إنجاز الفريق التربوي- الموسم الدراسي 2000/99
*-الوظيفة الديداكتيكية للحجاج في درس الفلسفة.
كما هو معروف يتأسس الدرس الفلسفي الجديد، الذي اتخذ إسم درس المفهوم، على الأهداف النووية الثلاثة: المفهوم والإشكالية والحجاج. وكما هو معروف كذلك فإن الإشتغال على هذه الأهداف يعني تحقيق العمليات الثلاث: المفهمة والأشكلة والحجاج. فالمفهمة تحقق بناء المفهوم والأشكلة بناء وصياغة الأسئلة اعتمادا على أطروحات فلسفية، أما الحجاج فيهدف إلى الاقناع بمشروعية المفهوم والأسئلة من جهة، وتقديم أدلة على" حقيقة" الخطاب الفلسفي من جهة أخرى. ونريد في هذه الورقة أن نقف عند معنى الحجاج بمعناه الديداكتيكي والعمل على تحديد وظيفته داخل الدرس.
1- في تعريف الحجاج من وجهة ديداكتيكية.
يجب أن نقول أولا إن الاهتمام بالحجاج في الفكر الفلسفي المعاصر جاء في سياق النقاش حول أهمية البناءات الصورية المنطقية، ومدى صلاحيتها لتحليل الخطابات(1) فتبين محدودية اعتماد الآليات والأدوات المنطقية في تحليل خطاب يعتمد أساسا على اللغة الطبيعية(2) ذلك أنه لا يمكن معرفة بشكل مسبق مضمون ودلالة الألفاظ التي يتم استعمالها في إنتاج الخطاب وتوظيفه للتواصل، فهناك فائض لغوي لا يمكن التحكم فيه.هذا ما يفسر الاهتمام الذي لاقاه الحجاج مؤخرا، لكون الحجاج يركز في الخطابات على فائضه الدلالي في علاقته مع الشروط الخاصة والعامة للخطاب(3) ونعي بذلك شروط إنتاجه كخطاب له قوانينه الداخلية وشروط توظيفه العامة المرتبطة بالمتلقي الذي يتوجه إليه الخطاب. لا يهمنا الوقوف عند شروط الخطاب وظروف تلقيه بشكل عام، بقدر ما يهمنا معرفة الأدوار التي يقوم بها الخطاب كأداة حجاجية عندما يوظف لإثبات فرضية فلسفية داخل الفصل، وإقناع التلاميذ بأهمية أطروحة فلسفية أو الدفع بالتلاميذ إلى تبني موقف فلسفي.
هذه الوضعيات الثلاث التي تتكون من : الإثبات والإقناع والتبني، هي التي تظهر لنا وتحدد وظيفة الحجاج الديداكتيكية داخل الفصل.
*- فالوضعيات الأولى تهم الخطاب من حيث هو حامل لحجج تتشكل من آراء وأفكار ومفاهيم يقدمها المتلقي على أساس أنها دعامته الأساسية التي يعتمدها كخطاب فلسفي يتوخى إعطاء مشروعية لما يقدمه.
*-الوضعية الثانية، وهي وضعية الإقناع بحيث تتجاوز وضعية تقديم النص لقضاياه بهدف إثبات مشروعيتها إلى المطالبة بالإقناع " بصحة "و " حقيقة " و " يقينية " هذه القضايا.
*- أما الوضعية الثالثة، هي وضعية التبني والتي يطالب فيها الخطاب بأولويته المطلقة على الخطابات الأخرى ودعوة المتلقي إلى تبني موقفه الفلسفي.
هذه الوضعيات الثلاث توافق وتطابق الوضعيات الثلاث المرتبطة بتحليل الخطاب الفلسفي، وهي وضعية الوقوف على مفاهيم وأطروحات الخطاب ( الإثبات ) وضعية تحديد الإشكالية وأهميتها (الإقناع) ثم وضعية المناقشة والمجادلة (التبني). تكمن أهمية الجمع بين هذه الوضعيات وشكل تحليل الخطاب ، في عدم الفصل بين شكل الخطاب ومضمونه، حيث أن شكل الخطاب يوجه ويؤثر في طبيعة مضمونه، وهذا الأخير يرفع من قيمة الشكل الذي يوافقه.
