Tags: دراسات   السياسة  

واضح أن الثورة العلمية والتقنيةقد جعلت لها مكانا داخل المؤسسات التربوية، و أخذ عودها يشتد إثر جعلها وسيلة من وسائل التعليم / التعلم، إما جزئيا أو كليا في بعض المواد الدراسية، كاللغات والعلوم التجريبية … إذ استطاعت هذه التقنيات الجديدة أن تصوغ لنفسها مكانا داخلها، وتحدث تغيرات جذرية في المحتوى والطرائق والأساليب المتبعة في العملية التعليمية/ التعلمية لمثل هذه المواد الدراسية .

ونتيجة للمكانة التي أصبحت تحظى بها هذه التقنيات الجديدة وكذا قدرتها على إكساب التلميذ مهارات عديدة، و خلق وضعيات تعلم جديدة قادرة على دعمه في تجاوز بعض الصعوبات الدراسية لديه، سيحاول هذا البحث أن يرصد الوسائل السمعية البصرية و التقنيات المعلوماتية التي يتم اعتمادها في العملية التعليمية، وهو يأخذ مادة الفكر الإسلامي والفلسفة كنموذج لأهميتها في النظام التعليمي الثانوي، وللصعوبات التي حتما سيلقاها التلاميذ في استيعاب مضامينها و طرقها، خاصة باستعمال الوسائل السمعية البصرية، و بالتحديد تقنية الإعلام والتواصل المتمثلة في الحاسوب و الانترنيت، فكيف يمكن الاستفادة من الوسائل السمعية البصرية عامة، ومن التقنية المعلوماتية في درس الفكر الإسلامي والفلسفة خاصة؟ أو بمعنى آخر، كيف يتم توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال في درس الفكر الإسلامي و الفلسفة ؟ وما هي مجالات استخدام التلاميذ للتقنية المعلوماتية في هذا الدرس ؟ ثم ما هي المعيقات التي من شأنها أن تحد من الاستثمار الأمثل لهذه الطرق والأساليب في درس الفكر الإسلامي والفلسفة ؟
وأخيرا، هل يمكن استعمال الوسائل السمعية البصرية و التقنية المعلوماتية في درس الفكر الإسلامي والفلسفة، أم أن هناك صعوبات تحول دون هذا الاستعمال؟ ثم كيف ينظر أستاذ مادة الفكر الإسلامي والفلسفة لأهمية هذه الخطوة؟ هل هي إيجابية أم سلبية ؟


أهمية الموضوع:
لقد تم استثمار تكنولوجيا الإعلام والتواصل في مجال التربية والتعليم لتدريس بعض المواد كاللغات والموسيقى و الرياضيات… ، واعتمدت كطرق مساعدة لتنويع أساليب الخطاب والتواصل بين الأستاذ والتلميذ، بذل الاقتصار على الطرق التعليمية القديمة التي تعتمد في التدريس على السبورة بشكلها المبسط كوسيلة تعليمية وعلى التلقين من جانب المدرس وعلى الحفظ والاستذكار من قبل التلميذ، غير أن ما يمكن الوقوف عنده هو ان هذا الانفتاح على الأساليب والطرق الحديثة لم يشمل كل المواد المُدرَّسة، إذ هناك مجموعة من المواد التعليمية لا زالت تحاول العثور عن ذاتها لأجل مسايرة هذا التقدم التقني، و كذا الاستفادة من الطرق ووسائل التعليم الحديثة، وتكييف العملية التعليمية مع مستجدات العصر و وسائله المتطورة.. ونذكر على سبيل المثال، مادة الفكر الإسلامي والفلسفة التي رغم بعض المحاولات التي يقوم بها بعض الأساتذة في توظيف الوسائل السمعية البصرية، فهي مادة لازالت تعاني من غياب البحث العلمي المتعلق بإبداع وإنتاج توظيف التقنيات الحديثة في تعليم الفكر الإسلامي والفلسفة .
هذا بالإضافة إلى أن الفلسفة توجد دوما في معترك المتغيرات، فهي غير مستقلة أبدا عن التطورات التي تقع في المحيط الإنساني، بل هي تبررها وتجعلها تنكشف لذاته، لذلك تناولت التقنية كمسألة فلسفية تأخذ بعدا أنطولوجيا من حيت إنها اكتمال للميتافيزيقا .. فالتقنية " إذن كيفية من كيفيات الوجود، وشكل من أشكال الحقيقة، وما انتشار الآلات ونماذج التنمية والتصاميم والمخططات وتطور أدوات التواصل واكتساح الإعلاميات لكل الحقول إلا شكل من أشكال الحقيقة وكيفية من الكيفيات التي يختفي فيها الوجود اليوم ليظهر كمستودع، إنها الصورة التي أصبح فيها الوجود ذا طبيعة رياضية " .
