفيد التقويم في الحكم على طرق التدريس المتبعة ، فعندما يحصل التلاميذ على علامات أو درجات ضعيفة في الاختبارات ، فإن ذلك يعني وقوع خطأ ما . وينظر المدرس الوعي ، إلى جوانب أخرى للمشكلة كالتلاميذ وأدوات القياس وطرق التدريس المستخدمة .
أخيرا ، يساعد التقويم على تحديد المستويات أو المعايير : حيث ينبغي أن يتقن التلاميذ كفايات ومهارات معينة ، وأن يتم اختبارهم فيها ، للتأكد من وصولهم إلى مستويات أو معايير محددة ، مثل القدرة على القراءة الفلسفية أو القدرة على المنافشة الفلسفية.
الهوامش:
1) النهار العلمي : السياسة التعليمية بالمغرب ، من المبادئ الأربعة إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين جريدة العلم 4/1/2004.
2) عبد الكريم غريب : << بيداغوجيا الكفايات >> منشورات 1- عالم التربية ، 2004 ص: 32.
3) الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، ص: 239.
4) عبد الكريم غريب : << معجم علوم التربية ط3، مطبعة النجاح ،2001 .-
5) محمد الدريج : << الكفايات في التعليم >> المعرفة للجميع ط 2003 ، ص173
6) << البرامج والتوجهات التربوية الخاصة بتدريس مادة الفكر الاسلامي والفلسفة بالتعليم الثانوي >> ط1991 ، ص9
- البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة الفلسفة بالجذوع المشتركة . مارس 2005 ص 3
- صلاح الدين محمود علام : << القياس والتقويم التربوي والنفسي >> دار الفكر العربي ، 2002 ، ص316
- محمد الدريج : << الكفايات في التعليم >> منشورات المعرفة للجميع ، 2003 ص179
7) صلاح الدين محمود علام : << القياس والتقويم التربوي النفسي >> دار الفكر العربي ، 2002 ، ص329 .
8) deketelle .J.M<>3eme édition, Bruxelles – Paris
- deketelle .J.M<>3eme édition, Bruxelles – Paris
9) صلاح الدين محمود علام : << القياس التربوي النفسي >> دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2002.
10) صلاح الدين محمود علام : << القياس التربوي والنفسي >> دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2002
- محمد الدريج : << الكفايات في التعليم >> المعرفة للجميع . اكتوبر 2003،ص187
11) عبد الكريم غريب : << منهج وتقنيات البحث العلمي >> ط1 ، النجاح ،1997 ، ص127
12) عبد الكريم غريب : << معجم علوم التربية >> ط 3 ، النجاح ،2001
13) عبد الكريم غريب : << معجم علوم التربية >> ط 3 ، النجاح ،2001.
14) عبد الكريم غريب :<< بيداغوجيا الكفايات >> منشورات عالم التربية >> ط . النجاح ،2001
15) محمد خاقي : << تقييم الكفايات >> منشورات عالم التربية ، 2004 ص: 61، 62، 66.
- نفس المرجع.
المصدر
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=111662