هذه الوضعيات الثلاث تدفعنا من الوجهة الديداكتيكية إلى الوقوف عند هذه القولة التي يحاول من خلالها " كوسيطا " تحديد الحجاج عندما يتعلق الأمر بدراسة خطاب فلسفي، يقول " كوسيطا": لا يهم كثيرا في الفلسفة أن نعرف هل نبرهن أم نحاجج، بقدر ما يهمنا أن نعرف أن كل فيلسوف يستعمل أدوات وتقنيات لإعطاء المشروعية لأطروحة أو إثباتها، وهذه بدورها تضع الاختلافات التي تميزها إلى وحدة البنيات النظرية."(4) هذه الملاحظة أساسية بالنسبة لموضوعنا، فهي تؤكد على أن الوظيفة الديداكتيكية للحجاج ليس التمييز بين الآليات المنطقية والبلاغية... ولكن الوقوف عندما يجعل هذه الآليات المختلفة ( المنطق، البلاغة، أدوات تحليل الخطاب، سوسيولوجية الحطاب...) تخضع لوحدة الحطاب الفلسفي.
إذا أردنا أن نقدم تعريفا أوليا للحجاج من الوجهة الديداكتيكية، فإننا سنقول إن الحجاج هو الوضعيات التي يمارس فيها : الإثبات والإقناع والتبني.
2- وظيفة الحجاج في الدرس الفلسفي وآلياته.
أ- وظيفته:
يحدد منهاج مادة الفلسفة مجموعة من الأهداف لدرس المفهوم، ومن هذه الأهداف ما يتعلق بالحجاج، ومن الأهداف التي تدخل تحت نواة الحجاج يمكن أن نذكر الأهداف التالية:
1*-إبراز محدودية الدلالات اللغوية والمعجمية للمفهوم.
2*- معالجة الإشكالات الفلسفية عن طريق استدعاء أطروحات الفلاسفة ونظرياتهم.
3*- اكتساب التلميذ تشبعا وجدانيا بالقيم التي يتأسس عليها التفكير الفلسفي ويعمل على ترسيخها، وفي مقدمتها حرية التفكير والفكر المستقل القائم على العقل والحوار والتواضع والاحترام المتبادل(6)
يظهر أن هذه الأهداف الثلاثة التي عرضناها تركز على قضية أساسية وهي: إكساب التلميذ مجموعة من المهارات والكفايات" المنهجية والتواصلية"(7) حتى يكون قادرا على " الإبداع"(8)
وليس التطبيق الميكانيكي الآلي للكفاية، هذا ما يجعل أن الهدف من الوقوف عند الحجاج في درس الفلسفة هو تمكين التلميذ من اكتساب القدرة ثم الإدارة في الاعتماد على ذاته وقدراته، في إطار استقلال ذاتي يتجسد في صياغة خطاب أو القيام بسلوك أو العمل في إطار ممارسة تتسم ب "الإبداع" والتجديد. لهذا فإن الوقوف في درس الفلسفة عند الآليات الحجاجية وإبرازها للتلميذ بدون تحديد وظيفتها في الفلسفية في الخطاب الفلسفي وبدون بيان إمكانية اعتمادها من أجل" الإبداع" وليس " التقليد " يُعدّ عملا مجانيا. لهذا فإننا نعتقد أن تمكين نواة الحجاج من لعب دور ديداكتيكي فعال في درس الفلسفة، يتطلب الاهتمام بالكفايات والمهارات التي تساعد التلميذ على أن يبرز ويعالج ويناقش موقفا فلسفيا، وهو ما يرجعنا إلى الوضعيات الثلاث التي تحدثنا عنها سابقا وهي وضعيات : الإثبات والإقناع والتبني. فالتلميذ مطالب بأن يتخذ موقفا نقديا مما يعرض عليه، وهذا الموقف النقدي لا يهدف إلى ممارسته نقدا مجانيا وسلبيا، بل تمكين التلميذ من أجل أن يكون قادرا على " تفكيك " الخطاب الفلسفي إلى مفاهيمه وقضاياه وأطروحته وأسئلته في مرحلة أولى، ثم يقوم بعد ذلك باتخاذ موقف " إيجابي: بتبني أطروحة ما يعرض عليه أو أطروحة مغايرة، وأن يكون قادرا على الدفاع على اختياره.