إذن و أمام هذا التناول الفلسفي لمسألة التقنية، كان من اللازم رصد حضورها داخل درس الفكر الإسلامي والفلسفة، وبالتحديد رصد إمكانية توظيف الوسائل السمعية البصرية والتقنية المعلوماتية بشكل فعال في عملية التعليم والتعلم لمادة الفكر الإسلامي والفلسفة، مع إبراز المعوقات التي من شأنها أن تحد من الاستثمار الأمثل لهذه الطرق والأساليب في هذه المادة.


دوافع تحديث العملية التعليمية التعلمية
إن النظام التعليمي التقليدي في التدريس بالمؤسسات التعليمية، يرى أن التدريس يعتمد على السبورة بشكلها المبسط كوسيلة تعليمية و على التلقين من جانب المدرس وعلى الحفظ والاستذكار من قبل التلميذ، وشيوع هذا النوع من التدريس (طريقة التلقين) دون غيره من الطرق التدريسية في المؤسسات التربوية يعود بالأساس إلى قلة المراجع الدراسية وضعف التجهيزات. كل هذه العوامل تجعل المدرس يفضل هذه الطريقة لأنها تجعله " المصدر الأول للمعرفة و العامل الفعال و المرتكز الأساسي لعملية التعليم "(1) ، دون الاهتمام بالجوانب الأخرى من هذه العملية التعليمية، التي تهدف إلى إكساب التلميذ المهارات اللازمة و السلوك المطلوب المتمثل في تنمية ميوله واتجاهاته وقدراته على التعلم الذاتي، كما " يواجه التعليم التقليدي منفردا بعض المشكلات مثل:
أ-الزيادة الهائلة في عدد السكان و ما ترتب عليه من تشعب في التعليم.
ب- قلة عدد المعلمين المؤهلين تربويا.
ح- الانفجار المعرفي الهائل و ما ترتب عليه من تشعب في التعليم.
د- القصور في مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، فالمدرس ملزم بإنهاء كم من المعلومات في وقت محدد، مما قد لا يمكن بعض المتعلمين من متابعته بنفس السرعة " (2)
لهذا بات من اللازم إعادة النظر في أساليب التدريس التقليدية، وكذا الأخذ بالأساليب الحديثة التي تثير الفهم والاستقصاء في التعلم الذاتي و تجعل من الأستاذ " موجها و مشرفا ينظم عملية التعليم و التعلم في ضوء استخدام وظيفي للأساليب و الطرق الحديثة مع التركيز على التقنيات المتطورة والتي تخضع عملية التعليم و التعلم للطريقة العلمية التي تعتمد على المشاهدة و الاستقراء و العمل و تنمية الميولات و الاتجاهات"(3) ، ومنها إدخال الحاسوب إلى قاعة الدرس كوسيلة تعليمية جديدة لما يتميز به من كفاءة عالية وفرها للنظام التعليمي و لدوره الفعال وأهميته في تنمية المهارات العقلية والعمل الإبداعي لدى التلميذ.
لقد لجأ رجال التعليم إلى تحسين نوعية التعليم و تطوير أساليبه بالاعتماد على تكنولوجيا التعليم، خصوصا الوسائل السمعية البصرية وكذا التقنيات الحديثة للمعلومات، باعتبارها " أهم الوسائل التي يمكن أن تعمل على الدفع بتعليمنا خطوات كبيرة إلى الأمام، وتفتح أمامنا آفاق رحبة لبلورة تصورات جديدة يمكن أن تساهم في تقليص البون بين مادة الفلسفة وقدرة المتعلمين على استيعابها (من خلال الطرق التقليدية التي لازلنا نستعملها).
