في إطار التنسيق بين المنتديات التي تعمل على تطوير تدريس الفلسفة، نتابع مساهماتنا بخصوص تأصيل الدرس الفلسفي، وأقدم اليوم تجربة تتعلق بحضور الحجاج بالدرس الفلسفي، وهي عبارة عن أعمال سابقة للفريق التربوي بأكاديمية بني ملال،

وفي انتظار إعادة فتح منتدى فيلوصوفيا، سأعمل على المساهمة في فيلومغرب ،وأرجو أن تتعمم الفكرة على باقي المنتديات، بمعنى نشر نفس المساهمات بباقي المنديات الصديقة...  وستكون المواضيع المقبلة كالتالي:
- أسس التحضير الكلي لدرس الفلسفة.
-تحيين المعارف الفلسفية في درس الفلسفة.
-مدى تعالق السؤال البداغوجي مع السؤال الفلسفي لحظة إنجاز الدرس الفلسفي.
-المفاهيم والدرس الفلسفي.
- مختلف طرق ومقاربات تحليل النص الفلسفي.
-رهانات الدرس الفلسفي.
- وقضايا أخرى ستظهر في حينها بالإضافة إلى قضايا الإنشاء الفلسفي.

الوزارة المكلفة بالتعليم الثانوي والتقني
أكاديمية بني ملال
منسقية مادة الفلسفة

الورقة الأولى(1997)

الحجاج في درس الفلسفة

أصبح الاهتمام بالحجاج في إطار ديداكتيك الفلسفة متزايدا لاعتبارين:
أ- لأنه هدف من الأهداف التربوية التكوينية المتوخاة من تدريس الفلسفة بالثانوي، ويكون إلى جانب الأشكلة والمفهمة ثالوث الأهداف النواتية المكونة للفلسف.
ب- لأنه مطلب من مطالب التقويم بمختلف أشكاله في درس الفلسفة: نص أسئلة، نص سؤال مركب قولة سؤال، سؤال مفتوح.

لهذه الاعتبارات، وسعيا وراء تحقيق حد أدنى من الانسجام في الممارسة الديداكتيكية لدرس الفلسفة نرى ضروريا التعريف بأهم الأساليب الحجاجية التي تحضر بقوة في درس الفلسفة بجميع مكوناته: عرض نظري-تحليل نص- تقويم..

تعريف الحجاج:
تطرح ضرورة الاهتمام بالحجاج ومبادئ الإقناع حينما يطرح السؤال:كيف يصبح خطاب ما مقنعا؟ وبهذا المعنى لا يمكن فصل الحجاج كعمل للغة قبل أن يكون عملا للعقل المفكر(1) عن عملية التواصل والتفكير." إنه متتالية من الجمل، موجهة وجهة خاصة، تعكس مسار فكر ينطلق من معطيات للوصول إلى ، مرورا عبر حجج."(2)
والحجة قضية صيغت لإقناع المحاور بقبول قضية أخرى.
وقد رفض أرسطو أن يضع الحجاج في نفس المستوى مع البرهنة، كما رفض أن ينحدر إلى مجرد أداة للتحليل والإغراء ، واعتبره حدا وسطا بينهما، لأنه لا يملك الصرامة والموضوعية التي تطبع البرهنة ،لكنه في نفس الوقت لا ينحدر إلى مستوى التأثير والإيحاء بحمولته اللاعقلانية (3).

بين الحجاج والبرهنة.
يقارن " بيرلمان " بين الحجاج والبرهنة ليوضح التمييز بينهما انطلاقا من مجموعة من المستويات(4):
أ‌-    فالحجاج يتوجه ‘إلى مخاطب عمومي، لذلك يراعي عاداته في التفكير وانفعالاته ومعتقداته، على نقيض ذلكـ يتوجه البرهان إلى مخاطب كوني.
ب‌-     يتأسس الحجاج على مقدمات ليست بالضرورة مؤكدة أو بديهية، لكنها بكل بساطة مقبولة ومشتركة من طرف أغلبية الناس.
ج- يعتمد الحجاج اللغة الطبيعية في مقابل اللغات الاصطناعية، كالجبر مما يجعل عباراته عامة وغامضة.
د- ينتج عن ذلك أن النتيجة في الحجاج نادرا ما لا تكون غير قابلة للدحض، لأن كل حجاج قابل للتفنيذ بحجاج آخر.