ب- آلياته (9) تطبيق:
نريد أن نقف عند نص ديكارت لكي نطبق عليه الوضعيات الثلاث عندما نتحدث عن نص ديكارت، فإننا نعني بذلك خطابا منسجما منسقا يعرض علينا موقفا فلسفيا يدعونا إلى تبنيه في الأخير، الموقف الذي يدعونا ديكارت إلى تبنيه هو القول إن الإنسان هو الكائن العاقل والمفكر الوحيد، وهذا يجعل منه الكائن الوحيد الذي يتكلم. إذا أردنا أن ندرس هذه الأطروحة اعتمادا على الوضعيات الثلاث فإننا نجد:
1)-وضعية الاثباث: يعتمد النص في اتساقه وانسجام مفاهيمه وقضاياه وآرائه على تعارض بين الإتسان والحيوان مما ينتج عنه:
أ- الأزواج المفهومية:
-العقل / غياب = الانفعالات
- الوعي / البرمجة / الانفعالات
- الكلام / الحركات الطبيعية
- الإبداع / التقليد
ب- الشخوص المفهومية:
الصم البكم،القردة، الأطفال البلهاء..الأغبياء الببغاء، العقعق، الحيوان، الإنسان...
ح- الآليات المفارقة: المماثلة، النقد،استعمال المثال..
2- وضعية اّلإقناع:يود ديكارت من الأمور السابقة إعطاء مشروعية لإشكاليته وجعلها تتسم بطابع " الحقيقة "و " الصحة " وهو يعتمد بذلك على الدفع بالمتلقي إلى الانطلاق من ذاته كإنسان، وهذا هو منطلق الديكارتية أساسا، وبالتالي توظيف تجاربه كمدخل لإبرازمشروعية الإّشكالية التي يعالجها، وهذا يظهر عندما يقول ديكارت:" مما يستحق الذكر أنه ليس من الناس...منهم من لا يقدرون على تأليف كلمات مختلفة"....
-" لأن المرء يرى العقعق والببغاء تستطيع أن تنطق ببعض الكلمات مثلنا ولكنها مع ذلك لا تستطيع أن تنطق مثلنا"
-" ولما كان من الملاحظ التباين بين أفراد النوع الواحد من الحيوان كما في أفراد الإنسان...فإنه لا يصدق أن قردا أو ببغاء من أكمل نوعه يكافئ في ذلك طفلا من أغبى الأطفال"
-" أن تتفاهم معنا كما نتفاهم مع أمثالنا"
يود ديكارت إذن أن يقنعنا بصحة وحقيقة ويقينية أطروحته، وبالتاليبمشروعية إشكاليته، وهذا ما يفسر أن خطابه منسوج بواسطة الأمثلة والمقارنة.
3- وضعية التبني:
كما هو معروف فإن ديكارت صاحب مذهب فلسفي عقلاني، وهذال معناه أن النص الذي خصه لمسألة اللغة يهدف منه أن يجعلنا نتبنى هذا المزقف والذي يرجع إلى الإيمان بالعقل ومكا يرتبط به من وعي وحرية وفعل...أي كل السمات التي تميز الإنسان باعنباره حيوانا عاقلا والتي صاغها ديكارت في قولته المعروفة" أنا أفكر إذن أنا موجود"
الخلاصة التي يمكن أن نصل إليها وهي أن ديكارت يهدف إلى جعلنا نتبنى الموقف الفلسفي الذي يؤمن بقوة العقل والفكر، لأن الإنسان هو الوحيد فوق الأرض الذي هو العاقل، ولا يوجد هناك من ينافسه.
الهوامش:
1-frederic cossitta:descartes et l'argumentation philosophique.puf p.9
2- رويض محمد:حول مفهوم الحجاج في الفلسفة. مجلة نقد وفكر ع 26 ص 38.
3- pirre oleron: l'argumentation.puf p 8
5- fre-cossitta. ibid p 22
--6- المنهاج 1996