إن القدرة الهائلة للاستعمال الخصب والمتعدد لهذه التقنيات، في جميع مجالات الحياة، يجعلها قابلة للتوظيف في جميع المواد التعليمية وجميع الوضعيات التربوية و البيداغوجية، ويجعلها تستحق – بحق - أن تحمل اسم "التقنيات الحديثة للتربية" Les Nouvelles Technologies de l'Education ."(4) كونها جاءت كنقيض لما كانت تعتمده المدرسة القديمة، حيث تعتمد من خلال المنهج و المقررات الدراسية على تكثيف المعلومات النظرية و توصيلها للمتعلم عن طريق عملية التحفيظ دون اهتمام بالتقنيات الحديثة للتربية التي تعتمد الفهم والإدراك للغايات و الأهداف، وقد كان استخدامها في البداية مقتصرا على كونها وسائل مساعدة للأستاذ والمقرر، تغني عملية التعليم و تزيد من خبرات التلاميذ، يمكن للأستاذ توظيفها أو الاستغناء عنها إذا ما لاحظ عدم جدوى استخدامها. و الملاحظ أن هذه التقنيات و الوسائل الحديثة لا يتم توظيفها داخل المؤسسات التعليمية لعدة أسباب نذكر منها :
1-الإيمان بعدم جدوى استخدامها داخل القسم واعتبارها ملهاة للتلميذ و مضيعة لوقته.
2- افتقار المؤسسات التعليمية لهذه الأجهزة.
3- افتقار المؤسسات التعليمية للمواد المقدمة عبر هذه الوسائل، خصوصا المرتبطة بالمقررات الدراسية .
4- الافتقار للقدرة الفنية على استخدام هذه الوسائل و توظيفها في بعض الدروس المقررة.
لهذا استهدف النظام التعليمي بالمغرب استيعاب تقنيات تكنولوجيا الإعلام والتواصل وتوظيفها في العمليات التعليمية ، إذ قامت الوزارة المعنية بتزويد المؤسسات التعليمية بقاعات للمعلوميات مزودة بشبكة الانترنيت. كما تسعى الوزارة إلى تأهيل الأساتذة أثناء مرحلة التكوين في مجال استخدام الحاسوب وتملك مهاراته الأساسية. وتعمل أيضا على إعداد أساتذة في الإعلاميات قصد توظيفهم في المؤسسات التعليمية، للعمل في التدريس والإشراف على مختبرات الحاسوب وكذلك صيانة أجهزتها.


التقنية المعلوماتية وتدريس الفلسفة
يمكن الانطلاق مما انطلق منه الباحث المغربي " حسين باعدي " من قولة لمارتن هيدجر : " إذا كان اهتمام التقنيين عموما بالفلسفة ضعيف، فيجب على الفلسفة أن تهتم بدراسة التقنية بشكل أعمق" (5)من خلال ما سبق نلمس أن تقنية الحاسوب و الانترنيت لها اثر كبير على طبيعة العملية التعلمية/التعلمية وما يتمخض عنها من تغيير في أساليب التعلم والتعليم، أي أن عملية التعليم تزداد أهمية وخطورة، وخاصة في هذا العصر الذي نحياه والذي يدعى بعصر "الحاسوب والإنترنت"، عصر التكنولوجيا والاتصالات العالمية وثورة المعلومات التي تعصف بالإنسان من كل جانب، وتطوقه وتشمله بحيث لا يستطيع أن يبقي نفسه معزولا عن العالم، وما يجري حوله من تطورات واختراعات وأحداث، ولا يستطيع أيضا أن يبقي نفسه على نمط حياة واحد أنس به واعتاد عليه، فهو مضطر لأن يساير نمط العالم وتطوره، ويطلع على ما يجري فيه. من هنا تكمن أهمية مسايرة العملية التعليمية لما يجري في العالم من ثورة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وتصبح جزءا من مناهجها، وأساليبها، وطرائقها التدريسية بما يتلاءم وبيئتها وثقافتها وخصائص مجتمعها و تنمية الاعتماد على النفس والتعلم الذاتي والانتقال من التعلم المعتمد على الأستاذ إلى التعلم المعتمد على التلميذ. إن هذه التقنيات الجديدة تبشر بمعرفة، لم يحلم بها أحد قط على مدار التاريخ. إنها معرفة وضعت في مواقع تتوالد باستمرار تقدم نفسها، أحيانا كثيرة، كاملة مدشنة شبه قطيعة مع الكتاب المادي، فيجد المبحر مجلات وكتب مختلفة ومن شتى الميادين والتخصصات، منشورة على الويب. ولم لا يتم استخدام واستعمال هذه التقنيات الحديثة في مجال التربية والتعليم ما دامت تسمح لأي أستاذ مثلا وضع درسه في موقع ما وجعله رهن إشارة كل مبحر من تلامذته وغيرهم.