بعض الأساليب الحجاجية الأساسية في الخطاب الفلسفي:
من الصعب حصر جميع الأساليب والتقنيات الحجاجية التي تستعمل في الخطاب الفلسفي أو غيره، لأنها كثيرة ويصعب صياغتها في إطار كمنظم ووفق مبادئ محددة، لذلك سيتم تناول بعضها، تلك التي تحضر بقوة في النصوص الفلسفية والتي يمكن لتدريس الفلسفة استثمارها والعمل على إكسابها للمتعلمين. يمكن تحديد ثلاث عمليات أساسية تندرج في إطارها أهم الأساليب الحجاجية:
أ‌-عمليات استدلالية تخص الخطاب انطلاقا من مقدماته حتى نتائجه كالاستنتاج والاستقراء والمماثلة.
ب‌-جدلية تخص الوظيفة السجالية للخطاب كالمناقشة والمحاورة والدحض وامتحان الآراء والإثبات والتركيب.
ج- عمليات شعرية تخص البناء البلاغي للخطاب كالمماثلة والاستعارة والتمثيل ومختلف طرق الإيحاء والإيهام.
تهدف العمليات الأولى إلى إقناع المتلقي، وتهدف الثانية إلى نقل القناعة من شخص إلى آخر، وتهدف الثالثة إلى التأثير الوجداني عليه.

*- المثال: يعنى المثال بالعودة إلى حادث مفرد ، قد يكون واقعيا أو متخيلا، وهو أداة إقناعية أساسية، لأنه قد يدعم قاعدة عامة، وبالتالي فهو لا يساعد على الفهم فحسب ولكنه  يدفع نحو الاعتقاد وتقوية الإقناع.
للمثال وظيفة ديداكتيكية أساسية تتمثل في استقطاب التلميذ نفسيا وجعله ينخرط ذاتيا وتلقائيا في ممارسة التفلسف، لأنه يفتح الحقل الدلالي الفلسفي على عالم الواقع والتجربة المعيشة(5)
*- حجة السلطة المعرفية: إنها من حالات المثال، ويقصد بها استثمار رأي شخصية علمية أو فلسفية مختصة لضمان دعم أطروحة ما، وهي حجة لا يمكن  الاستغناء عنها لأنها حاضرة حتى في المراجع العلمية وهي أيضا حجة حاضرة في كل النصوص الفلسفية تقريبا.
*- المماثلة: وتتميز بالحضور القوي في مختلف أشكال الخطاب وخصوصا في الرياضيات والفلسفة، وتعني وجود تشابه بين علاقتين: علاقة معروفة الحدود والعناصر، وعلاقة مجهولة. وتتخذ العلاقة الأولى كأداة للتفكير في العلاقة الثانية، وهنا تكمن القيمة الحجاجية للمماثلة كأداة للتفكير والبناء.
الاستدلال:إنه في مختلف صوره انتقال من مقدمات إلى نتيجة، ويتحدد الأساسي في الاستدلال في مختلف صوره (مباشر-غير مباشر) في العلاقة الضرورية بين المقدمات والنتائج رغم طابعها الصوري، وهو عملية تسود جميع النصوص لأنه أداة أساسية للفكر والتفكير. وقد اعتبر أرسطو القياس أسس مراتب الاستدلال من حيث اليقين والخضوع لمبادئ العقل الأساسية.
*الإحراج: وهو استدلال يقوم على اختيار بديل يبين أنه كيفما كان الموقف الذي نتبناه بصدد قضية ما، تكون النتيجة نفسها. إن قوته الحجاجية يكمن في كونه يترك إمكانية الاختيار للخصم، وهم الاختيار فقط.
*- الاستقراء:
أداة أساسية لبناء المفاهيم والأحكام انطلاقا من فحص موضوعات ... مختلفة، ويتميز بصبغته الإبداعية ونتائجه الخصبة بحكم أن الانتقال فيه يكون من المعيش إلى المجرد.
*- الجدل: يرد الجدل هنا بمعناه اليوناني كفن للقول والحوار ومناقشة الأفكار وتصنيفها. ولكنه يرد كذلك بدلالته الهيغلية كقانون للعقل والوجود، ومن ثمة كطريقة للتفكير وإدراك القضايا وبناء المواقف والتصورات: قضية- نقيض- تركيب.
تتضمن كل دلالة من هاتين الدلالتين أبعادا بيداغوجية ، لأن الجدل يعلم نسبية الأفكار وضرورة تنطيم التفكير ، وإصدار الأحكام في دلالته الأولى ...وشمولية النظر وجدلية الوحدة والاختلاف والتطور في دلالته الثانية.

خلاصات:
-    إن الاهتمام بأساليب الحجاج في درس الفلسفة اهتمام وظيفي ينطلق من استحالة الفصل في الخطاب الفلسفي بين الأطروحات والمواقف والحجج التي تؤسسها/ ومن ثمة لا تدرس هذه الأسالبي لذاتها بل في علاقاتها بسياقاتها الديداكتيكية في الدرس.
-    يزداد الاهتمام بها كلما كان الحرص على الفهم والتواصل مع الأطروحات قويا.

المراجع.
1-Ducrot :l’argumentation dans la langue .bruxelle.1988
2-الدراسة الفلسفية للموضوعة والنص. ترجمة عزيز الأزرق
3-olivier reboul :la rhétirique.que sais je.p 65.
3-ch.perleman.traité de l’argumentation.
5- الحسين سبحان:الأمثلة في درس الفلسفة. ديداكتيكا العدد 3 دجنبر 1992 ص 71