إن أهمية التقنيات الحديثة في تدريس مادة الفكر الإسلامي والفلسفة، تكمن " في قدرتها على الجمع بين الوظائف التي يمكن أن تقوم بها السبورة، والكتاب المدرسي، والوسائل السمعية البصرية في الوقت ذاته، إضافة إلى بعدها التفاعلي. فتسمى تفاعلية لأنها تنفتح على إمكانية تفاعل المتلقي مع الآلة، فيستطيع بالتالي توجيهها حسب قدراته، وسرعته في الاستيعاب." (6)
إن الحاسوب " يمنح للتلميذ بوجه خاص ظروفا مناسبة للتعلم، وذلك من خلال خلق وضعيات جديدة في التعلم، تسمح بالتواصل السريع، كما يتسع نشاط التلميذ، الذي تمكنه الملاحظة من تنظيم الوقائع بأسلوبه ومستواه الخاص. دون إغفال التغدية الراجعة للحاسوب أثناء عملية التقويم الذاتي للتلميذ، إن الحاسوب يمكن التلميذ من الانتقال من العمل الفردي تارة، إلى التعاون مع بعض التلاميذ في شكل مجموعات تارة أخرى"(7) ، وقد ساهمت تقنية قارئ الأقراص المضغوطة Lecteur de CD ROM التي يحتوي عليها الحاسوب من قراءة مجموعة من البرامج والموسوعات المضغوطة على الأقراص والتي من شأنها إفادة درس الفكر الإسلامي والفلسفة بمجموعة من المعلومات والأفكار، ومن أشهر هاته الأقراص مثلا : موسوعة المعاجم " جامع معاجم اللغة" التي تحتوي على مجموعة من المعاجم و القواميس العربية المشهورة كلسان العرب والقاموس المحيط وكتاب العين، المقاييس في اللغة، المنجد والمعاجم والتراجم… التي من شأنها تحديد الدلالة اللغوية العربية للمفاهيم المعتمدة في الدرس الفلسفي.
ومن بين الأقراص المهمة في مجال الفلسفة نجد البرنامج الشهير (Le monde de Sophie- عالم الحكمة- أو عالم صوفي)، الذي يتناول دراسة الشخصيات الفلسفية والحقب الفلسفية منذ عصر الحكماء السبع انتهاء بالفلسفة الوجودية مع "سارتر "، إذ باستطاعة هذا القرص إفادة كل طالب للمعرفة الفلسفية نظرا للتقنية التي يعتمدها هذا البرنامج في تقديم وعرض معلوماته، تلك التقنية التي تجمع بين الكلمة المكتوبة والصوت والصورة.
كما يمكن لمدرس الفلسفة من اعتماد الحاسوب في تحضير عناصر درسه على " الرقائق الشفافة " وذلك بالاعتماد على برمجيات ( أشهرها Powerpoint )، إذ تتيح له" أن ينشئ درسا تفاعليا يستغني فيه عن كثير من الوظائف التقليدية التي يقوم بها - حاليا - كتسجيل عناصر الدرس على السبورة مثلا.لأن طريقة التدريس بواسطة "الرقائق الشفافة" تتيح إمكانية التهييئ القبلي لهيكلة متكاملة، وتتيح لمدرس الفلسفة أن يضيف إلى عرضه نصوصا، وصورا، ومقاطع صوتية، ومقاطع فيديو، إن أحب. علاوة على ذلك، فإن "الرقائق الشفافة" قابلة للتحميل على الأقراص المرنة والاستنساخ على الأقراص المضغوطة، والطبع والنشر على شبكة الأنترنيت" (8)
إن التطورات المتسارعة في السنوات القليلة الماضية في مجالات تقنيات الحاسوب والوسائط المتعددة (Multi-Media) وشبكة الانترنيت والتكامل بينهما، أدى إلى نشوء ما يسمى اليوم " بتقنيات المعلومات والاتصالات". وأدى استخدامها إلى اكتشاف إمكانيات جديدة لم تكن معروفة من قبل، ظهر أثرها بوضوح في جميع مجالات الحياة اليومية ومنها مجال التعليم لما لها من مميزات عديدة في توفير الجهد والوقت وفي تحقيق الهدف البيداغوجي، إلى جانب ما تتمتع به هذه التقنيات من إمكانية في التحاور مع التلميذ، الذي هو محور العملية التعليمية وبالتالي إعطائه دوراً أكبر في تنفيذها وأصبح من المألوف على شبكة الانترنيت مشاهدة نوعيات عديدة وجديدة من التقنيات التي توفر الصوت، الفيديو، المحاكاة ويمكن تحميلها بسهولة على جهاز الكمبيوتر واستخدامها وتعديلها وفق رغبة التلميذ أو الأستاذ معا، وهناك اتجاه متزايد في الأوساط العلمية والتعليمية يؤكد على أن هذه التقنيات الجديدة بدأت تحدث تحولا جذريا في أساليب وأشكال التعليم المختلفة كما هو الشأن بالنسبة لتجربة أحد أساتذة مادة الفكر الإسلامي والفلسفة بأكادير منذ عام 2001 حيث وضع على شبكة الانترنيت موقعا تعليميا يحتوي على مجموعة من الدراسات الديداكتيكية ويتناول الدروس المقررة لمادة الفكر الإسلامي والفلسفة، حيث يستطيع التلاميذ والأساتذة أيضا في أي مكان في المغرب من الإطلاع على هذا الموقع والنهل من محتوياته http://membres.lycos.fr/minbar.

إن الانترنيت تعتبر " من أكثر الوسائل استعمالا بين التلاميذ، وهو كذلك من أسوئها استغلالا. وهنا يأتي دور المربين لتفعيل هذه الوسيلة لكي تضطلع بدورها التربوي والبيداغوجي. فيمكن لمدرس الفلسفة أن يستغل إمكانيات هذه "التقنية" بطرق متنوعة: إن هذه التقنية تتيح لمدرسي الفلسفة إمكانية نشر دروسهم على شبكة الأنترنيت (والتي يستطيع المتعلم العودة إليها في كل وقت وحين). ويمكن للمدرس أن يستغلها، كذلك، كطريقة لإغناء الدرس وتعليم التلاميذ تقنية البحث على هذه الشبكة، ودلالتهم على مواقع جادة وجيدة يمكن أن تغني معارفهم وتكسبهم مهارات جديدة. بل إن بالإمكان تشجيع التلاميذ على إنتاج ونشر صفحات خاصة أو جماعية (كمجلة القسم مثلا) على شبكة الأنترنيت. هذا علاوة على إمكانيات التواصل المتعددة التي يمكن أن توفرها هذه التقنية سواء بين الأستاذ وتلاميذه، أو بين المدرسين أنفسهم، أو من خلال المشاركة في مجموعات التحاور." (9)
وقد ساعدت هذه التقنيات الجديدة بما توفره من مميزات فنية (سهولة الحصول على المعلومة والتحديث والاستخدام والتعديل والإضافة) إلى نشوء بيئة تعليمية جديدة بحيث يصبح المتعلم أكثر قدرة على التحكم في عملية التعلم(10)
كما أدت هذه التقنيات، أيضا، إلى إعادة تعريف مفهوم المعلم و التلميذ ودورهما في العملية التعلمية تبعا لكل المتغيرات، فالعملية التعليمية أصبحت عملية توجيه لا تلقين والمعلم أصبح موجها لهذه العملية، مهيئا لظروف بيئية التعلم الجديدة، والتلميذ أصبح محور العملية التعليمية بحيث أصبح يتحمل عملية تعليمه سواء بالبحث عن المعلومات المطلوبة الموجودة في المقرر الدراسي أو في مصادر المعلومات الأخرى الموجودة على الشبكة كما أصبح قادرا على التحكم فيها وكذا تقيم عمله بنفسه .كما توجد كثير من دروس الفلسفة التي لا يمكن للتلميذ استيعابها بصورة مباشرة بالاعتماد على طرق التدريس التقليدية، بل يمكن له إدراكها سواء من خلال استعمال بعض الوسائل التعليمية الحديثة كالتلفزة والفيديو و السينما و جهاز ال "VCD " و الحاسوب الذي يمكن أن نختزل فيه كل الوسائل السابقة الذكر. حيث يمكن للتلميذ مشاهدة مجموعة من الأشرطة والوثائق والأفلام السمعية البصرية التي تعنى بدرس من دروس مادة الفكر الإسلامي و الفلسفة، وبالتالي تساهم في تطوير حدس التلميذ لبناء تصور عقلي لمحور الدرس المقصود في هذه العملية التعليمية/ التعلمية، وذلك من خلال ملاحظة أحداث كان ينظر إليها في السابق على أنها أعمال فنية سينمائية أو ترفيهية مثلا، و نذكر على سبيل المثال فلم لشارلي شابلن " الأزمنة الحديثة" التي يتم استثمارها في درس الشغل بالنسبة لمقرر السنة الثانية ثانوية تأهيلية، وحلقات الرسوم المتحركة "فتى الأدغال / ماوكلي " التي يمكن استثمارها في مجموعة من الدروس المقررة، كدرس اللغة ودرس الطبيعة والغير.
إن التوظيف الأمثل للوسائل السمعية البصرية والتقنية المعلوماتية في درس الفلسفة يقتضي اتباع المدرس لأسلوب معين في عملية التدريس وذلك عبر :
أولا : توافق الوسيلة مع أهداف الدرس كتقديم المعلومات أو اكتساب المهارات او تعديل الاتجاهات.
ثانيا :صدق المعلومات التي تقدمها الوسيلة وإعطاؤها صورة متكاملة عن الموضوع.
ثالثا: أن تكون الوسيلة في حالة جيدة وخالية من العيوب ما أمكن.
رابعا: أن تؤدي هذه الوسيلة إلى زيادة قدرة التلميذ على التأمل والملاحظة وجمع المعلومات والتفكير العلمي.
خامسا: ان تتناسب الوسيلة مع التطور العلمي والتكنولوجي.


معيقات استعمال الوسائل والتقنيات التكنولوجية في العملية التعليمية/التعلمية:
إن إستعمال الوسائل السمعية البصرية والتقنية المعلوماتية في درس الفكر الإسلامي والفلسفة، حتما تقف أمامه مجموعة من الصعوبات تحول دون توظيف هذه " التقنيات الحديثة" في تعلم الفلسفة، ويمكن اختزالها في:
1-الإيمان بعدم جدوى استخدامها داخل القسم واعتبارها ملهاة للتلميذ ومضيعة لوقته.
2- افتقار المؤسسات التعليمية لهذه الأجهزة.
3- افتقار المؤسسات التعليمية للمواد المقدمة عبر هذه الوسائل، خصوصا المرتبطة بالمقررات الدراسية .
4- الافتقار للقدرة الفنية على استخدام هذه الوسائل وتوظيفها في بعض الدروس المقررة.
5-عامل اكتظاظ التلاميذ داخل الفصل، يعيق توفير فضاء سمعي بصري للتلاميذ كما يعرقل عملية التواصل.
6-طبيعة النظم التعليمية السائدة بالتعليم (11)
7-تفشي الأمية التي تقاس بالثقافة المعلوماتية، بين جل الفاعلين التربويين بما فيهم المدرسون
8-حاجز اللغة، إذ يلاحظ طغيان اللغة الإنجليزية والفرنسية على الساحة المعلوماتية سواء من حيث معدل إنتاج الوثائق الإلكترونية وحجم تبادلها أو اللغة التي تتعامل معها البرمجيات وآلات البحث عبر الانترنيت مثلا(12)
9-سوء استغلال الانترنيت فيما له فائدة ومصلحة، إذ معظم مستخدمي هذه الشبكة يستعملونها للدردشة أو لتصفح المواقع الخليعة.
وفي مقال نشرته له مجلة علوم التربية يحمل " الحسين باعدي " المسؤولية للمدرس باعتباره " لم يحاول تجاوز دوره التقليدي، فضل ملتصقا به، بل يقف مع الأسف في وجه كل الوسائل الجديدة، التي تحاول الدفع من مجال التعليم الذاتي للتلميذ" (13)
لكن في واقع الأمر لا يمكن تحميل المدرس كامل المسؤولية.. بل قد يكون طرفا بنسبة لا تزيد عن العوامل الأخرى التي تعيق استعمال التقنية المعلوماتية في درس الفكر الإسلامي والفلسفة، وقد صنف باحث مغربي آخر هذه المعوقات " التي يمكن أن تحول دون توظيف "التقنيات الحديثة" في تدريس الفلسفة في معوقات مادية وأخرى بشرية:
1 المعوقات المادية:
الكل يعرف أن مؤسساتنا التعليمية تفتقر إلى ميزانية حقيقية للتجهيز والتسيير. فجلها لا يستطيع أن يؤمن الوسائل الضرورية، أو أن يعوض الأجهزة التي تتعرض للإتلاف فبالأحرى أن يتزود بآليات التكنولوجيا المعلوماتية. وفوق ذلك فإن الأوضاع المادية لرجال التعليم لا تسمح لهم بالتضحية بجزء من رواتبهم من أجل اقتناء أجهزة لازال كثير منهم يعتبرها ترفيهية.
2 المعوقات البشرية:
لابد من الإقرار – كذلك - بأن المعوقات البشرية لا تقل أهمية عن المعوقات المادية. فإذا كانت الأمية اليوم تقاس بالثقافة المعلوماتية، فلابد أن نعترف بأن جل الفاعلين التربويين أميون ويتساوى في ذلك المدرسون، والمفتشون، والإداريون. فرتابة الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي يدخل فيها الفاعلون التربويون تولد عند كثير منهم بطريقة واعية أو لا واعية رفضا مبدئيا لكل تغيير، وعادة ما يتم تغليف هذا الرفض بلباس نظري بيداغوجي وتربوي يبدو في الظاهر معقولا. وكثير ممن لا يمانعون في تفعيل الطرق التربوية وتحديث الوسائل الديداكتيكية يعيشون نوعا من الانتظارية محملين المسؤولية الكاملة والمطلقة، لوزارة التربية الوطنية في التكوين المستمر لرجل التعليم." (14)
عموما، يمكن القول: أن النظام التعليمي بالمغرب عمد إلى توفير فرص التعليم والتعلم، ونقل المعرفة إلى التلاميذ وتطوير قدراتهم ومهاراتهم بما يمكنهم من اكتشاف الحياة ومجالاتها، وعيا من هذا النظام بأن التقدم العلمي أدى إلى تقادم المعلومات وانخفاض قيمة المعلومات المكتسبة في مؤسسات التعليم، ورغم كل الجهود المبذولة، فإن هذا النظام لازال يعاني من مشاكل عديدة من أبرزها:
أن اغلب المؤسسات التعليمية لا زالت تعتمد الطرق و المناهج التقليدية في كل عملية تعليمية، رغم ما تشهده من مساعي نحو تخليق القطاع التعليمي و جعله يساير مقتضيات العصر و تطوره وتوفير المراجع العلمية والتقنية التي من شأنها تعزيز العملية التعليمية.
وبالرغم من كل الجهود المبذولة، فإن أغلب المؤسسات التربوية تفتقر للبنية التحتية الأساسية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات . و لضعف الخلفية العلمية لدى معظم رجال التدريس في هذا المجال .


خاتمة :
يتبين لنا من خلال ما سبق مدى أهمية التقنيات المعلوماتية في درس الفكر الإسلامي والفلسفة إذ أن استخدام التلميذ لهذه التقنيات التعليمية تنمي فيه مهارة الملاحظة والاستنتاج والتحليل مما يساعد في تكوين شخصية التلميذ و تتيح له الفرصة لتوظيف مكتسباته المعرفية والمهارية في معالجة إشكالات ترتبط بالإشكاليات التي تعالجها دروس المقرر الدراسي .
ولكن نجاح هذه التقنيات التعليمية في تحقيق الأهداف التربوية المتمثلة في تدريب التلميذ لاستيعاب المفاهيم الأساسية لدرس الفكر الإسلامي والفلسفة، وفي تطوير حدس التلميذ لبناء تصور لهذه المفاهيم، يعتمد على مدى اختيار الأستاذ للطرق و الوسائل التي ينبغي استثمارها في كل عملية تعلمية لبناء الدرس الفلسفي بالاعتماد على هذه التقنيات و الطرق التربوية الحديثة ومراعاة الخصوصيات النفسية للتلميذ وذلك عبر اختيار الأستاذ للزمن واللحظة المناسبة لتقديم هذه البرامج للتلميذ سعياً إلى تحقيق الأهداف المرجوة دون تضييع للوقت. و ينبغي أن تتفق هذه الوسائل والتقنيات مع أهداف الدرس ومستويات النمو العقلي والمعرفي والوجداني للتلاميذ، وأن يتضمن أنشطة مشوقة تجذبهم في التعامل معه وبه.
من كل هذا يمكن ملامسة دور الوسائل السمعية البصرية و التقنية المعلوماتية في درس الفكر الإسلامي والفلسفة، وملامسة دور المدرس أيضا، إن هذه الوسائل والتقنيات مهما تعددت وتنوعت فهي لن تلغي بأي شكل من الأشكال دور المدرس، بل هي تساعد كلا من التلميذ والأستاذ على بناء الدرس وتسييره، إذ أن وجود هذه الوسائل والتقنيات لن " يلغي عمل المدرس، ولكنها في حقيقة الأمر ستساعد كلا من المدرس والتلميذ على عبور الفجوة واستكمال النقص الناتج عن عدم وجود المدرس المتخصص الكفء، فالآلات التعليمية حليفة للمدرس ولكنها ليست خليفة له"(15) ، لكن التخوف من استعمال "التكنولوجيات الحديثة" يرجع "إلى غياب ثقافة معلوماتية حقيقية، مما يجعل بعض الفاعلين يخشون التبعية للآلة، اعتقادا منهم، مثلا، بقدرة هذه التقنيات على الاستغناء عن المدرس، والأكثرية تحصر أدوار هذه التقنيات في وظائف جزئية محدودة (حفظ/ تخزين المعلومات، الطباعة، الإبحار على الانترنيت).
يمكن الجزم بأن "التقنيات الحديثة" لا تستطيع أن تعوض العنصر البشري، فهي أدوات فاعلة، ومنتجة بدقة عالية (لمن يحسن كيفية استخدامها). ومن ثمة فإنها لن تعوض المدرس، ولكن ستحد بشكل كبير من الارتجال وسوء التدبير الذي يطغى على دروس الفلسفة. بل إن من شأنها القضاء على الرتابة التي يتسبب فيها الإلقاء المفرط بدعوى الحفاظ للفلسفة بطابعها النظري التجريدي. ومن ثمة، فإن حسن توظيف "التقنيات الحديثة" كوسائل تربوية يحتاج إلى التحضير القبلي لها. فإنها بالطبع تتطلب مجهودا إضافيا لابد من القيام به قبل وبعد الحصص المخصصة للتدريس." (16)

مثال لموقع فلسفي على شبكة الانترنيت

.
الشبكة التربوية الشاملة فيلومغرب: http://www.philomaghreb.com



==============
الهوامش:
1-البشير عبد الرحيم كلوب" إستخدام الأجهزة في عملية التعليم و التعلم" ، ص 13
2- الحسين باعدي، " تدريس الفلسفة بالحاسوب" ، مجلة علوم التربية ، العدد :25 ، أكتوبر 2003، ص: 48
3-البشير عبد الرحيم كلوب" إستخدام الأجهزة في عملية التعليم و التعلم" ، ص 13
4-http://membres.lycos.fr/minbar/themes/nte.htm
5- الحسن باعدي " تدريس الفلسفة بالحاسوب"، مجلة علوم التربية ، المجلد الثالث، العدد 25،أكتوبر 2003، ص : 51
6 -محمد باداج " التقنيات الحديثة ودرس الفلسفة"، جريدة : دليل الانترنيت، العدد 16، أكتوبر 2001، ص : 4 و في الوقع على شبكة الانترنيت http://membre.lycos.fr/minbar/themes/nte.htm
7- الحسن باعدي " تدريس الفلسفة بالحاسوب"، مجلة علوم التربية ، المجلد الثالث، العدد 25،أكتوبر 2003، ص : 54
8- http://membre.lycos.fr/minbar/themes/nte.htm
9- محمد باداج " التقنيات الحديثة ودرس الفلسفة"، جريدة : دليل الانترنيت، العدد 16، أكتوبر 2001، ص : 4 و في الوقع على شبكة الانترنيت http://membre.lycos.fr/minbar/themes/nte.htm
10- Kaplan, Howard (1997) / Interactive Multimedia and the World Wide Web / Anew Paradigm for University Teaching and learning http://www.Educause.edu/pub/er/review/ review Articles/ 32 148. Html
11- الحسن باعدي " تدريس الفلسفة بالحاسوب"، مجلة علوم التربية ، ص : 54-55
12- " تعكس الانترنيت صورة قاتمة للتنوع اللغوي، فمن ضمن الستة آلاف لغة، هناك 500 لغة ممثلة على الشبكة، معظمها ذو وجود ضعيف للغاية، وهو وضع ينذر ب (هوة لغوية Linguistic divide) تحت الصنع، تفصل بين لغات ودول العالم المتقدم ولغات دول العالم النامي غير القادرة على مساندة لغاتها في المعركة اللغوية الطاحنة عبر الانترنيت" أنظر للمزيد من المعلومات في هذا الشأن مقال لنبيل علي منشور في مجلة العربي، العدد 513، وفي الموقع http://www.annabaa.org/nba62/hasad.htm
13- الحسن باعدي " تدريس الفلسفة بالحاسوب"، مجلة علوم التربية ، ص : 55
14- محمد باداج " التقنيات الحديثة ودرس الفلسفة"، جريدة : دليل الانترنيت، العدد 16، أكتوبر 2001، ص : 4 و في الوقع على شبكة الانترنيت http://membre.lycos.fr/minbar/themes/nte.htm
15- التخطيط لمستقبل التكنولوجيا التعليمية، ص : 67
16- محمد باداج " التقنيات الحديثة ودرس الفلسفة"، جريدة : دليل الانترنيت، العدد 16، أكتوبر 2001، ص : 4 و في الوقع على شبكة الانترنيت http://membre.lycos.fr/minbar/themes/nte.htm